الأربعاء، 26 مايو 2021

《 رسالة إلى أهل دولة سلطنة عمان في بيان تحريم المظاهرات وانها من وسائل الخروج على ولاة الأمر وفيها زعزعة الأمن والاستقرار 》


 


         [[     المقدمة    ]]


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:  ١٠٢ ].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء : ١ ].

 ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: ٧٠-٧١]

فيقول الله تعالى وتقدس  : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: ١٥٥ - ١٥٧].

قال الإمام عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية  : " فالصابرين, هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة, والمنحة الجسيمة، ثم وصفهم بقوله: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ } وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره. { قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ } أي: مملوكون لله, مدبرون تحت أمره وتصريفه, فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها, فقد تصرف أرحم الراحمين, بمماليكه وأموالهم, فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد, علمه, بأن وقوع البلية من المالك الحكيم, الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك, الرضا عن الله, والشكر له على تدبيره, لما هو خير لعبده, وإن لم يشعر بذلك، ومع أننا مملوكون لله, فإنا إليه راجعون يوم المعاد, فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده، وإن جزعنا وسخطنا, لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله, وراجع إليه, من أقوى أسباب الصبر " .

فالصبر :

خلق يهبه الله لمن أراد سعادته في الدارين فيكون صابرا على الابتلاء والنعماء وصابرا عن الشهوات والمعاصي محتسبا مااصابه عاملا بشرع الله حين نزول  قضاء الله وقدره  

فأدق وصف لأهل الصبر من المؤمنين ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم  : (  عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له ) .

رواه مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ٢٩٩٩ ) 

من حديث الصحابي الجليل صهيب الرومي رضي الله عنه .



[[ الفصل الأول : بعض فضائل الصبر وعواقبه الحميدة ]] 

 ذكر الامام ابن القيم رحمه الله  في مقدمة كتابه عدة الصابرين بعض فضائل الصبر نوردها لنفيس كلامه  فقال رحمه الله :

" أما بعد ؛ فإن الله سبحانه جعل الصبر جواداً لا يكبو , وجنداً لا يهزم , وحصناً حصينا لا يهدم ، فهو والنصر أخوان شقيقان ، فالنصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، والعسر مع اليسر ، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد ، ومحله من الظفر كمحل الرأس من الجسد .

ولقد ضمن الوفي الصادق لأهله في محكم الكتاب أنه يوفيهم أجرهم بغير حساب .

وأخبر أنه معهم بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين ، فقال تعالى : { واصبروا إن الله مع الصابرين } .

وجعل سبحانه الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين ، فقال تعالى : { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } .

وأخبر أن الصبر خير لأهله مؤكداً باليمن فقال تعالى : { ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } .

وأخبر أن مع الصبر والتقوى لا يضر كيد العدو ولو كان ذا تسليط ، فقال تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعلمون محيط } .

وأخبر عن نبيه يوسف الصديق أن صبره وتقواه وصلاه إلى محل العز والتمكين فقال : { إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }.

وعلق الفلاح بالصبر والتقوى ، فعقل ذلك عنه المؤمنون فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون }.

وأخبر عن محبته لأهله ، وفي ذلك أعظم ترغيب للراغبين ، فقال تعالى : {والله يحب الصابرين } .

ولقد بشر الصابرين بثلاث كل منها خير مما عليه أهل الدنيا يتحاسدون ، فقال تعالى : {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } .

وأوصى عباده بالاستعانة بالصبر والصلاة على نوائب الدنيا والدين فقال تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } .

وجعل الفوز بالجنة والنجاة من النار لا يحظى به إلا الصابرون ، فقال تعالى : { إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون } .

وأخبر أن الرغبة في ثوابه والإعراض عن الدنيا وزينتها لا ينالها إلا أولو الصبر المؤمنون ، فقال تعالى : { وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون } .

وأخبر تعالى أن دفع السيئة بالتي هي أحسن تجعل المسيء كأنه ولي حميم ، فقال : { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } وأن هذه الخصلة { لا يلقاها إلا الذين صبروا . وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } .

وأخبر سبحانه مؤكدا بالقسم { إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }.

وقسَّم خلقه قسمين : أصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة ، وخص أهل الميمنة أهل التواصى بالصبر والمرحمة .

وخص بالانتفاع بآياته أهل الصبر وأهل الشكر تمييزاً لهم بهذا الحظ الموفور ، فقال في أربع آيات من كتابه : { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } .

وعلَّق المغفرة والأجر بالعمل الصالح والصبر ، وذلك على من يسره عليه يسير ، فقال : { إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير } .

وأخبر أن الصبر والمغفرة من العزائم التي تجارة أربابها لا تبور ، فقال : { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور }.

وأمر رسوله بالصبر لحكمه ، وأخبر أن صبره إنما هو به وبذلك جميع المصائب تهون فقال : {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } ، وقال : { واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون . إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } .

والصبر ساق إيمان المؤمن الذي لا اعتماد له إلا عليها , فلا إيمان لمن لا صبر له وإن كان فإيمان قليل في غاية الضعف وصاحبه يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به ، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ، ولم يحظ منهما إلا بالصفقة الخاسرة .

فخير عيش أدركه السعداء بصبرهم , وترقوا إلى أعلى المنازل بشكرهم ، فساروا بين جناحي الصبر والشكر إلى جنات النعيم ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم " .انتهى كلامه رحمه الله.


 [[ الفصل الثاني  : بعض إدلة أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في فضل الصبر على ظلم ولاة الأمور وتحريم الخروج عليهم ]]


 تظافرت الأدلة وتواترت على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر وفق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والصبر على ظلمهم وجورهم لما في ذلك من جلب مصالح عظيمة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ودرء ودفع مفاسد عظيمة وشرور كثيرة وكبيرة لا يعلمها إلا الله 

من هذه الادلة ما يلي : 

   

روى البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٧٠٥٥ ) ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٤٢)  عن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه  قال: دعانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا:( أن بايعنا على السمع والطاعة في مَنْشَطِنا ومكرهنا، وعُسْرنا ويُسرنا، وأَثَرَة علينا، وألا ننازعَ الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا - ظاهرًا - عندكم من الله فيه برهان )


وروى البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٧٠٤٨) ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم(  ١٨٤٧  ) والسلسلة الصحيحة ( ٢٧٣٩) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه  قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر مخافة أن يدركَني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ( نعم )، قلتُ: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: (نعم، وفيه دَخَن ) - فساد في القلوب - قلتُ: وما دَخَنه؟ قال: (قوم يَهدون بغير هَدْيِي، تعرف منهم وتنكر )، قلتُ: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاةٌ على أبواب جهنم، مَن أجابهم إليها قذفوه فيها )، قلتُ: يا رسول الله، صِفْهم لنا، قال: (هم من جِلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، قلتُ: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعةَ المسلمين وإمامَهم) [ تسمعُ وتُطيعُ الأميرَ ، وإن ضرب ظهرَك ، وأخذ مالَك ، فاسمع وأطِعْ ] قلتُ: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها، ولو أن تعَضَّ بأصل شجرة، حتى يدركَك الموتُ وأنت على ذلك).

وروى البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم  ( ٧٠٥٤) ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ١٨٤٩ ) عن عبدالله بن عباس  رضي الله عنهما عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: ( مَن رأى من أميره شيئًا يكرهه فليَصبِر عليه؛ فإنه مَن فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات مِيتة جاهلية ).

 روى البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٧٠٥٢) ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم(  ١٨٤٣)  عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه  قال: قال لنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم : ( إنكم سترون بعدي أَثَرَة   وأمورًا تُنكِرونها )، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: (أدُّوا إليهم حقَّهم، وسَلُوا الله حقكم).

وروى مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ١٨٤٦ )  عن وائل الحضرمي رضي الله عنه  قال: سأل سلمةُ بن يزيد الجعفي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله، أرأيتَ إن قامت علينا أمراء يسألونا حقَّهم ويمنعونا حقَّنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيس، وقال صلى الله عليه وسلم : (اسمعوا وأطيعوا؛ فإنما عليهم ما حمِّلوا، وعليكم ما حمِّلتم).

وروى مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ١٨٥٤)  عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم  عن النبي  صلى الله عليه وسلم  أنه قال: ( إنه يُستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم - أي مَن كَرِه بقلبه وأنكر بقلبه - ولكن مَن رضي وتابع )، قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: (لا، ما صلَّوا ) .

 وروى مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ١٨٥٢)  عن عرفجة رضي الله عنه  قال: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول: ( إنه ستكون هَنَاتٌ  وهَنَاتٌ، فمَن أراد أن يفرِّق أمر هذه الأمَّة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائنًا من كان ).

وروى مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ١٨٥٥ ) عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: ( خِيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلُّون عليكم - الصلاة هنا الدعاء- وتصلُّون عليهم  وشرار أئمتكم الذين تُبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم )، قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: ( لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئًا تكرهونه، فاكرهوا عمله ولا تَنْزِعوا يدًا من طاعة)

 قال الخلاَّل رحمه الله[ كتاب السنة له ( ١ / ١٣٢ )]  :

أخبرني علي بن عيسى، قال: سمعت حنبلاً يقول في ولاية الواثق: اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبدالله  - أحمد بن حنبل -: أبو بكر بن عبيد، وإبراهيم بن علي المطبخي، وفضل بن عاصم، فجاؤوا إلى أبي عبدالله، فاستأذنت لهم، فقالوا: يا أبا عبدالله، هذا الأمر قد تفاقم وفشا، يعنون إظهارَه لخلْق القرآن، وغير ذلك، فقال لهم أبو عبدالله: فما تريدون؟ قالوا: أن نشاورَك في أنَّا لسنا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فناظرهم أبو عبدالله ساعة، وقال لهم: عليكم بالنكرة بقلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة، ولا تشقُّوا عصا المسلمين، ولا تَسفكوا دماءكم "

وقال  الخلاَّل رحمه الله[ كتاب السنة له( ١ / ١٣٢)]: أخبرني محمد بن أبي هارون، ومحمد بن جعفر، أن أبا الحارث حدَّثهم، قال: سألتُ أبا عبدالله - أحمد بن حنبل - في أمرٍ كان حدث ببغداد، وهمَّ قوم بالخروج، فقلت: يا أبا عبدالله، ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ فأنكر ذلك عليهم، وجعل يقول: "سبحان الله! الدماءَ الدماءَ، لا أرى ذلك، ولا آمُرُ به، الصبر على ما نحن فيه خيرٌ من الفتنة، يسفك فيها الدماء، وتستباح فيها الأموال، وتنتهك فيها المحارم، أما علمتَ ما كان الناس فيه؟ يعني: أيام الفتنة، قلتُ: والناس اليوم، أليس هم في فتنة يا أبا عبدالله؟ قال: وإن كان، فإنما هي فتنة خاصة، فإذا وقع السيف عمَّت الفتنةُ، وانقطعت السبل، الصبرَ على هذا، ويسلَمُ لك دينُك خيرٌ لك"، ورأيته ينكر الخروج على الأئمة، وقال: الدماء لا أرى ذلك، ولا آمر به".

قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته :  " ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله  عز وجل  فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة ".

 قال أبو العز الحنفي  رحمه الله  في شرحه للطحاوية( ٢ / ١٣٢ - ١٣٥ ) : " وأما وَلِيُّ الأمر فقد يأمر بغير طاعة الله، فلا يُطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله، وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا؛ فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعافُ ما يحصل من جَوْرهم، بل في الصبر على جَوْرهم تكفيرُ السيئات، ومضاعفة الأجور؛ فإن الله تعالى ما سلَّطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل؛ فعلينا الاجتهاد بالاستغفار والتوبة وإصلاح العمل ""قال تعالى : ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: ٣٠ ].

وقال - سبحانه -: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: ١٦٥].

وقال تعالى : ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ [النساء: ٧٩ ].وقال  سبحانه : ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام:  ١٢٩ ].

فإذا أراد الرعية أن يتخلَّصوا من ظلم الأمير الظالم، فليتركوا الظلم".انتهى كلامه رحمه الله. 

 قال شيخ الإسلام  ابن تيمية  رحمه الله[ منهاج السنة النبوية( ٤ / ٣٤٣)  : 

" الفتنة إذا وقعت عجَز العقلاءُ فيها عن دفع السفهاء، وهذا شأن الفتن، كما قال تعالى : ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال:  ٢٥ ].

وإذا وقعت الفتنةُ لم يسلَم من التلوُّث بها إلا مَن عصمه الله". ثم قال رحمه الله : " كان أفاضل المسلمين يَنْهَون عن الخروج والقتال في الفتنة، كما كان عبد الله بن عمر، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين، وغيرهم، يَنْهَون عن الخروج على يزيدَ بن معاوية، وكما كان الحسن البصري، ومجاهد بن جبر، وغيرهما يَنْهَون عن الخروج في فتنة عبد الرحمن بن الأشعث؛ ولهذا استقرَّ أمرُ أهل السنة على ترك القتال في الفتنة؛ للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي  صلى الله عليه وسلم وصاروا يذكُرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جَوْر الأئمة، وترك قتالهم"[ منهاج السنة النبوية( ٤ / ٣١٥ - ٣١٦ )].

قال  الإمام ابن القيم : 

" إن النبي  صلى الله عليه وسلم  شَرَع لأمته إيجابَ إنكار المنكر؛ ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبُّه الله ورسوله  صلى الله عليه وسلم  فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكرُ منه، وأبغضُ إلى الله ورسوله  صلى الله عليه وسلم  فإنه لا يسوغ إنكارُه، وإن كان الله يُبغضه ويَمقت أهلَه، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنه أساس كلِّ شر وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابةُ رسولَ الله  صلى الله عليه وسلم  في قتال الأمراء الذين يؤخِّرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: ( لا، ما أقاموا الصلاة )، وقال   صلى الله عليه وسلم  : ( مَن رأى من أميره ما يكرهه فليصبِرْ، ولا ينزعنَّ يدًا من طاعةٍ ) [ أعلام الموقعين للامام ابن القيم رحمه الله( ٣ / ٤ )].

[٢٨/‏٥ ١١:٠٥ م] .


قال الإمام ابن باز رحمه الله :

" يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير، هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية ".

[ مجموع فتاوى ومقالات الامام ابن باز رحمه الله ( ٨ / ٢٠٢ )] .


[[ الفصل الثالث  : صور من صبر السلف الصالح على طاعة الأئمة والدعاء لهم بالتوفيق والصلاح ]]

 أورد الحافظ الذهبي رحمه الله في كتابه النفيس سير أعلام النبلاء قصة سجن التابعي الجليل ابن سيرين رحمه الله وذلك لدين مالي لحقه وليس سجنه    بسبب أفعال إجرامية كما جرى من الإخوانية الخوارج الذين قاموا بتكفير المسلمين والمعاهدين واستحلوا فيها الدماء البريئة المعصومة نذكر هذه القصة عظة وعبرة تذكيرا للشباب المسلم في هذا العصر الذي حاول فيه رموز جماعات التكفير وتيارات العلمنة والإلحاد اختطافهم  وذلك عن طريق  غسيل فكرهم .

 ويجتمع الفريقان الطرفان المتضادان كما في الظاهر  - إعلاميا لتمكنهم من وسائله  المختلفة - في محاولة تربية الشباب المسلم على توهين واضعاف أصل عظيم من أصول الإسلام ومبانيه العظام وهو [ أصل وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف  ]

وذلك بإثارة  مشاعرهم بأمور دنيوية لتحقيق هدف دنيوي يسعون إليه مثل [ عدم وجود وظيفة ] 

ثم إذا تم توظيفه خرجوا بمظاهرة أخرى عنوانها 

[  الراتب لا يكفي ]

وقبل ذلك ظهور هذه البدع 


 حصلت [ثورة الجياع]

 او

[ ثورة الخبز ]

كما حصل ذلك في دول إسلامية عدة 

وبعضهم يظهر التمسح بالدين 

و شحن الشباب بالعاطفة الدينية تجاه أي عمل حزبي

يقومون به 

وهذه الأعمال  شنشنة عرفت بها الجماعات التكفيرية ورموز الضلال و حركات التهييج السياسي والتحريض الديني  على الحكام 

وديدنهم   تلميع  الجماعات التكفيرية ومدح رموزها وإظهارهم على أنهم من ينقذ الأمة من سبات جهلها العميق كما يزعمون ومعالجة فقرهم وحل مشاكلهم الشخصية والاجتماعية والأخذ بأيديهم تجاه نصرة قضايا المسلمين .

 وقد رأيت مجموعة  من الشباب يضعون كلاما لأصحاب الإنحراف الفكري الذين تم سجنهم بسبب توجهاتهم  الفكرية التكفيري ومحاولة نشر البدع والأهواء والتي منها عقيدة  الخوارج بين المسلمين في ثنايا صوتياتهم وكتبهم  فتجد التحريض المستمر والنيل من اعراض ولاة الأمر وزعزعة الأمن والاستقرار 

ورموز دعاة الضلال أستغلوا عاطفة الشباب وجهلهم بأمرين 

                  (  أولا  )

 جهلهم بالشرع ؛ فهؤلاء الشباب الذين كفروا المجتمع واستحلوا الدماء بغير حق  أتى وصفهم على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم:( حدثاء الاسنان سفهاء الاحلام ) أي فيهم صغر سن و جهل وطيش فلا يقبلوا نصح الناصح وشفقته عليهم فتجدهم يعادونه  ويحرضون عليه ويؤذونه وينبزونه بتهم معلبة كذبا وافتراء عليه.

                  ( ثانيا )

جهل هؤلاء الشباب بحال الداعية المتحدث وعدم فقههم في مباحث الإيمان وعدم ضبطهم لمسائل التكفير وشروطه وموانعه واسبابه   وقد يطبقون  الآيات القرآنية والسنة النبوية التي أتت في الكفار المحاربين على أفراد مجتمعهم المسلم أو على أهل المعاهدين والذميين  وذلك  تأييدا لفكرهم المنحرف الذي دل  الكتاب والسنة واقوال علماء الاسلام على إعوجاجهم وانحرافهم   

فلله در علماء الاسلام وأئمة السنة وأعلام الهدى فلهم ايادي بيضاء في فضحهم وتفنيد افكارهم الشاذة وكشف شبهاتهم وتعريتها أمام الملأ ولهم في ذلك سلف فأنظر إلى 

قول ابن عباس رضي الله عنهما : [ والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحداً أحب إلى الشيطان هلاكاً مني ؛ قيل له: وكيف؟ فقال: والله إنه لتحدث البدعة في مشرق أو في مغرب فيحملها الرجل إلي فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة فترد عليه] فالخوارج الإخوانية لا يرون السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف مخالفة للشرع المطهر والإجماع. 

وهكذا فكر الإلحاد من ليبرالية وعلمانية فالديمقراطية يجعلونها إلها من دون الله في اختيار حكامهم وفي مصدر تشريعاتهم وقد يلوون اعناق  النصوص أو يحرفونها أو يضعون قواعد كلية عقلية بعيدة عن النقل الصحيح والعقل الصريح والفطر السليمة في محاربة شرع الله .

        ( يا شباب الإسلام )

يلاحظ في قصتنا هذه  سلامة صدر أهل العلم  تجاه  من قام  بسجنهم وهو ولي الأمر وهذه خصلة وصفة معروفة عند أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح لايشاركهم فيها أحد من جماعات الخوارج والتكفير

وذلك أن طاعة ولي الأمر عندهم ديانة وقربة عملا بدين الله المبني على الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة الصالح 

وليس تطبيلا [ كما تقول  الخوارج ومن تبعهم فكريا].

ولا لحظوظ النفس 

وشهوات الدنيا

و امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:( ثلاث لا يغل عليهن قلب أمرئ مسلم : إخلاصُ العَمَلِ للهِ، وطاعةُ ذوي الأمْرِ، ولُزومُ جَماعةِ المُسلِمينَ )وفي رواية :( ثلاثٌ لا يُغلُّ علَيهِنَّ قلبُ مؤمنٍ : إخلاصُ العملِ للَّهِ ، والنَّصيحةُ لوُلاةِ المسلمينَ ، ولزومُ جماعتِهِم ، فإنَّ دَعوتَهُم ، تُحيطُ مِن ورائِهِم ) 

وأنظروا  سلامة صدر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تجاه خليفة المسلمين مع ما جرى له  من قبله من ظلم وسجن وجلد وتعذيب مع عظيم قول الخليفة في عصره وجرمه وحرمته وهو القول بخلق القرآن الكريم 

الذي قالت به المعتزلة [ فرقة ترى حل الدماء وكفر العاصي مع ما عرفته به من التعطيل الجهمي في توحيد الأسماء والصفات ] .

ومع هذه الأمور المحرمة التي أتت من قبل الخليفة فقدأنكر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله  على من يرى الخروج عليه وبين  حرمتها وخطورة استحلال الدماء  وصلى خلف إمامه ودعا له وقال : " لو كان لي دعوة مستجابة لجعلتها لولي الأمر "   

وقصة سجن التابعي الجليل ابن سيرين رحمه الله  نذكرها ونصها : 

 [  سجن ابن سيرين؛فقال له السجان‏ : إذا كان الليل ، فاذهب إلى أهلك ، فإذا أصبحت فتعال .فقال : لا والله لا أكون لك عوناً على خيانة السلطان].

والمصدر في هذه القصة كتاب

 [سير أعلام النبلاء ( ٦١٦/٤)] 

فأقول تعليقا على هذه القصة: 

ابن سيرين رحمه الله تابعي جليل بل من كبار علماء التابعين رحمهم الله 

وقال هذا الكلام للحارس تأكيدا على أهمية طاعة ولي الأمر وعدم التهاون في تنفيذها 

 وذلك أن طاعة السلطان بالمعروف من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم القائل :( من اطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني  ).

وفي هذه  اللفتة من هذا العالم الجليل  تذكير بأن طاعة الأمراء بالمعروف مع :

ان فيها أتباع للشرع المطهر

-  وان كان فيها إضرار لشخص واحد اقتضاء لحكم شرعي -

 فإن طاعتهم يترتب عليها مصالح عامة كلية لعموم الناس وتظهر هذه المصالح في وجود الأمن والأمان وردع الظالم وانتصار للضعيف والمظلوم وحماية للارواح والاعراض والاموال وفيهم تؤمن السبل وتستقيم حياة الناس 

بخلاف عدم وجودهم فالقتل وانتهاك العرض واستباحة الدماء ونهب الأموال وانقطاع الطرق وفساد الأمر 

وهذا الأمر لا يدركه الجاهل بسبب جهله وعدم حنكته وقلة حكمته ولا يعرفها الضال  ممن حمل معتقد الخوارج الإخوانية  لأن معه فكر لا تصلح فيه دنيا ولا آخرة  .

ولهذا فإن اتباع السنة نجاة

ولهذا تجد علماء السنة أتباع السلف الصالح هم من ينبهون على عظيم هذا الأصل ويؤكدون على وجوبه والتحذير من التهاون فيه أو عدم العمل فيه 

لأنه في - حال تركه -

فيه اهمال للشرع 

وإهمال للمصالح العامة للناس 


[[ الفصل الرابع : الكيفية الشرعية لنصح ولي الأمر ومشروعية رفع المسلم حاجته الدنيوية إلى ولي امره وفق الشرع ثم وفق  ما وضعوه من أنظمة اقتضاء لمصالح رعيتهم ]]  


لما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه : قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه : ألا تكلم عثمان؟ فقال: إنكم ترون أني لا أكلمه، إلا أسمعكم؟ إني أكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرًا لا أحب أن أكون أول من افتتحه.


ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان رضي الله عنه علنا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية رضي عنهما ، وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة رضي الله عنهما وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علنا، حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه، وفي السنن عن عياض بن غنم الأشعري رضي الله عنه ، أن رسول الله ﷺ قال: 《 من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه 》" [ من كلام الامام ابن باز رحمه الله بتصرف يسير ] والحديث صححه الامام الالباني رحمه الله


وروى ابن ابي شيبه رحمه الله عن سعيد بن جبير رحمه الله قال: قال رجل لابن عباس-رضي الله عنهما-: آمر أميري بالمعروف؟ قال: إن خفت أن يقتلك, فلا تؤنب الإمام, فإن كنت لا بد فاعلا فيما بينك وبينه


وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله عن سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى وَهُوَ مَحْجُوبُ الْبَصَرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، قَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ وَالِدُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَتَلَتْهُ الْأَزَارِقَةُ، قَالَ: لَعَنَ اللهُ الْأَزَارِقَةَ، لَعَنَ اللهُ الْأَزَارِقَةَ، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُمْ كِلَابُ النَّارِ "، قَالَ: قُلْتُ: الْأَزَارِقَةُ وَحْدَهُمْ أَمِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا؟ قَالَ: " بَلِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا ". قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ، وَيَفْعَلُ بِهِمْ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ يَدِي فَغَمَزَهَا بِيَدِهِ غَمْزَةً شَدِيدَةً ، ثُمَّ قَالَ: " وَيْحَكَ يَا ابْنَ جُمْهَانَ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ، فَأْتِهِ فِي بَيْتِهِ، فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْكَ، وَإِلَّا فَدَعْهُ، فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ مِنْهُ "[ المصدر رسالتنا :《 الطريقة الشرعية في كيفية نصيحة الملك او وزراء الملك 》].

وبهذا يتبين لكم الطريقة الغربية الكافرة - أعني المظاهرات- في كيفية النصيحة لولي الامر  أو طلب أي أمر دنيوي فيه صلاحهم  

أيها الإخوة : 

لا أنكر على من أراد رفع طلبه إلى مقام ولي الأمر في حاجة تصلح معاشه أو أمر من أمور الدنيا فيه خير له 

فولي الأمر هو في مقام الوالد لأولاده وفي منزلة الأب لابنائه 

وهو راع مسؤول لرعيته ينظر في مصالحهم فيقربها إليهم ويحرص  على إيصال النفع لهم ولا يرضى إلا اسعادهم ويحرص على دفع المضار  والمفاسد عنهم  بل يسد ابواب الشر عنهم ويدفعها نحسب ولاة أمرنا آل سعود  كذلك .

وقد ثبت في السنة

قوله صلى الله عليه وسلم:

( من كان ذا حاجة فلا يبدها إلا لذي سلطان )

فيتقدم - وهذا لمن كان ذا حاجة - إلى مقام ولي الأمر في أدب وخلق مبديا حاجته .

ومجالس ولاة الأمر مفتوحة وهم يحرصون على دفع المظالم وردع الظالم ونصرة الضعيف والمظلوم  . 


[[ الخاتمة : نسأل الله حسنها ]]


يرى من أطلع على كتبي ورسائلي كثرة الحث على طاعة ولي الأمر وفق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم 

وهذا العمل مني أفعله ديانة وقربة اذ فيه إمتثالا لامر الله سبحانه وتعالى وامر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. وتاكيدا على أصل عظيم من أصول الإسلام ومبانيه العظام وهو أصل وجوب السمع والطاعة لولاة أمرنا بالمعروف 

يتبع ماسبق :

بفضل الله ورحمته وكرمه وجوده وإحسانه وتوفيقه لا شريك له ثم لما لولي أمرنا من أيادي بيضاء بعدة دعوة الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وقيام ملوك هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية - حرسها الله وملوكها - بمساعدته بنشر التوحيد والسنة فانا وغيري ننهل من نمير ينبوع هذه الدعوة الصافي بفضل الله ثم فضل ولاة أمرنا آل سعود 

ولا ننسى أيها الإخوة:

البيعة الشرعية لهم ومقتضاها ثم نعمة الامن والامان ورغد العيش فقد ثبت في السنة قوله صلى الله عليه وسلم:( من لم يشكر الناس لم يشكر الله ) .

وقبل ذلك :

رأيت جماعات الخوارج ورموزها تستحل الطعن في ولي أمرنا وترى كفره والخروج عليه وتحاول تهييج وتحريض الشباب عليهم وايراد الشبه والقصص المكذوبة محاولة منهم لجذبهم الى تيارهم التكفيري فكان لا بد من كشف زيفهم وتفنيد شبههم وحماية شبابنا من فيروسات فكرهم القذر 

وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

----------------------------------------

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني .