بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد
فقد أتاني هذا السؤال ونصه : " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله وبياكم شيخنا الحبيب أعزكم الله
أحسن الله إليكم شيخنا
إننا نعلم أن صفات الله ليست مخلوقة و لكن جاء في الحديث: (إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة..)
و سؤال: ما الفرق بين الرحمة المخلوقة والرحمة التي هي صفة الله
و جزاكم الله خيرا ".
فكان جوابنا لهذا السؤال - والذي تم بفضل لله ورحمته وكرمه وجوده واحسانه وتوفيقه - ما يلي :
أقول : آمين ولكم بمثل ؛ثم أقول : إن من قواعد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح ان أسماء الله وصفاته توقيفية أي تؤخذ من خبر الله سبحانه وتعالى في كلامه المنزل القرآن الكريم ومن كلام الرسول وسنته صلى الله عليه وسلم فلا إجتهاد ولا إعمال للرأي والقياس أو الإتيان بها بالحجج العقلية لأن هذا الأسماء والصفات أمور غيبية لا مدخل للعقل فيها فهي فوق طاقة البشر ويعجزون عن معرفة الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الا بخبر الوحي من كلام سبحانه و تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومصداق ما ذكرناه ما ثبت في السنة من حديث الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:( ، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك ، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك ، أو أنزلتَه في كتابِك ، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك ) .
أخرجه أحمد ( ٣٧١٢) وإبن حبان ( ٩٧٢) و الطبراني ( ١٠٣٥٢) .
وصححه الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة حديث رقم( ١٩٩ ) .
فتبين من هذا الحديث أن أسماء الله الحسنى وصفاته العلى منها :
١-
( سميت به نفسك ) : أي ذكر الله هذا الاسم في كلامه سبحانه و تعالى المنزل غير المخلوق وهو القرآن الكريم.
٢-
( أو علمته أحدا من خلقك ) أي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم بإخبار الله سبحانه وتعالى وحيا لرسوله صلى الله عليه وسلم.
٣-
( أو استأثرت به في علم الغيب عندك ) .
فلم يرد في الكتاب أو السنة بل هو من أمور الغيب التي استأثر الله بعلمها .
فتبين أن لا اجتهاد ولارأي ولا اعمال فكر ولا حجج عقلية يستفاد منها أو يؤخذ عنها اسم أو صفة لله تعالى وتقدس بل سبيل ذلك الوحي المنزل وما عدى ذلك فباطل لا يقره شرع صحيح ولا يقبله عقل سليم صريح.
ولذا فتقسيم علماء الاسلام صفة الرحمة الى هاتين الصفتين جرى تقريره وفهمه ونشره بناء على كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فعلى طلاب العلم الرجوع إلى كلام الله سبحانه و تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى ما كتبه وقرره كبار شيوخ الاسلام وأئمة السنة وأعلام الهدى و علماء السلف [ نذكرهم على سبيل التمثيل لا الحصر ] : عبدالله بن المبارك ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل والاوزاعي وسفيان الثوري وإبن تيميه ومحمد بن عبدالوهاب و الألباني وابن باز والجامي والعثيمين ومقبل والنجمي وربيع وغيرهم كثير
رحم الله الأموات وحفظ الله الأحياء ونفعنا الله واياكم بعلمهم...فعنهم ننقل ومنهم نستفيد .
وهاتان الصفتان هما :
( أولا )
صفة الرحمة الذاتية المختصة بالله سبحانه وتعالى من إدلتها قول الله تعالى وتقدس: { الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم }
{ الرحمن على العرش استوى} { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ }{ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}{ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }
إلى غير ذلك من الآيات التي أثبتت صفة الرحمة الذاتية لله تعالى وتقدس. وهذه الصفة ليست مخلوقة، وصف له، مثل: العلم والقدرة والحكمة، بل هذه أسماء لله و أوصاف ذاتية مثل الرحمن الرحيم .
( ثانيا )
وأما الرحمة المخلوقة التي
خلقها جل وعلا، وجعلها من عموم مخلوقاته يرحم بها عباده، أنزل منها رحمة واحدة، منها ما حصل لهم من التعاطف والتراحم والتعاون وما حصل من المآكل والمشارب والمساكن والهواء والماء، كل هذا من رحمته سبحانه وتعالى فهذه مخلوقة، وهي من آثار رحمته التي هي وصفه عز وجل و الرحمة المخلوقة من صفة الفعل كالخلق.
ودليلها ما ثبت في الصحيحين من حديث الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمةً، وأرسل في خلقه كلهم رحمةً واحدةً، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة، لم ييئَس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمَن من النار) هذه رواية البخاري رحمه الله في صحيحه( ٦٤٦٩)
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم رحمه الله حديث رقم ( ٢٧٢٥) : ( إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )
( فائدة علمية : ضابط التفريق بين هاتين الصفتين )
قال الإمام ابن باز رحمه الله:
" ما كان بالاختيار والمشيئة فهذه وصف فعل، وما كان لا يتعلق بالمشيئة فهذا يقال له وصف الذات، وصف ذاتي، فالرحمة المخلوقة نشأت عن المشيئة، فالوصف الذاتي الذي هو قائم به سبحانه وصف ذاتي كالعلم ولا يتعلق بالمشيئة كالعلم والقدرة والوجه واليد وأشباه ذلك مما هي أوصاف ذاتية ملازمة " [ انتهى كلامه رحمه الله من موقعه الرسمي ]
وفي مجموع فتاوى الإمام العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( ٨ / ٤٣٠ ) يقول رحمه الله : " أنزل رحمة من رحمتك : الرحمة نوعان:
١ - رحمة هي صفة الله؛ فهذه غير مخلوقة وغير بائنة من الله عز وجل، مثل قوله تعالى: { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ }، ولا يطلب نزولها.
٢ - ورحمة مخلوقة، لكنها أثر من آثار رحمة الله؛ فأطلق عليها الرحمة؛ مثل قوله تعالى في الحديث القدسي عن الجنة: ( أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ) " انتهى كلامه رحمه الله .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
----------------------------------------
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني