الثلاثاء، 28 ديسمبر 2021

《 تحريم التهنئة بعيد ميلاد المسيح عيسى عبدالله ورسوله عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام 》


بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما أما بعد 

فقد ارسل إلينا احد الاخوة من المشايخ الفضلاء فتوى لاحد المفتين يرى فيها جواز تهنئة ذوي الديانة النصرانية بميلاد المسيح عيسى عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام وهذا خلاف اجماع المسلمين الذي نقله احد أئمة السلف الصالح وهو الامام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه أحكام أهل الذمة حيث قال رحمه الله : "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك وهو لا يدري قبح ما فعل . فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنبا لمقت الله وسقوطهم من عينه".انتهى كلامه رحمه الله .

وهذا إجماع نقله هذا الإمام على تحريم تهنئة الكفار بعيد ميلاد المسيح عيسى عبدالله ورسوله عليه الصلاة والسلام 

وعيسى صلى الله عليه وسلم كما ثبت وصفه في كلام الله سبحانه وتعالى ؛ بقول الله تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ } وكما ثبت في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم :( وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه )[ رواه البخاري ( ٣٤٣٥) ومسلم ( ٢٨ )].

ومعنى روح منه : [ من باب التشريف له فهو صلى الله عليه وسلم عين قائم بنفسه  وهو عبد مملوك لله ، وإضافة الروح هنا  من باب إضافة الشيء إلى مالكه أو المخلوق إلى خالقه, وقد تقتضي تلك الإضافة تشريفاً كناقة الله، ورسول الله، وبيت الله، وكليم الله, وقد لا تقتضي تشريفاً مثل أرض الله، وسماء الله ]

قال الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:"تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق [ ثم نقل الإجماع السابق للإمام ابن القيم رحمه الله ]ثم قال رحمه الله :

"وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حرامًا وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقرارًا لِمَا هم عليه من شعائر الكفر، ورِضَى به لهُم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يُحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنّئ بها غيره، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك كما قال الله تعالى: {إِن تَكْفُرُواْ فَإِنّ اللّهَ غَنِيّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىَ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} ، وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا} ، وتهنئتهم بذلك حرام سواءً كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا. وإذا هنؤونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك؛ لأنها ليست بأعياد لنا؛ ولأنها أعيادٌ لا يرضاها الله تعالى، لأنها إما مبتدعة في دينهم، وإما مشروعة لكن نُسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمدًا صل الله عليه وسلم إلى جميع الخلق، وقال فيه: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها. وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال، ونحو ذلك؛ لقول النبي صل الله عليه وسلم: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) [رواه الإمام أحمد وأبو داود]. قال شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه: [ اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم]: "مشابهتهم في بعض أعيادهم توجِب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء". انتهى كلامه رحمه الله. ومن فعل شيئًا من ذلك فهو آثم، سواء فَعَلَه مجاملةً أو توددًا أو حياءًا أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم. والله المسؤول أن يُعِزَّ المسلمين بدينهم، ويرزقهم الثبات عليه، وينصرهم على أعدائهم، إنه قوي عزيز ".انتهى كلامه رحمه الله من كتاب[ مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ( ٣ / ٣٦٩)].

و ما ذكره هذا المفتي الذي اباح تهنئة الكفار في هذه الفتوى التي انتشرت إعلاميا فيناقش في إدلته التي ذكرها.. 

هل هذه الادلة جرت في سياق تأييد تهنّئتهم وتجويز ذلك ؟

  أو هل هي وردت في معنى آخر ليس له صلة من قريب أو بعيد على صحة ما ذكره هذا المفتي   ؟ .

وهل تصلح هذه الادلة للاستدلال أو الاعتضاد من قريب أو بعيد لما ذكره المبيح ؟

ثم :

يقال له  : أين قول ابن تيمية رحمه الله تعالى في جواز تهنئة الكفار في اعيادهم والذي ذكرته دليلا على صحة فتواك  ؟

ولعله يفيد القارئ أو المستمع بإحالته إلى كتاب ابن تيمية رحمه الله بالصفحة والجزء والتي ذكر فيها اباحة تهنئة النصارى في عيد ميلاد المسيح اتماما للفائدة اذا كان ثمت فائدة تذكر . وهيهات هيهات أن يبيح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تهنئتهم بشعيرة من شعائر ديانتهم فهذا أمر يخالف الكتاب والسنة ويشق إجماع المسلمين 

فإذا ثبت عدم وجود ما ذكر أوما نسب  الى شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في تجويزه لتهنئة الكفرة بأعيادهم   فهذا يعتبر كذب وافتراء على هذا الإمام الجليل  ؛ 

وأما " التهنئة  بزوجة ، أو ولد ، أو قدوم غائب ، أو عافية ، أو سلامة من مكروه ، ونحو ذلك " فله أقوال في هذه المسألة  فأباحها مرة ومنعها أخرى 

وهذا خلاف التهنئة بشعائر الكفرة مثل تهنئتهم بأعيادهم فهنا الصورة تختلف والحكم يختلف  فالاخير  محل اتفاق على تحريمه نقله الإمام ابن القيم رحمه الله وهو أعلم وادرى بأقوال  شيخه شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله 

كما أن الكلام الذي ذكره هذا المفتي يمس  عقيدة المسلمين  وأصول دين الإسلام المبني على كلام الله سبحانه وتعالى وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم  وبطريقته هذه وهي الإعتماد على أقوال لم يصح نسبتها إلى قائلها  تقرير لمعتقد خاطئ اذ لا سابقة لهذا المفتي في اباحة التهنئة في عيد ميلاد المسيح عليه الصلاةوالسلام؛ فتحريم هذه التهنئة  محل اتفاق بين أهل الإسلام لعموم الأدلة و لتعلقه في الشرك بالله ومن آثار تهنّئتهم تصحيح معتقد الديانة النصرانية التي أتى الكتاب والسنة وإجماع الأمة على ضلالهم وشركهم بالله .

و تمييع الدين تحت مسمى البر وحسن الخلق مع الكفار المسالمين والإحسان لهم ؛ هذه عادة لم يفعلها الرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحسن الناس خلقاً بشهادة رب العالمين وأعظمهم إحساناً للخلق، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم تهنئة اليهود باعياد ميلادهم  وهم في المدينة النبوية فترة من الزمن مع وجود السبب المقتضي لذلك ومرور عدد من أعيادهم ، ومثل ذلك لوحصل  لنقله الصحابة رضي الله  عنهم الذين نقلوا دقائق حياته وأقواله صلى الله عليه وسلم فلا يخفى عليهم هذا الأمر  .

ومساواة التهنئة على رد السلام وإجابة الدعوة والزيارة قياس مع الفارق؛ لأن هذا الصنيع إقرار لهم بصحة معتقدهم والاحتفال بالعيد والتهنئة به، من شعائر  الدين  كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا). رواه البخاري رحمه الله 

والطريقة الشرعية في الإحسان إلى الكفار اذا كان هنا ثمت مصلحة شرعية هي ما ورد بيانها في كلام الله سبحانه وتعالى :{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

والشاهد في قوله تعالى  : { والمؤلفة قلوبهم } قال الإمام البغوي رحمه الله: " وأما الكفار من المؤلفة : فهو من يخشى شره منهم ، أو يرجى إسلامه ، فيريد الإمام أن يعطي هذا حذرا من شره ، أو يعطي ذلك ترغيبا له في الإسلام فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم من خمس الخمس ، كما أعطى صفوان بن أمية لما يرى من ميله إلى الإسلام ".انتهى كلامه رحمه الله. 

ودين الله كامل يقول الله سبحانه وتعالى:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ } قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره لهذه الآية  : " وقوله : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا }هذه أكبر نعم الله عز وجل ، على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم ، فلا يحتاجون إلى دين غيره ، ولا إلى نبي غير نبيهم ، صلوات الله وسلامه عليه ; ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء ، وبعثه إلى الإنس والجن ، فلا حلال إلا ما أحله ، ولا حرام إلا ما حرمه ، ولا دين إلا ما شرعه ، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف ، كما قال تعالى : { وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا }أي : صدقا في الأخبار ، وعدلا في الأوامر والنواهي ، فلما أكمل الدين لهم تمت النعمة عليهم ; ولهذا قال [ تعالى ] ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) أي : فارضوه أنتم لأنفسكم ، فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه وبعث به أفضل رسله الكرام ، وأنزل به أشرف كتبه .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) وهو الإسلام ، أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان ، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا ، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا ، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا ".

وقد رأيت احد المفتين من جعل التهنئة قسمين 

قسم حرمه :

لتعلقها بتعظيم المخلوق واقرار ماهم عليه  من الشرك  ...

وتهنئة اباحها :

وزعمه في ذلك أنها من باب المجاملة. 

اقول :

وهذا تقسيم باطل لا دليل له عليه فالمجاملة وهي المداهنة محرمة شرعا فكيف جعلها دليلا على اباحة امر متفق على تحريمه بين المسلمين

قال الله تعالى وتقدس:{ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } 

قال الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية  : " { وَدُّوا } أي: المشركون { لَوْ تُدْهِنُ } أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول أو الفعل أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه، { فَيُدْهِنُونَ } ولكن اصدع بأمر الله، وأظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره، بنقض ما يضاده، وعيب ما يناقضه ".انتهى كلامه رحمه الله.

وطريقة هؤلاء المتلونة أنهم يتبعون أهواءهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال وما تمليه عليهم مصالحهم الحزبية أو  الشخصية ولهم امثله في تقسيم الأحكام الشرعية إلى حلال وحرام فالمظاهرات منها سلمية مباحة ودموية محرمة ومعلوم أن المظاهرات محرمة شرعا عند أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح.



وأبشر الإخوة الكرام ان دين الله  منصور ورايته مرفوعه وأتباعه يوميا في ازدياد ظاهر ولدولة الإسلام الصحيح المملكة العربية السعودية جهود بارزة في نشر الإسلام في ارجاء العالم بما في ذلك دول اورباء وامريكا من خلال المراكز الإسلامية التي وضعتها خدمة لنشر الإسلام الصحيح  ؛ سائلا الله تعالى التوفيق والاعانة والسداد وموفور الصحة والعافية لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود  وولي عهده عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود 

وأن يوفقهما الله بتوفيقه وينصرهما على أعدائهما أعداء الإسلام من حوثية رافضة وخوارج اخوانية وملاحدة 

  

رزقنا الله  العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

....................

كتبه : غازي بن عوض العرماني.