الثلاثاء، 10 مايو 2022

《 شرح قول الرسول صلى الله عليه وسلم :( لا يقصُّ على الناسِ إلا أميرٌ أوْ مأمورٌ أوْ مختال )》





السؤال :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

أسأل الله لكم فضيلة الشيخ السلامة والتوفيق .

ما معنى الحديث هذا الحديث : ( لا يقصُّ على الناسِ إلا أميرٌ أوْ مأمورٌ أوْ مختال) ؟

 أجبني بارك الله فيك بالتفصيل  .


الجواب  :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما  

أما بعد 


فهذا الحديث وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يقُصُّ على النَّاسِ إلَّا أميرٌ أو مأمورٌ أو مُرَاءٍ ) وورد بلفظ ( لا يقُصُّ على النَّاسِ إلَّا أميرٌ أو مأمورٌ أو مختال ) 

حديث صحيح 

رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه رحمهم الله من حديث الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه حديث رقم  ( ٣٠٣٧ ) .

معنى الحديث:

لا يقوم بوعظ الناس وارشادهم

إلا ولاة الأمر 

دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:

 ( إلا أمير ):

أي أن هذا العمل من اختصاص ولاة الأمر من الأمراء والسلاطين ؛ فيقومون بأنفسهم بتوجيه الناس وارشادهم وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم كما في حديث 

العرباض بن سارية رضي الله عنه وفيه قال :

( وَعَظَنَا رَسُولُ الَّلهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوعِظَةً بَلِيغَةً ، ذَرَفَت مِنهَا العُيونُ ، وَوَجِلَت مِنهَا القُلوبُ ) . رواه الترمذي رحمه الله  وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

وهكذا كان يفعل الخلفاء الراشدون المهديون رضي الله عنهم وصحابته رضي الله عنهم  

ففي البخاري ومسلم رحمهما الله من أثر  أبي وائل قال : [  كَانَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ ، فَقَالَ لَه رَجُلٌ : يَا أَبَا عَبدِ الرَّحمَن ، لَوَدِدتُ أَنَّك ذَكَّرتَنَا كُلَّ يَومٍ ، قَالَ : أَمَا إِنَّه يَمنَعُنِي مِن ذَلك أَنِّي أَكرَه أَن أُمِلَّكم ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُم بِالمَوعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَينَا ] ..

وقوله صلى الله عليه وسلم:( أو مأمور ):

أي أمر - بضم الهمزة - وكلف  من قبل ولي الأمر بالوعظ والتوجيه والارشاد والافتاء والتحديث والخطبة 

مثل أئمة المساجد وخطبائها 

أو الدعاة الذين عرفوا  بسلامة المعتقد الصحيح والمنهج السليم  والذين تم تعيينهم رسميا من قبل وزارة الشؤون الإسلامية في الدولة .

وقوله صلى الله عليه وسلم: ( أو مختال ) :معجب في نفسه وهيئته  . ومعنى هذا أن الوعظ والتوجيه والإرشاد هو من عمل واختصاص الأمير أو من جرى تكليفه بذلك .ومن وعظ وخالف توجيه النبي  فهو ( مختال )  يبين معنى هذه اللفظة الرواية الأخرى للحديث : ( أو مراء )  

أي يريد الرياء والسمعة وحب الشهرة و الشهوة الخفية كالميل إلى الرئاسة أو الانتصار إلى فكر منحرف عملا بتوجيهات جماعته الضالة مثل دعاة الاخوانية الخوارج أو التبليغ الصوفية فالدعوة لا بد لها من علم وهذا شرط اساسي في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى  وفي الافتاء وفي الحسبة وفي القضاء يقول الله سبحانه وتعالى  : { قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } فلا يدعو الداعي إلا الى الله وإلى توحيدالله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفق مراد الله سبحانه وتعالى ووفق مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بفهم من نزل عليهم الوحي وهم سلفنا الصالح رسول الله صلى عليه وسلم وأصحابه الغر الميامين رضي الله عنهم عالما  بما يدعو إليه " وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ، ويقين وبرهان ، هو وكل من اتبعه ، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي "  .[ تفسير ابن كثير رحمه الله لهذه الآية الكريمة ] .

فلا بد من الدعوة إلى التوحيد  فهذه دعوة الأنبياء والمرسلين  عليهم الصلاة والسلام 

ف" التوحيد أول دعوة الرسل، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله تعالى، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} وقال هود لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، وقال صالح لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، وقال شعيب لقومه:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت}فالتوحيد مفتاح دعوة الرسل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لرسوله معاذ ابن جبل رضي الله عنه وقد بعثه إلى اليمن:( إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله وحده فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة). وذكر الحديث وقال:(  أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم) . فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)، فهو أول واجب وآخر واجب فالتوحيد أول الأمر وآخره"

مدارج السالكين: ( ٣ / ٤٤٤)

ويأتي بعد الدعوة إلى التوحيد أهمية الدعوة إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛فالدعوة إلي السنة وبيان أهميتها ومنزلتها هي الحكمة لذا : " فقد أجمع العلماء قديما وحديثا على أن الأصول المعتبرة في إثبات الأحكام، وبيان الحلال والحرام في كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ثم إجماع علماء الأمة، واختلف العلماء في أصول أخرى أهمها: القياس، وجمهور أهل العلم على أنه حجة إذا استوفى شروطه المعتبرة، والأدلة على هذه الأصول أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر.أما الأصل الأول: فهو كتاب الله العزيز وقد دل كلام ربنا عز وجل في مواضع من كتابه على وجوب اتباع هذا الكتاب والتمسك به والوقوف عند حدوده قال تعالى: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } وقال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وقال تعالى: { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ . لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } وقال تعالى: { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } وقال تعالى: { هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ }والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقد جاءت الأحاديث الصحاح عن رسول الله ﷺ آمرة بالتمسك بالقرآن والاعتصام به، دالة على أن من تمسك به كان على الهدى ومن تركه كان على الضلال ومن ذلك ما ثبت عنه ﷺ أنه قال في خطبته في حجة الوداع: (إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله) رواه مسلم في صحيحه، وفي صحيح مسلم أيضا عن زيد بن أرقم رضي الله عنه  أن النبي ﷺ قال:( إني تارك فيكم ثقلين أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور؛ فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه،) ثم قال: ( وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي) وفي لفظ قال في القرآن: هو حبل الله من تمسك به كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلال.

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وفي إجماع أهل العلم والإيمان من الصحابة ومن بعدهم على وجوب التمسك بكتاب الله والحكم به والتحاكم إليه مع سنة رسول الله ﷺ ما يكفي ويشفي عن الإطالة في ذكر الأدلة الواردة في هذا الشأن.

أما الأصل الثاني: من الأصول الثلاثة المجمع عليها فهو ما صح عن رسول الله ﷺ من أقواله وأفعاله وتقريره، ولم يزل أهل العلم من أصحاب رسول الله ﷺ ومن بعدهم يؤمنون بهذا الأصل الأصيل ويحتجون به ويعلمونه الأمة، وقد ألَّفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة وأوضحوا ذلك في كتب أصول الفقه والمصطلح، والأدلة على ذلك لا تحصى كثرة؛ فمن ذلك ما جاء في كتاب الله العزيز من الأمر باتباعه وطاعته وذلك موجه إلى أهل عصره ومن بعدهم؛ لأنه رسول الله إلى الجميع، ولأنهم مأمورون باتباعه وطاعته حتى تقوم الساعة؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام هو المفسر لكتاب الله والمبين لما أجمل فيه بأقواله وأفعاله وتقريره. ولولا السنة لم يعرف المسلمون عدد ركعات الصلوات وصفاتها وما يجب فيها، ولم يعرفوا تفصيل أحكام الصيام والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يعرفوا تفاصيل أحكام المعاملات والمحرمات وما أوجب الله بها من حدود وعقوبات.ومما ورد في ذلك من الآيات قوله تعالى في سورة آل عمران:{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وقوله تعالى في سورة النساء:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }

وقال تعالى في سورة النساء أيضًا:{ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } وكيف يمكن طاعته، ورد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله إذا كانت سنته لا يحتج بها، أو كانت غير محفوظة؟ وعلى هذا القول يكون الله قد أحال عباده إلى شيء لا وجود له وهذا من أبطل الباطل ومن أعظم الكفر بالله وسوء الظن به.وقال عز وجل في سورة النحل: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } وقال أيضا في آية أخرى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فكيف يكل الله سبحانه إلى رسوله ﷺ تبيين المنزل إليهم، وسنته لا وجود لها أو لا حجة فيها، ومثل ذلك قوله تعالى في سورة النور:{ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } وقال تعالى في السورة نفسها: { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }وقال في سورة الأعراف:{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }وفي هذه الآيات الدلالة الواضحة على أن الهـداية والرحمة في اتباعه عليه الصلاة والسلام، وكيف يمكن ذلك مع عدم العمل بسنته أو القـول بأنـه لا صحة لها أو لا يعتمد عليها؟ فقال عز وجل في سورة النور:{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }وقال في سورة الحشر: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }والآيات في هذا المعنى كثيرة وكلها تدل على وجوب طاعته عليه الصلاة والسلام واتباع ما جاء به؛ كما سبقت الأدلة على وجوب اتباع كتـاب الله والتمسك به وطاعة أوامره ونواهيه، وهما أصلان متلازمان من جحـد واحدًا منهما فقد جحد الآخر وكذب به، وذلك كفر وضلال وخروج عن دائرة الإسلام بإجماع أهل العلم والإيمان.وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله ﷺ في وجوب طاعته واتباع ما جـاء به وتحريم معصيته، وذلك في حق من كان في عصره، وفي حق من يأتي بعده إلى يوم القيامة، ومن ذلك ما ثبت عنه في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:( من أطاعني فقد أَطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله)، وفي صحيح البخاري عنه رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:(  كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) قيل يا رسول الله: ومن يأبى، قـال: ( من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى).وخرج أحمد وأبو داود والحاكم بإسناد صحيح عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: ( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشـك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه).وخرج أبو داود وابن ماجه بسند صحيح: عن ابن أبى رافع عن أبيه رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:( لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنـه، فيقول: لا ندري ما وجدنا في كـتاب الله اتبعناه)وعن الحسن بن جـابر قال: سمعت المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه  يقول: حرم رسول الله ﷺ يوم خـيبر أشياء ثم قال: ( يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ يحدث بحديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنـا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله). أخرجه الحاكم والترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح.

وقد تواترت الأحـاديث عن رسول الله ﷺ بأنه كان يوصي أصحابه في خطبته:(  أن يبلغ شاهدهم غائبهم ويقول لهم: رب مبلغ أوعى من سامع).

ومن ذلك ما في الصحيحين أن النبي ﷺ لما خطب الناس في حجة الوداع في يوم عرفة وفي يوم النحر قال لهم: ( فليبلغ الشاهد الغائب، فرب من يبلغه أوعى له ممن سمعه) .

 فلولا أن سنته حجة على من سمعها وعلى من بلغته، ولولا أنها باقية إلى يوم القيامة لم يأمرهم بتبليغها. فعلم بذلك أن الحجة بالسنة قائمة على من سمعها من فيه عليه الصلاة والسلام، وعلى من نقلت إليه بالأسانيد الصحيحة.وقد حفظ أصحاب رسول الله ﷺ سنته عليه الصلاة والسلام القولية والفعلية وبلغوها من بعدهم من التابعين ثم بلغها التابعون من بعدهم. وهكذا نقلها العلماء الثقات جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن، وجمعوها في كتبهم وأوضحوا صحيحها مـن سقيمها، ووضعوا لمعرفة ذلك قواعد وضوابط معلومة بينهم يعلم بها صحيح السنة من ضعيفها وقد تداول أهل العلم كتب السنة من الصـحيحين وغيرهما وحفظوها حفظا تاما كما حفظ الله كتابه العزيز من عبث العابثين وإلحاد الملحدين وتحريف المبطلين؛ تحقيقا لما دل عليه قوله سبحانه:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }

 ولا شك أن سنة رسول الله ﷺ وحي منزل فقد حفظها الله كما حفظ كتابه، وقيض الله لها علماء نقادًا ينفون عنها تحريف المبطلين وتأويل الجاهلين ويذبون عنها كل ما ألصقه بها الجاهلون والكذابون والملحدون؛ لأن الله سبحانه جعلها تفسيرًا لكتابه الكريم وبيانًا لما أجمل فيه من الأحكام، وضمنها أحكاما أخرى لم ينص عليها الكتاب العزيز، كتفصيل أحكام الرضاع، وبعض أحكام المواريث، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها إلى غير ذلك من الأحكام التي جاءت بها السنة الصحيحة ولم تذكر في كتاب الله العزيز " [ من كلام الإمام ابن باز رحمه الله من موقعه الرسمي] .


وقوله صلى الله عليه وسلم  : ( لا يقص ) أي لا يعظ ولا يرشد ولا يدعو. 

و [ القصاص ] جمع ومفرده القاص و هو الواعظ والناصح والذي يضمن توجيهه ونصحا القصص الصحيحة الثابتة 

يقول الله سبحانه وتعالى:

{ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } .

 قال الإمام أحمد : " إذا كان القاص صدوقاً فلا أرى بمجالسته بأساً " .

و" جاء رجل إلى الإمام أحمد فشكا له الوسوسة فقال : عليك بالقاص ، ما أنفع مجالستهم ".

فإذا كان القاص صدوقا عالما  متخولا في وعظه غير ممل للناس في طريقته غير داعية إلى فكر منحرف كدعاة الخوارج الإخوانية أو الصوفية التبليغية القبورية أو الجهمية المعطلة أو أي داعية الى ضلالة فنسأل الله أن يكفي المسلمين شرهم .

وقد ورد ذم القصاصين  حينما يتعمدون الكذب في وعظهم وتضمين نصحهم الأحاديث الضعيفة والمكذوبة أو الدعوة إلى ملته الخارجية أو نحلته الضالة الأخرى فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يخرج من المسجد ويقول : [ ما أخرجني إلا القصاص ولولاهم ما خرجت ] . وسئل الإمام سفيان الثوري رحمه الله : نستقبل القصاص بوجوهنا ؟ فقال : " ولوا البدع ظهوركم " .

وعن الإمام شعبة بن الحجاج رحمه الله أنه دنا منه شاب فسأل عن حديث فقال له : " أقاص أنت ؟" فقال : نعم ، قال : " اذهب فإنا لا نحدث القصاص "، فقال له : لم ؟ قال : " يأخذون الحديث منا شبرا فيجعلونه ذراعا ". أي أنهم يزيدون في الحديث زيادة تخرجه عن اعتداله وصحته .

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°

كتبه : غازي بن عوض العرماني