السبت، 15 مايو 2021

《 قصة فيها عظة وعبرة 》



الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

أما بعد :

فقد أورد الحافظ الذهبي رحمه الله في كتابه النفيس سير أعلام النبلاء قصة سجن التابعي الجليل ابن سيرين رحمه الله لدين مالي لحقه وليس  بسبب أفعال إجرامية جرت بسبب تكفير المسلمين والمعاهدين استحلت فيها الدماء البريئة المعصومة نسوقها عظة وعبرة تذكيرا للشباب المسلم في هذا العصر الذي حاولت فيه جماعات التكفير وتيارات العلمنة والإلحاد اختطافهم  وذلك عن طريق  غسيل فكرهم .

 ويجتمع الفريقان الطرفان المتضادان كما في الظاهر  - إعلاميا لتمكنهم من وسائله  المختلفة - في محاولة تربية الشباب المسلم على توهين واضعاف أصل عظيم من أصول الإسلام ومبانيه العظام وهو [ أصل وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف  ]

وذلك بإثارة  مشاعرهم بأمور دنيوية لتحقيق هدف دنيوي يسعون إليه مثل الراتب لا يكفي وقبل ذلك ظهور مايسمى بثورة الجياع او ثورة الخبز كما حصل ذلك في دول إسلامية عديدة والتمسح بالدين و إظهار العاطفة الدينية تجاه أي عمل حزبي شنشنة عرفت بها رموز الضلال و التهييج والتحريض على الحكام مع تلميع  الجماعات التكفيرية ومدح رموزها وإظهارهم على أنهم من ينقذ الأمة من سباتها وجهلها ويأخذ بأيديهم تجاه نصرة قضايا المسلمين .

 وقد رأيت مجموعة  من الشباب يضعون كلاما لأصحاب الإنحراف الفكري الذين سجنوا بسبب نشرهم الفكر التكفيري ومحاولة نشر البدع والأهواء وعقيدة  الخوارج بين المسلمين في ثنايا صوتياتهم وكتبهم  تجد التحريض المستمر والنيل من اعراض ولاة الأمر وزعزعة الأمن والاستقرار 

ورموز دعاة الضلال أستغلوا عاطفة الشباب وجهلهم بأمرين 

أولا:

 جهلهم بالشرع ؛ فهؤلاء الشباب المتأثر بالتكفير  أتى وصفهم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم:( حدثاء الاسنان سفهاء الاحلام) أي فيهم صغر سن و جهل وطيش فلا يقبلوا نصح الناصح وشفقته عليهم فتجدهم يعادونه  ويحرضون عليه ويؤذونه وينبزونه بتهم معلبة كذبا وافتراء عليه.

ثانيا :

جهل هؤلاء الشباب بحال الداعية المتحدث وعدم فقههم في مباحث الإيمان وعدم ضبطهم لمسائل التكفير  وقد يضعون الآيات القرآنية والسنة النبوية في حال فيها تأييد لفكرهم الذي دل  الكتاب والسنة واقوال علماء الاسلام بإعوجاجه  

فلله در علماء الاسلام وأئمة السنة وأعلام الهدى فلهم ايادي بيضاء في فضحهم وتفنيد افكارهم وكشف شبهاتهم وتعريتها أمام الملأ ولهم في ذلك سلف فأنظر إلى 

قول ابن عباس رضي الله عنهما : [ والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحداً أحب إلى الشيطان هلاكاً مني ؛ قيل له: وكيف؟ فقال: والله إنه لتحدث البدعة في مشرق أو في مغرب فيحملها الرجل إلي فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة فترد عليه] فالخوارج الإخوانية لا يرون السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف مخالفة للشرع المطهر والإجماع. 

وهكذا فكر الإلحاد من ليبرالية وعلمانية فالديمقراطية يجعلونها إلها من دون الله في اختيار حكامهم وفي مصدر تشريعاتهم وقد يلوون اعناق  النصوص أو يحرفونها أو يضعون قواعد كلية عقلية بعيدة عن النقل الصحيح والعقل الصريح والفطر السليمة في محاربة شرع الله .

يا شباب الإسلام:

يلاحظ في قصتنا هذه  سلامة صدر أهل العلم  تجاه  من قام  بسجنهم وهو ولي الأمر وهذه خصلة وصفة معروفة عند أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح لايشاركهم فيها أحد من جماعات الخوارج والتكفير

وذلك أن طاعة ولي الأمر عندهم ديانة وقربة عملا بدين الله المبني على الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة الصالح 

وليس تطبيلا [ كما تقول  الخوارج ومن تبعهم فكريا].

ولا لحظوظ النفس 

وشهوات الدنيا

و امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:( ثلاث لا يغل عليهن قلب أمرئ مسلم : إخلاصُ العَمَلِ للهِ، وطاعةُ ذوي الأمْرِ، ولُزومُ جَماعةِ المُسلِمينَ )وفي رواية :( ثلاثٌ لا يُغلُّ علَيهِنَّ قلبُ مؤمنٍ : إخلاصُ العملِ للَّهِ ، والنَّصيحةُ لوُلاةِ المسلمينَ ، ولزومُ جماعتِهِم ، فإنَّ دَعوتَهُم ، تُحيطُ مِن ورائِهِم ) 

وأنظروا  سلامة صدر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تجاه خليفة المسلمين مع ما جرى له  من قبله من ظلم وسجن وجلد وتعذيب مع عظيم قول الخليفة في عصره وجرمه وحرمته وهو القول بخلق القرآن الكريم 

الذي قالت به المعتزلة [ فرقة ترى حل الدماء وكفر العاصي مع ما عرفته به من التعطيل الجهمي في توحيد الأسماء والصفات ] .

ومع هذه الأمور المحرمة التي أتت من قبل الخليفة فقدأنكر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله  على من يرى الخروج عليه وبين  حرمتها وخطورة استحلال الدماء  وصلى خلف إمامه ودعا له وقال : " لو كان لي دعوة مستجابة لجعلتها لولي الأمر "   

وقصة سجن التابعي الجليل ابن سيرين رحمه الله  نذكرها ونصها : 

 [  سجن ابن سيرين؛فقال له السجان‏ : إذا كان الليل ، فاذهب إلى أهلك ، فإذا أصبحت فتعال .فقال : لا والله لا أكون لك عوناً على خيانة السلطان].

والمصدر في هذه القصة كتاب

 [سير أعلام النبلاء ( ٦١٦/٤)] كما بينا ذلك سابقا 

فأقول تعليقا على هذه القصة: 

ابن سيرين رحمه الله من كبار علماء التابعين رحمهم الله 

وقال هذا الكلام للحارس تأكيدا على أهمية طاعة ولي الأمر وعدم التهاون في تنفيذها 

 وذلك أن طاعة السلطان بالمعروف من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم القائل :( من اطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني  ).

وفي هذه  اللفتة من هذا العالم الجليل  تذكير بأن طاعة الأمراء بالمعروف مع :

ان فيها أتباع للشرع المطهر

-  وان كان فيها إضرار لشخص واحد اقتضاء لحكم شرعي -

 فإن طاعتهم يترتب عليها مصالح عامة كلية لعموم الناس وتظهر هذه المصالح في وجود الأمن والأمان وردع الظالم وانتصار للضعيف والمظلوم وحماية للارواح والاعراض والاموال وفيهم تؤمن السبل وتستقيم حياة الناس 

بخلاف عدم وجودهم فالقتل وانتهاك العرض واستباحة الدماء ونهب الأموال وانقطاع الطرق وفساد الأمر 

وهذا الأمر لا يدركه الجاهل بسبب جهله وعدم حنكته وقلة حكمته ولا يعرفها الضال  ممن حمل معتقد الخوارج الإخوانية  لأن معه فكر لا تصلح فيه دنيا ولا آخرة  .

ولهذا فإن اتباع السنة نجاة

ولهذا تجد علماء السنة أتباع السلف الصالح هم من ينبهون على عظيم هذا الأصل ويؤكدون على وجوبه والتحذير من التهاون فيه أو عدم العمل فيه 

لأنه في - حال تركه -

فيه اهمال للشرع 

وإهمال للمصالح العامة للناس 


وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

----------------------------------------

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني .