بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما أما بعد
فقد رأيت مقطع فيديو يقوم فيه مجموعة من الناس بقطع جزء من عروق ايديهم أو كفوفهم أو اصابعهم ثم توضع بعد ظهور الدم منها في حوض ماء ويخلط هذا الدم مع الماء ومن ثم يقوم صاحب الابل بوضع قناة تصريف لهذا الماء المخلوط بالدم من أجل أن تشربه ابله في حوض اعد لهذا الشأن .
فهذا العمل غير مشروع لما يترتب عليه إضرار بالبهيمة أو من يأكل البهيمة فالدم المسفوح من البهيمة محرم شرعا قال الله تعالى وتقدس: { قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ}
قال الطبري رحمه الله في تفسيره لهذه الآية : " وأما قوله: (أو دمًا مسفوحًا)، فإن معناه: أو دمًا مُسَالا مُهَرَاقًا. يقال منه: " سفحت دمه "، إذا أرقته, أسفحه سَفْحًا, فهو دم مسفوح ".
فهذا الدم المسفوح محرم في البهائم التي أباح الله لحومها للآدميين لعظيم الضرر وأنه من أسباب انتشار الأوبئة والامراض فكيف بدم الآدمي الذي عُلِم اضطرارا نجاسته بإتفاق العلماء فهذا العمل وهو إطعام البهيمة من دم الادمي والإكثار من اطعامها بهذا الدم يلحقها بالجلالة [ هي الحيوان المباح اكله الذي يتغذى على النجاسات ، يسمى عند العلماء بـ " الجلَّالة " ].وذلك لثبوت تحريم أكل هذه الجلالة في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فعَنْ ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ ، وَأَلْبَانِهَا ) رواه الإمام الترمذي رحمه الله حديث رقم (١٨٢٤) ، وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي وفيه بنحوه أو مثله كذلك من حديث الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنهما وصححه الإمام الألباني رحمه الله . وهو كذلك في سنن النسائي رحمه الله من حديث الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما.
وأما قولهم في هذا المقطع : [ الله ينفع فيه ]. فهذا
كأنه نوع من اعمال التبرك بدم ذات الشخص والتبرك بذات غير ذات الرسول صلى الله عليه وسلم متفق بين أهل الإسلام على تحريم هذا التبرك لأنه وسيلة من وسائل الشرك بالله سبحانه وتعالى.
قال الإمام ابن باز رحمه الله: " لا يجوز التبرك بأحد غير النبي ﷺ لا بوضوئه ولا بشعره ولا بعرقه ولا بشيء من جسده، بل هذا كله خاص بالنبي ﷺ لما جعل الله في جسده وما مسه من الخير والبركة.
ولهذا لم يتبرك الصحابة رضي الله عنهم بأحد منهم، لا في حياته ولا بعد وفاته ﷺ، لا مع الخلفاء الراشدين ولا مع غيرهم، فدل ذلك على أنهم قد عرفوا أن ذلك خاص بالنبي ﷺ دون غيره، ولأن ذلك وسيلة إلى الشرك وعبادة غير الله سبحانه، وهكذا لا يجوز التوسل إلى الله سبحانه بجاه النبي ﷺ أو ذاته أو صفته أو بركته لعدم الدليل على ذلك؛ ولأن ذلك من وسائل الشرك به والغلو فيه عليه الصلاة والسلام.
ولأن ذلك أيضا لم يفعله أصحابه رضي الله عنهم ولو كان خيرا لسبقونا إليه، ولأن ذلك خلاف الأدلة الشرعية، فقد قال الله تعالى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}. [الأعراف: ١٨٠ ] ولم يأمر بدعائه سبحانه بجاه أحد أو حق أحد أو بركة أحد . ويلحق بأسمائه سبحانه التوسل بصفاته كعزته، ورحمته، وكلامه وغير ذلك، ومن ذلك ما جاء في الأحاديث الصحيحة من التعوذ بكلمات الله التامات، والتعوذ بعزة الله وقدرته.
ويلحق بذلك أيضا: التوسل بمحبة الله سبحانه، ومحبة رسوله ﷺ، وبالإيمان بالله وبرسوله والتوسل بالأعمال الصالحات، كما في قصة أصحاب الغار الذين آواهم المبيت والمطر إلى غار فدخلوا فيه فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم باب الغار، ولم يستطيعوا دفعها، فتذاكروا بينهم في وسيلة الخلاص منها، واتفقوا بينهم على أنه لن ينجيهم منها إلا أن يدعوا الله بصالح أعمالهم، فتوسل أحدهم إلى الله سبحانه في ذلك: ببر والديه.. فانفرجت الصخرة شيئا لا يستطيعون الخروج منه... ثم توسل الثاني: بعفته عن الزنا بعد القدرة عليه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء لكنهم لا يستطيعون الخروج من ذلك... ثم توسل الثالث بأداء الأمانة فانفرجت الصخرة وخرجوا.
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين عن النبي ﷺ، من أخبار من قبلنا لما فيه من العظة لنا والتذكير.
وقد صرح العلماء رحمهم الله بما ذكرته في هذا الجواب... كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم، والشيخ العلامة عبدالرحمن بن حسن في [فتح المجيد شرح كتاب التوحيد] وغيرهم.
وأما حديث توسل الأعمى بالنبي ﷺ في حياته ﷺ فشفع فيه النبي ﷺ ودعا له فرد الله عليه بصره... فهذا توسل بدعاء النبي ﷺ وشفاعته، وليس ذلك بجاهه وحقه كما هو واضح في الحديث... وكما يتشفع الناس به يوم القيامة في القضاء بينهم. وكما يتشفع به يوم القيامة أهل الجنة في دخولهم الجنة، وكل هذا توسل به في حياته الدنيوية والأخروية.. وهو توسل بدعائه وشفاعته لا بذاته وحقه كما صرح بذلك أهل العلم، ومنهم من ذكرنا آنفا ".
[ مجموع فتاوى ومقالات الإمام ابن باز رحمه الله ( ٧ / ٤٥ )] .
قال العلامة الشاطبي رحمه الله في الاعتصام ( ٨ /٢-٩) ناقلا الإجماع على تحريم التبرك باالاشخاص غير الرسول صلى الله عليه وسلم : " الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه الصلاة والسلام لم يقع من أحدٍ, منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فهو كان خليفته، ولم يُفعل به شيءٌ من ذلك، ولا عمر رضي الله عنه، وهو كان أفضل الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركاً تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم فهو إذاً [ إجماع منهم على ترك تلك الأشياء]". انتهى كلامه رحمه الله.
ويلحق ذلك التبرك بشرب دماء بني آدم - عليه الصلاة و السلام- وأما رواية شرب الصحابي عبدالله بن الزبير رضي الله عنه لدم الرسول صلى الله عليه وسلم فقيل : بضعفه اسنادها .
وقيل : إن ثبتت فمن خصوصيات الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يلحق به غيره
قال الإمام ربيع المدخلي حفظه الله : " قال الله سبحانه وتعالى: { إنّما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير } .
الدم حرام, وأنا أشك في ثبوت قصة شرب ابن الزبير من دمه صلى الله عليه وسلم, وسندرسه إن شاء الله تعالى, ثم الرسول صلى الله عليه وسلم له شأن غير الآخرين بارك الله فيكم، وأمّا الدم فحرام, ودم الأنبياء أشدّ حرمة عليهم الصلاة والسلام ". انتهى كلامه حفظه الله من موقعه الرسمي .
[ الخاتمة : نسأل الله حسنها ]
نقول : هذا العمل لا يخلو من حالين :
( الحال الأولى )
أما من التحريم :
اذ الاستفادة من دم الإنسان المسفوح عمل محرم في البهيمة التي أباح الله لحومها كما بينا سابقا فكيف بدم انسان ثبت ضرره وثبت تحريمه بإدلة الشرع بل قد تلحق هذه البهيمة التي جرى اطعامها بهذا الدم اذا كان بكثرة بالجلالة فيحرم أكلها .
( الحال الثانية )
ان يكون وسيلة كبيرة من وسائل الشرك وأبوابه فغلق هذا الباب وسد الذرائع المفضية إلى الشرك مثل :
التبرك بدماء الاشخاص و[ أن الله ينفع فيها ] فهذا مع انه وسيلة كبيرة للشرك الاكبر بالله فهو كذب مفترى على الله سبحانه وتعالى
فالله سبحانه وتعالى بين الحلال وبين الحرام وهذا العمل لا شك في تحريمه .
فعلى المسلم الذي يريد الله والدار الاخرة أن تكون اعماله وفق الكتاب والسنة وما عليه هدي سلفنا الصالح من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
ويحذر من فعل امثال هؤلاء الجهلة ففعلهم مخالف لإدلة الكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
وعلى هؤلاء الجهلة التوبة والاستغفار والندم على هذا الفعل والذي أشد منه تحريما نشره بين عامة المسلمين فهذا وسيلة لإضلالهم ونشر وسائل الشرك بينهم مع نشر الآفات والامراض .
ونشر هذه البدعة المنكرة يلحق وزرها من عملها ونشرها ولم يحذر منها وقد ثبت في السنة
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ . وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ )
رواه مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم (١٠١٧) .
مع ملاحظة أن التحريم لا يقتصر على أناس دون أناس
أو على قبيلة دون قبيلة فالكل في تحريم هذا العمل سواء
وأحيلكم على فتوى اللجنة الدائمة برئاسة الإمام ابن باز رحمه الله :
السؤال الأول من الفتوى رقم ( ١٨٢٥٣)
س ١ :
ما حكم شرب دم البرازي من قبيلتي السهول ومطير، حيث يشربونه عندما يعضهم حيوان مغلوث، وما الحكمة في هاتين القبيلتين فقط؟ ولماذا لا يشربون من دم أي قبيلة كانت؟
ج ١ :
شرب الدم حرام، ولا يجوز التداوي بالحرام، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: «تداووا ولا تداووا بحرام» (*) والتداوي بدم القبيلتين المذكورتين لا أصل له في الشرع، بل هو منكر لا يجوز. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
وهنا فتاوى كثيرة من كبار علماء الاسلام تثبت تحريم هذا العمل اكتفينا بفتوى الإمام ابن باز رحمه الله.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
----------------------------------------
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني.