السبت، 29 مايو 2021

《 بيان معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح المبني على نصوص الوحي والإجماع في الصبر على ظلم ولاة الأمور وجورهم وتحريم الخروج عليهم 》


 


         [[     المقدمة    ]]


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:  ١٠٢ ].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء : ١ ].

 ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: ٧٠-٧١]

أما بعد :

فيقول الله تعالى وتقدس  : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: ١٥٥ - ١٥٧].

قال الإمام عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية  : " فالصابرين, هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة, والمنحة الجسيمة، ثم وصفهم بقوله: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ } وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره. { قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ } أي: مملوكون لله, مدبرون تحت أمره وتصريفه, فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها, فقد تصرف أرحم الراحمين, بمماليكه وأموالهم, فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد, علمه, بأن وقوع البلية من المالك الحكيم, الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك, الرضا عن الله, والشكر له على تدبيره, لما هو خير لعبده, وإن لم يشعر بذلك، ومع أننا مملوكون لله, فإنا إليه راجعون يوم المعاد, فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده، وإن جزعنا وسخطنا, لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله, وراجع إليه, من أقوى أسباب الصبر " .

فالصبر :

خلق يهبه الله لمن أراد سعادته في الدارين فيكون صابرا على الابتلاء والنعماء وصابرا عن الشهوات والمعاصي محتسبا مااصابه عاملا بشرع الله حين نزول  قضاء الله وقدره  

فأدق وصف لأهل الصبر من المؤمنين ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم  : (  عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له ) .

رواه مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ٢٩٩٩ ) 

من حديث الصحابي الجليل صهيب الرومي رضي الله عنه .



[[ الفصل الأول : بعض فضائل الصبر وعواقبه الحميدة ]] 

 ذكر الامام ابن القيم رحمه الله  في مقدمة كتابه عدة الصابرين بعض فضائل الصبر نوردها لنفيس كلامه  فقال رحمه الله :

" أما بعد ؛ فإن الله سبحانه جعل الصبر جواداً لا يكبو , وجنداً لا يهزم , وحصناً حصينا لا يهدم ، فهو والنصر أخوان شقيقان ، فالنصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، والعسر مع اليسر ، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد ، ومحله من الظفر كمحل الرأس من الجسد .

ولقد ضمن الوفي الصادق لأهله في محكم الكتاب أنه يوفيهم أجرهم بغير حساب .

وأخبر أنه معهم بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين ، فقال تعالى : { واصبروا إن الله مع الصابرين } .

وجعل سبحانه الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين ، فقال تعالى : { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } .

وأخبر أن الصبر خير لأهله مؤكداً باليمن فقال تعالى : { ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } .

وأخبر أن مع الصبر والتقوى لا يضر كيد العدو ولو كان ذا تسليط ، فقال تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعلمون محيط } .

وأخبر عن نبيه يوسف الصديق أن صبره وتقواه وصلاه إلى محل العز والتمكين فقال : { إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }.

وعلق الفلاح بالصبر والتقوى ، فعقل ذلك عنه المؤمنون فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون }.

وأخبر عن محبته لأهله ، وفي ذلك أعظم ترغيب للراغبين ، فقال تعالى : {والله يحب الصابرين } .

ولقد بشر الصابرين بثلاث كل منها خير مما عليه أهل الدنيا يتحاسدون ، فقال تعالى : {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } .

وأوصى عباده بالاستعانة بالصبر والصلاة على نوائب الدنيا والدين فقال تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } .

وجعل الفوز بالجنة والنجاة من النار لا يحظى به إلا الصابرون ، فقال تعالى : { إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون } .

وأخبر أن الرغبة في ثوابه والإعراض عن الدنيا وزينتها لا ينالها إلا أولو الصبر المؤمنون ، فقال تعالى : { وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون } .

وأخبر تعالى أن دفع السيئة بالتي هي أحسن تجعل المسيء كأنه ولي حميم ، فقال : { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } وأن هذه الخصلة { لا يلقاها إلا الذين صبروا . وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } .

وأخبر سبحانه مؤكدا بالقسم { إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }.

وقسَّم خلقه قسمين : أصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة ، وخص أهل الميمنة أهل التواصى بالصبر والمرحمة .

وخص بالانتفاع بآياته أهل الصبر وأهل الشكر تمييزاً لهم بهذا الحظ الموفور ، فقال في أربع آيات من كتابه : { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } .

وعلَّق المغفرة والأجر بالعمل الصالح والصبر ، وذلك على من يسره عليه يسير ، فقال : { إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير } .

وأخبر أن الصبر والمغفرة من العزائم التي تجارة أربابها لا تبور ، فقال : { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور }.

وأمر رسوله بالصبر لحكمه ، وأخبر أن صبره إنما هو به وبذلك جميع المصائب تهون فقال : {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } ، وقال : { واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون . إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } .

والصبر ساق إيمان المؤمن الذي لا اعتماد له إلا عليها , فلا إيمان لمن لا صبر له وإن كان فإيمان قليل في غاية الضعف وصاحبه يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به ، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ، ولم يحظ منهما إلا بالصفقة الخاسرة .

فخير عيش أدركه السعداء بصبرهم , وترقوا إلى أعلى المنازل بشكرهم ، فساروا بين جناحي الصبر والشكر إلى جنات النعيم ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم " .انتهى كلامه رحمه الله.


 [[ الفصل الثاني  : بعض إدلة أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في فضل الصبر على ظلم ولاة الأمور وتحريم الخروج عليهم ]]


 تظافرت الأدلة وتواترت على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر وفق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والصبر على ظلمهم وجورهم لما في ذلك من جلب مصالح عظيمة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ودرء ودفع مفاسد عظيمة وشرور كثيرة وكبيرة لا يعلمها إلا الله 

من هذه الادلة ما يلي : 

   

روى البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٧٠٥٥ ) ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٤٢)  عن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه  قال: دعانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا:( أن بايعنا على السمع والطاعة في مَنْشَطِنا ومكرهنا، وعُسْرنا ويُسرنا، وأَثَرَة علينا، وألا ننازعَ الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا - ظاهرًا - عندكم من الله فيه برهان )


وروى البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٧٠٤٨) ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم(  ١٨٤٧  ) والسلسلة الصحيحة ( ٢٧٣٩) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه  قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر مخافة أن يدركَني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ( نعم )، قلتُ: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: (نعم، وفيه دَخَن ) - فساد في القلوب - قلتُ: وما دَخَنه؟ قال: (قوم يَهدون بغير هَدْيِي، تعرف منهم وتنكر )، قلتُ: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاةٌ على أبواب جهنم، مَن أجابهم إليها قذفوه فيها )، قلتُ: يا رسول الله، صِفْهم لنا، قال: (هم من جِلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، قلتُ: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعةَ المسلمين وإمامَهم) [ تسمعُ وتُطيعُ الأميرَ ، وإن ضرب ظهرَك ، وأخذ مالَك ، فاسمع وأطِعْ ] قلتُ: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها، ولو أن تعَضَّ بأصل شجرة، حتى يدركَك الموتُ وأنت على ذلك).

وروى البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم  ( ٧٠٥٤) ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ١٨٤٩ ) عن عبدالله بن عباس  رضي الله عنهما عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: ( مَن رأى من أميره شيئًا يكرهه فليَصبِر عليه؛ فإنه مَن فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات مِيتة جاهلية ).

 روى البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٧٠٥٢) ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم(  ١٨٤٣)  عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه  قال: قال لنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم : ( إنكم سترون بعدي أَثَرَة   وأمورًا تُنكِرونها )، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: (أدُّوا إليهم حقَّهم، وسَلُوا الله حقكم).

وروى مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ١٨٤٦ )  عن وائل الحضرمي رضي الله عنه  قال: سأل سلمةُ بن يزيد الجعفي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله، أرأيتَ إن قامت علينا أمراء يسألونا حقَّهم ويمنعونا حقَّنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيس، وقال صلى الله عليه وسلم : (اسمعوا وأطيعوا؛ فإنما عليهم ما حمِّلوا، وعليكم ما حمِّلتم).

وروى مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ١٨٥٤)  عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم  عن النبي  صلى الله عليه وسلم  أنه قال: ( إنه يُستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم - أي مَن كَرِه بقلبه وأنكر بقلبه - ولكن مَن رضي وتابع )، قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: (لا، ما صلَّوا ) .

 وروى مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ١٨٥٢)  عن عرفجة رضي الله عنه  قال: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول: ( إنه ستكون هَنَاتٌ  وهَنَاتٌ، فمَن أراد أن يفرِّق أمر هذه الأمَّة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائنًا من كان ).

وروى مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ١٨٥٥ ) عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: ( خِيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلُّون عليكم - الصلاة هنا الدعاء- وتصلُّون عليهم  وشرار أئمتكم الذين تُبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم )، قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: ( لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئًا تكرهونه، فاكرهوا عمله ولا تَنْزِعوا يدًا من طاعة)

 قال الخلاَّل رحمه الله[ كتاب السنة له ( ١ / ١٣٢ )]  :

أخبرني علي بن عيسى، قال: سمعت حنبلاً يقول في ولاية الواثق: اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبدالله  - أحمد بن حنبل -: أبو بكر بن عبيد، وإبراهيم بن علي المطبخي، وفضل بن عاصم، فجاؤوا إلى أبي عبدالله، فاستأذنت لهم، فقالوا: يا أبا عبدالله، هذا الأمر قد تفاقم وفشا، يعنون إظهارَه لخلْق القرآن، وغير ذلك، فقال لهم أبو عبدالله: فما تريدون؟ قالوا: أن نشاورَك في أنَّا لسنا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فناظرهم أبو عبدالله ساعة، وقال لهم: عليكم بالنكرة بقلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة، ولا تشقُّوا عصا المسلمين، ولا تَسفكوا دماءكم "

وقال  الخلاَّل رحمه الله[ كتاب السنة له( ١ / ١٣٢)]: أخبرني محمد بن أبي هارون، ومحمد بن جعفر، أن أبا الحارث حدَّثهم، قال: سألتُ أبا عبدالله - أحمد بن حنبل - في أمرٍ كان حدث ببغداد، وهمَّ قوم بالخروج، فقلت: يا أبا عبدالله، ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ فأنكر ذلك عليهم، وجعل يقول: "سبحان الله! الدماءَ الدماءَ، لا أرى ذلك، ولا آمُرُ به، الصبر على ما نحن فيه خيرٌ من الفتنة، يسفك فيها الدماء، وتستباح فيها الأموال، وتنتهك فيها المحارم، أما علمتَ ما كان الناس فيه؟ يعني: أيام الفتنة، قلتُ: والناس اليوم، أليس هم في فتنة يا أبا عبدالله؟ قال: وإن كان، فإنما هي فتنة خاصة، فإذا وقع السيف عمَّت الفتنةُ، وانقطعت السبل، الصبرَ على هذا، ويسلَمُ لك دينُك خيرٌ لك"، ورأيته ينكر الخروج على الأئمة، وقال: الدماء لا أرى ذلك، ولا آمر به".

قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته :  " ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله  عز وجل  فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة ".

 قال أبو العز الحنفي  رحمه الله  في شرحه للطحاوية( ٢ / ١٣٢ - ١٣٥ ) : " وأما وَلِيُّ الأمر فقد يأمر بغير طاعة الله، فلا يُطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله، وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا؛ فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعافُ ما يحصل من جَوْرهم، بل في الصبر على جَوْرهم تكفيرُ السيئات، ومضاعفة الأجور؛ فإن الله تعالى ما سلَّطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل؛ فعلينا الاجتهاد بالاستغفار والتوبة وإصلاح العمل ""قال تعالى : ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: ٣٠ ].

وقال - سبحانه -: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: ١٦٥].

وقال تعالى : ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ [النساء: ٧٩ ].وقال  سبحانه : ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام:  ١٢٩ ].

فإذا أراد الرعية أن يتخلَّصوا من ظلم الأمير الظالم، فليتركوا الظلم".انتهى كلامه رحمه الله. 

 قال شيخ الإسلام  ابن تيمية  رحمه الله[ منهاج السنة النبوية( ٤ / ٣٤٣)  : 

" الفتنة إذا وقعت عجَز العقلاءُ فيها عن دفع السفهاء، وهذا شأن الفتن، كما قال تعالى : ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال:  ٢٥ ].

وإذا وقعت الفتنةُ لم يسلَم من التلوُّث بها إلا مَن عصمه الله". ثم قال رحمه الله : " كان أفاضل المسلمين يَنْهَون عن الخروج والقتال في الفتنة، كما كان عبد الله بن عمر، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين، وغيرهم، يَنْهَون عن الخروج على يزيدَ بن معاوية، وكما كان الحسن البصري، ومجاهد بن جبر، وغيرهما يَنْهَون عن الخروج في فتنة عبد الرحمن بن الأشعث؛ ولهذا استقرَّ أمرُ أهل السنة على ترك القتال في الفتنة؛ للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي  صلى الله عليه وسلم وصاروا يذكُرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جَوْر الأئمة، وترك قتالهم"[ منهاج السنة النبوية( ٤ / ٣١٥ - ٣١٦ )].

قال  الإمام ابن القيم : 

" إن النبي  صلى الله عليه وسلم  شَرَع لأمته إيجابَ إنكار المنكر؛ ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبُّه الله ورسوله  صلى الله عليه وسلم  فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكرُ منه، وأبغضُ إلى الله ورسوله  صلى الله عليه وسلم  فإنه لا يسوغ إنكارُه، وإن كان الله يُبغضه ويَمقت أهلَه، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنه أساس كلِّ شر وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابةُ رسولَ الله  صلى الله عليه وسلم  في قتال الأمراء الذين يؤخِّرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: ( لا، ما أقاموا الصلاة )، وقال   صلى الله عليه وسلم  : ( مَن رأى من أميره ما يكرهه فليصبِرْ، ولا ينزعنَّ يدًا من طاعةٍ ) [ أعلام الموقعين للامام ابن القيم رحمه الله( ٣ / ٤ )].

[٢٨/‏٥ ١١:٠٥ م] .


قال الإمام ابن باز رحمه الله :

" يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير، هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية ".

[ مجموع فتاوى ومقالات الامام ابن باز رحمه الله ( ٨ / ٢٠٢ )] .


[[ الفصل الثالث  : صور من صبر السلف الصالح على طاعة الأئمة والدعاء لهم بالتوفيق والصلاح ]]

 أورد الحافظ الذهبي رحمه الله في كتابه النفيس سير أعلام النبلاء قصة سجن التابعي الجليل ابن سيرين رحمه الله وذلك لدين مالي لحقه وليس سجنه    بسبب أفعال إجرامية كما جرى من الإخوانية الخوارج الذين قاموا بتكفير المسلمين والمعاهدين واستحلوا فيها الدماء البريئة المعصومة نذكر هذه القصة عظة وعبرة تذكيرا للشباب المسلم في هذا العصر الذي حاول فيه رموز جماعات التكفير وتيارات العلمنة والإلحاد اختطافهم  وذلك عن طريق  غسيل فكرهم .

 ويجتمع الفريقان الطرفان المتضادان كما في الظاهر  - إعلاميا لتمكنهم من وسائله  المختلفة - في محاولة تربية الشباب المسلم على توهين واضعاف أصل عظيم من أصول الإسلام ومبانيه العظام وهو [ أصل وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف  ]

وذلك بإثارة  مشاعرهم بأمور دنيوية لتحقيق هدف دنيوي يسعون إليه مثل [ عدم وجود وظيفة ] 

ثم إذا تم توظيفه خرجوا بمظاهرة أخرى عنوانها 

[  الراتب لا يكفي ]

وقبل ذلك ظهور هذه البدع 


 حصلت [ثورة الجياع]

 او

[ ثورة الخبز ]

كما حصل ذلك في دول إسلامية عدة 

وبعضهم يظهر التمسح بالدين 

و شحن الشباب بالعاطفة الدينية تجاه أي عمل حزبي

يقومون به 

وهذه الأعمال  شنشنة عرفت بها الجماعات التكفيرية ورموز الضلال و حركات التهييج السياسي والتحريض الديني  على الحكام 

وديدنهم   تلميع  الجماعات التكفيرية ومدح رموزها وإظهارهم على أنهم من ينقذ الأمة من سبات جهلها العميق كما يزعمون ومعالجة فقرهم وحل مشاكلهم الشخصية والاجتماعية والأخذ بأيديهم تجاه نصرة قضايا المسلمين .

 وقد رأيت مجموعة  من الشباب يضعون كلاما لأصحاب الإنحراف الفكري الذين تم سجنهم بسبب توجهاتهم  الفكرية التكفيري ومحاولة نشر البدع والأهواء والتي منها عقيدة  الخوارج بين المسلمين في ثنايا صوتياتهم وكتبهم  فتجد التحريض المستمر والنيل من اعراض ولاة الأمر وزعزعة الأمن والاستقرار 

ورموز دعاة الضلال أستغلوا عاطفة الشباب وجهلهم بأمرين 

                  (  أولا  )

 جهلهم بالشرع ؛ فهؤلاء الشباب الذين كفروا المجتمع واستحلوا الدماء بغير حق  أتى وصفهم على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم:( حدثاء الاسنان سفهاء الاحلام ) أي فيهم صغر سن و جهل وطيش فلا يقبلوا نصح الناصح وشفقته عليهم فتجدهم يعادونه  ويحرضون عليه ويؤذونه وينبزونه بتهم معلبة كذبا وافتراء عليه.

                  ( ثانيا )

جهل هؤلاء الشباب بحال الداعية المتحدث وعدم فقههم في مباحث الإيمان وعدم ضبطهم لمسائل التكفير وشروطه وموانعه واسبابه   وقد يطبقون  الآيات القرآنية والسنة النبوية التي أتت في الكفار المحاربين على أفراد مجتمعهم المسلم أو على أهل المعاهدين والذميين  وذلك  تأييدا لفكرهم المنحرف الذي دل  الكتاب والسنة واقوال علماء الاسلام على إعوجاجهم وانحرافهم   

فلله در علماء الاسلام وأئمة السنة وأعلام الهدى فلهم ايادي بيضاء في فضحهم وتفنيد افكارهم الشاذة وكشف شبهاتهم وتعريتها أمام الملأ ولهم في ذلك سلف فأنظر إلى 

قول ابن عباس رضي الله عنهما : [ والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحداً أحب إلى الشيطان هلاكاً مني ؛ قيل له: وكيف؟ فقال: والله إنه لتحدث البدعة في مشرق أو في مغرب فيحملها الرجل إلي فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة فترد عليه] فالخوارج الإخوانية لا يرون السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف مخالفة للشرع المطهر والإجماع. 

وهكذا فكر الإلحاد من ليبرالية وعلمانية فالديمقراطية يجعلونها إلها من دون الله في اختيار حكامهم وفي مصدر تشريعاتهم وقد يلوون اعناق  النصوص أو يحرفونها أو يضعون قواعد كلية عقلية بعيدة عن النقل الصحيح والعقل الصريح والفطر السليمة في محاربة شرع الله .

        ( يا شباب الإسلام )

يلاحظ في قصتنا هذه  سلامة صدر أهل العلم  تجاه  من قام  بسجنهم وهو ولي الأمر وهذه خصلة وصفة معروفة عند أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح لايشاركهم فيها أحد من جماعات الخوارج والتكفير

وذلك أن طاعة ولي الأمر عندهم ديانة وقربة عملا بدين الله المبني على الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة الصالح 

وليس تطبيلا [ كما تقول  الخوارج ومن تبعهم فكريا].

ولا لحظوظ النفس 

وشهوات الدنيا

و امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:( ثلاث لا يغل عليهن قلب أمرئ مسلم : إخلاصُ العَمَلِ للهِ، وطاعةُ ذوي الأمْرِ، ولُزومُ جَماعةِ المُسلِمينَ )وفي رواية :( ثلاثٌ لا يُغلُّ علَيهِنَّ قلبُ مؤمنٍ : إخلاصُ العملِ للَّهِ ، والنَّصيحةُ لوُلاةِ المسلمينَ ، ولزومُ جماعتِهِم ، فإنَّ دَعوتَهُم ، تُحيطُ مِن ورائِهِم ) 

وأنظروا  سلامة صدر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تجاه خليفة المسلمين مع ما جرى له  من قبله من ظلم وسجن وجلد وتعذيب مع عظيم قول الخليفة في عصره وجرمه وحرمته وهو القول بخلق القرآن الكريم 

الذي قالت به المعتزلة [ فرقة ترى حل الدماء وكفر العاصي مع ما عرفته به من التعطيل الجهمي في توحيد الأسماء والصفات ] .

ومع هذه الأمور المحرمة التي أتت من قبل الخليفة فقدأنكر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله  على من يرى الخروج عليه وبين  حرمتها وخطورة استحلال الدماء  وصلى خلف إمامه ودعا له وقال : " لو كان لي دعوة مستجابة لجعلتها لولي الأمر "   

وقصة سجن التابعي الجليل ابن سيرين رحمه الله  نذكرها ونصها : 

 [  سجن ابن سيرين؛فقال له السجان‏ : إذا كان الليل ، فاذهب إلى أهلك ، فإذا أصبحت فتعال .فقال : لا والله لا أكون لك عوناً على خيانة السلطان].

والمصدر في هذه القصة كتاب

 [سير أعلام النبلاء ( ٦١٦/٤)] 

فأقول تعليقا على هذه القصة: 

ابن سيرين رحمه الله تابعي جليل بل من كبار علماء التابعين رحمهم الله 

وقال هذا الكلام للحارس تأكيدا على أهمية طاعة ولي الأمر وعدم التهاون في تنفيذها 

 وذلك أن طاعة السلطان بالمعروف من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم القائل :( من اطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني  ).

وفي هذه  اللفتة من هذا العالم الجليل  تذكير بأن طاعة الأمراء بالمعروف مع :

ان فيها أتباع للشرع المطهر

-  وان كان فيها إضرار لشخص واحد اقتضاء لحكم شرعي -

 فإن طاعتهم يترتب عليها مصالح عامة كلية لعموم الناس وتظهر هذه المصالح في وجود الأمن والأمان وردع الظالم وانتصار للضعيف والمظلوم وحماية للارواح والاعراض والاموال وفيهم تؤمن السبل وتستقيم حياة الناس 

بخلاف عدم وجودهم فالقتل وانتهاك العرض واستباحة الدماء ونهب الأموال وانقطاع الطرق وفساد الأمر 

وهذا الأمر لا يدركه الجاهل بسبب جهله وعدم حنكته وقلة حكمته ولا يعرفها الضال  ممن حمل معتقد الخوارج الإخوانية  لأن معه فكر لا تصلح فيه دنيا ولا آخرة  .

ولهذا فإن اتباع السنة نجاة

ولهذا تجد علماء السنة أتباع السلف الصالح هم من ينبهون على عظيم هذا الأصل ويؤكدون على وجوبه والتحذير من التهاون فيه أو عدم العمل فيه 

لأنه في - حال تركه -

فيه اهمال للشرع 

وإهمال للمصالح العامة للناس 


[[ الفصل الرابع : الكيفية الشرعية لنصح ولي الأمر ومشروعية رفع المسلم حاجته الدنيوية إلى ولي امره وفق الشرع ثم وفق  ما وضعوه من أنظمة اقتضاء لمصالح رعيتهم ]]  


لما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه : قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه : ألا تكلم عثمان؟ فقال: إنكم ترون أني لا أكلمه، إلا أسمعكم؟ إني أكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرًا لا أحب أن أكون أول من افتتحه.


ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان رضي الله عنه علنا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية رضي عنهما ، وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة رضي الله عنهما وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علنا، حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه، وفي السنن عن عياض بن غنم الأشعري رضي الله عنه ، أن رسول الله ﷺ قال: 《 من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه 》" [ من كلام الامام ابن باز رحمه الله بتصرف يسير ] والحديث صححه الامام الالباني رحمه الله


وروى ابن ابي شيبه رحمه الله عن سعيد بن جبير رحمه الله قال: قال رجل لابن عباس-رضي الله عنهما-: آمر أميري بالمعروف؟ قال: إن خفت أن يقتلك, فلا تؤنب الإمام, فإن كنت لا بد فاعلا فيما بينك وبينه


وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله عن سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى وَهُوَ مَحْجُوبُ الْبَصَرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، قَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ وَالِدُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَتَلَتْهُ الْأَزَارِقَةُ، قَالَ: لَعَنَ اللهُ الْأَزَارِقَةَ، لَعَنَ اللهُ الْأَزَارِقَةَ، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُمْ كِلَابُ النَّارِ "، قَالَ: قُلْتُ: الْأَزَارِقَةُ وَحْدَهُمْ أَمِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا؟ قَالَ: " بَلِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا ". قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ، وَيَفْعَلُ بِهِمْ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ يَدِي فَغَمَزَهَا بِيَدِهِ غَمْزَةً شَدِيدَةً ، ثُمَّ قَالَ: " وَيْحَكَ يَا ابْنَ جُمْهَانَ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ، فَأْتِهِ فِي بَيْتِهِ، فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْكَ، وَإِلَّا فَدَعْهُ، فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ مِنْهُ "[ المصدر رسالتنا :《 الطريقة الشرعية في كيفية نصيحة الملك او وزراء الملك 》].

وبهذا يتبين لكم فساد الطريقة الغربية الكافرة - أعني المظاهرات- في كيفية النصيحة لولي الامر وعظيم شرها  .

أيها الإخوة : 

لا أنكر على من أراد رفع طلبه إلى مقام ولي الأمر في حاجة تصلح معاشه أو أمر من أمور الدنيا فيه خير له 

فولي الأمر هو في مقام الوالد لأولاده وفي منزلة الأب لابنائه 

وهو راع مسؤول لرعيته ينظر في مصالحهم فيقربها إليهم ويحرص  على إيصال النفع لهم ولا يرضى إلا اسعادهم ويحرص على دفع المضار  والمفاسد عنهم  بل يسد ابواب الشر عنهم ويدفعها نحسب ولاة أمرنا آل سعود  كذلك .

وقد ثبت في السنة

قوله صلى الله عليه وسلم:

( من كان ذا حاجة فلا يبدها إلا لذي سلطان )

فيتقدم - وهذا لمن كان ذا حاجة - إلى مقام ولي الأمر في أدب وخلق مبديا حاجته .

ومجالس ولاة الأمر مفتوحة وهم يحرصون على دفع المظالم وردع الظالم ونصرة الضعيف والمظلوم  . 


[[ الخاتمة : نسأل الله حسنها ]]


يرى من أطلع على كتبي ورسائلي كثرة الحث على طاعة ولي الأمر وفق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم 

وهذا العمل  أفعله ديانة وقربة اذ فيه إمتثالا لامر الله سبحانه وتعالى وامر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. وتاكيدا على أصل عظيم من أصول الإسلام ومبانيه العظام وهو أصل وجوب السمع والطاعة لولاة أمرنا بالمعروف 

يتبع ماسبق :

بفضل الله ورحمته وكرمه وجوده وإحسانه وتوفيقه لا شريك له ثم لما لولي أمرنا من أيادي بيضاء بعدة دعوة الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وقيام ملوك هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية - حرسها الله وملوكها - بمساعدته بنشر التوحيد والسنة فانا وغيري ننهل من نمير ينبوع هذه الدعوة الصافي بفضل الله ثم فضل ولاة أمرنا آل سعود 

ولا ننسى أيها الإخوة:

البيعة الشرعية لهم ومقتضاها ثم نعمة الامن والامان ورغد العيش فقد ثبت في السنة قوله صلى الله عليه وسلم:( من لم يشكر الناس لم يشكر الله ) .

وقبل ذلك :

رأيت جماعات الخوارج ورموزها تستحل الطعن في ولي أمرنا وترى كفره والخروج عليه وتحاول تهييج وتحريض الشباب عليهم وايراد الشبه والقصص المكذوبة محاولة منهم لجذبهم الى تيارهم التكفيري فكان لا بد من كشف زيفهم وتفنيد شبههم وحماية شبابنا من فيروسات فكرهم القذر 

وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

----------------------------------------

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني .

الأربعاء، 26 مايو 2021

《 رسالة إلى أهل دولة سلطنة عمان في بيان تحريم المظاهرات وانها من وسائل الخروج على ولاة الأمر وفيها زعزعة الأمن والاستقرار 》


 


         [[     المقدمة    ]]


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:  ١٠٢ ].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء : ١ ].

 ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: ٧٠-٧١]

فيقول الله تعالى وتقدس  : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: ١٥٥ - ١٥٧].

قال الإمام عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية  : " فالصابرين, هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة, والمنحة الجسيمة، ثم وصفهم بقوله: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ } وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره. { قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ } أي: مملوكون لله, مدبرون تحت أمره وتصريفه, فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها, فقد تصرف أرحم الراحمين, بمماليكه وأموالهم, فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد, علمه, بأن وقوع البلية من المالك الحكيم, الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك, الرضا عن الله, والشكر له على تدبيره, لما هو خير لعبده, وإن لم يشعر بذلك، ومع أننا مملوكون لله, فإنا إليه راجعون يوم المعاد, فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده، وإن جزعنا وسخطنا, لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله, وراجع إليه, من أقوى أسباب الصبر " .

فالصبر :

خلق يهبه الله لمن أراد سعادته في الدارين فيكون صابرا على الابتلاء والنعماء وصابرا عن الشهوات والمعاصي محتسبا مااصابه عاملا بشرع الله حين نزول  قضاء الله وقدره  

فأدق وصف لأهل الصبر من المؤمنين ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم  : (  عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له ) .

رواه مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ٢٩٩٩ ) 

من حديث الصحابي الجليل صهيب الرومي رضي الله عنه .



[[ الفصل الأول : بعض فضائل الصبر وعواقبه الحميدة ]] 

 ذكر الامام ابن القيم رحمه الله  في مقدمة كتابه عدة الصابرين بعض فضائل الصبر نوردها لنفيس كلامه  فقال رحمه الله :

" أما بعد ؛ فإن الله سبحانه جعل الصبر جواداً لا يكبو , وجنداً لا يهزم , وحصناً حصينا لا يهدم ، فهو والنصر أخوان شقيقان ، فالنصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، والعسر مع اليسر ، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد ، ومحله من الظفر كمحل الرأس من الجسد .

ولقد ضمن الوفي الصادق لأهله في محكم الكتاب أنه يوفيهم أجرهم بغير حساب .

وأخبر أنه معهم بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين ، فقال تعالى : { واصبروا إن الله مع الصابرين } .

وجعل سبحانه الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين ، فقال تعالى : { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } .

وأخبر أن الصبر خير لأهله مؤكداً باليمن فقال تعالى : { ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } .

وأخبر أن مع الصبر والتقوى لا يضر كيد العدو ولو كان ذا تسليط ، فقال تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعلمون محيط } .

وأخبر عن نبيه يوسف الصديق أن صبره وتقواه وصلاه إلى محل العز والتمكين فقال : { إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }.

وعلق الفلاح بالصبر والتقوى ، فعقل ذلك عنه المؤمنون فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون }.

وأخبر عن محبته لأهله ، وفي ذلك أعظم ترغيب للراغبين ، فقال تعالى : {والله يحب الصابرين } .

ولقد بشر الصابرين بثلاث كل منها خير مما عليه أهل الدنيا يتحاسدون ، فقال تعالى : {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } .

وأوصى عباده بالاستعانة بالصبر والصلاة على نوائب الدنيا والدين فقال تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } .

وجعل الفوز بالجنة والنجاة من النار لا يحظى به إلا الصابرون ، فقال تعالى : { إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون } .

وأخبر أن الرغبة في ثوابه والإعراض عن الدنيا وزينتها لا ينالها إلا أولو الصبر المؤمنون ، فقال تعالى : { وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون } .

وأخبر تعالى أن دفع السيئة بالتي هي أحسن تجعل المسيء كأنه ولي حميم ، فقال : { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } وأن هذه الخصلة { لا يلقاها إلا الذين صبروا . وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } .

وأخبر سبحانه مؤكدا بالقسم { إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }.

وقسَّم خلقه قسمين : أصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة ، وخص أهل الميمنة أهل التواصى بالصبر والمرحمة .

وخص بالانتفاع بآياته أهل الصبر وأهل الشكر تمييزاً لهم بهذا الحظ الموفور ، فقال في أربع آيات من كتابه : { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } .

وعلَّق المغفرة والأجر بالعمل الصالح والصبر ، وذلك على من يسره عليه يسير ، فقال : { إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير } .

وأخبر أن الصبر والمغفرة من العزائم التي تجارة أربابها لا تبور ، فقال : { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور }.

وأمر رسوله بالصبر لحكمه ، وأخبر أن صبره إنما هو به وبذلك جميع المصائب تهون فقال : {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } ، وقال : { واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون . إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } .

والصبر ساق إيمان المؤمن الذي لا اعتماد له إلا عليها , فلا إيمان لمن لا صبر له وإن كان فإيمان قليل في غاية الضعف وصاحبه يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به ، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ، ولم يحظ منهما إلا بالصفقة الخاسرة .

فخير عيش أدركه السعداء بصبرهم , وترقوا إلى أعلى المنازل بشكرهم ، فساروا بين جناحي الصبر والشكر إلى جنات النعيم ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم " .انتهى كلامه رحمه الله.


 [[ الفصل الثاني  : بعض إدلة أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في فضل الصبر على ظلم ولاة الأمور وتحريم الخروج عليهم ]]


 تظافرت الأدلة وتواترت على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر وفق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والصبر على ظلمهم وجورهم لما في ذلك من جلب مصالح عظيمة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ودرء ودفع مفاسد عظيمة وشرور كثيرة وكبيرة لا يعلمها إلا الله 

من هذه الادلة ما يلي : 

   

روى البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٧٠٥٥ ) ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٤٢)  عن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه  قال: دعانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا:( أن بايعنا على السمع والطاعة في مَنْشَطِنا ومكرهنا، وعُسْرنا ويُسرنا، وأَثَرَة علينا، وألا ننازعَ الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا - ظاهرًا - عندكم من الله فيه برهان )


وروى البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٧٠٤٨) ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم(  ١٨٤٧  ) والسلسلة الصحيحة ( ٢٧٣٩) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه  قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر مخافة أن يدركَني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ( نعم )، قلتُ: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: (نعم، وفيه دَخَن ) - فساد في القلوب - قلتُ: وما دَخَنه؟ قال: (قوم يَهدون بغير هَدْيِي، تعرف منهم وتنكر )، قلتُ: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاةٌ على أبواب جهنم، مَن أجابهم إليها قذفوه فيها )، قلتُ: يا رسول الله، صِفْهم لنا، قال: (هم من جِلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، قلتُ: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعةَ المسلمين وإمامَهم) [ تسمعُ وتُطيعُ الأميرَ ، وإن ضرب ظهرَك ، وأخذ مالَك ، فاسمع وأطِعْ ] قلتُ: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرقَ كلَّها، ولو أن تعَضَّ بأصل شجرة، حتى يدركَك الموتُ وأنت على ذلك).

وروى البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم  ( ٧٠٥٤) ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ١٨٤٩ ) عن عبدالله بن عباس  رضي الله عنهما عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: ( مَن رأى من أميره شيئًا يكرهه فليَصبِر عليه؛ فإنه مَن فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات مِيتة جاهلية ).

 روى البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٧٠٥٢) ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم(  ١٨٤٣)  عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه  قال: قال لنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم : ( إنكم سترون بعدي أَثَرَة   وأمورًا تُنكِرونها )، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: (أدُّوا إليهم حقَّهم، وسَلُوا الله حقكم).

وروى مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ١٨٤٦ )  عن وائل الحضرمي رضي الله عنه  قال: سأل سلمةُ بن يزيد الجعفي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله، أرأيتَ إن قامت علينا أمراء يسألونا حقَّهم ويمنعونا حقَّنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيس، وقال صلى الله عليه وسلم : (اسمعوا وأطيعوا؛ فإنما عليهم ما حمِّلوا، وعليكم ما حمِّلتم).

وروى مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ١٨٥٤)  عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم  عن النبي  صلى الله عليه وسلم  أنه قال: ( إنه يُستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم - أي مَن كَرِه بقلبه وأنكر بقلبه - ولكن مَن رضي وتابع )، قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: (لا، ما صلَّوا ) .

 وروى مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ١٨٥٢)  عن عرفجة رضي الله عنه  قال: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول: ( إنه ستكون هَنَاتٌ  وهَنَاتٌ، فمَن أراد أن يفرِّق أمر هذه الأمَّة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائنًا من كان ).

وروى مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ١٨٥٥ ) عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: ( خِيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلُّون عليكم - الصلاة هنا الدعاء- وتصلُّون عليهم  وشرار أئمتكم الذين تُبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم )، قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: ( لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئًا تكرهونه، فاكرهوا عمله ولا تَنْزِعوا يدًا من طاعة)

 قال الخلاَّل رحمه الله[ كتاب السنة له ( ١ / ١٣٢ )]  :

أخبرني علي بن عيسى، قال: سمعت حنبلاً يقول في ولاية الواثق: اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبدالله  - أحمد بن حنبل -: أبو بكر بن عبيد، وإبراهيم بن علي المطبخي، وفضل بن عاصم، فجاؤوا إلى أبي عبدالله، فاستأذنت لهم، فقالوا: يا أبا عبدالله، هذا الأمر قد تفاقم وفشا، يعنون إظهارَه لخلْق القرآن، وغير ذلك، فقال لهم أبو عبدالله: فما تريدون؟ قالوا: أن نشاورَك في أنَّا لسنا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فناظرهم أبو عبدالله ساعة، وقال لهم: عليكم بالنكرة بقلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة، ولا تشقُّوا عصا المسلمين، ولا تَسفكوا دماءكم "

وقال  الخلاَّل رحمه الله[ كتاب السنة له( ١ / ١٣٢)]: أخبرني محمد بن أبي هارون، ومحمد بن جعفر، أن أبا الحارث حدَّثهم، قال: سألتُ أبا عبدالله - أحمد بن حنبل - في أمرٍ كان حدث ببغداد، وهمَّ قوم بالخروج، فقلت: يا أبا عبدالله، ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ فأنكر ذلك عليهم، وجعل يقول: "سبحان الله! الدماءَ الدماءَ، لا أرى ذلك، ولا آمُرُ به، الصبر على ما نحن فيه خيرٌ من الفتنة، يسفك فيها الدماء، وتستباح فيها الأموال، وتنتهك فيها المحارم، أما علمتَ ما كان الناس فيه؟ يعني: أيام الفتنة، قلتُ: والناس اليوم، أليس هم في فتنة يا أبا عبدالله؟ قال: وإن كان، فإنما هي فتنة خاصة، فإذا وقع السيف عمَّت الفتنةُ، وانقطعت السبل، الصبرَ على هذا، ويسلَمُ لك دينُك خيرٌ لك"، ورأيته ينكر الخروج على الأئمة، وقال: الدماء لا أرى ذلك، ولا آمر به".

قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته :  " ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله  عز وجل  فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة ".

 قال أبو العز الحنفي  رحمه الله  في شرحه للطحاوية( ٢ / ١٣٢ - ١٣٥ ) : " وأما وَلِيُّ الأمر فقد يأمر بغير طاعة الله، فلا يُطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله، وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا؛ فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعافُ ما يحصل من جَوْرهم، بل في الصبر على جَوْرهم تكفيرُ السيئات، ومضاعفة الأجور؛ فإن الله تعالى ما سلَّطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل؛ فعلينا الاجتهاد بالاستغفار والتوبة وإصلاح العمل ""قال تعالى : ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: ٣٠ ].

وقال - سبحانه -: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: ١٦٥].

وقال تعالى : ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ [النساء: ٧٩ ].وقال  سبحانه : ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام:  ١٢٩ ].

فإذا أراد الرعية أن يتخلَّصوا من ظلم الأمير الظالم، فليتركوا الظلم".انتهى كلامه رحمه الله. 

 قال شيخ الإسلام  ابن تيمية  رحمه الله[ منهاج السنة النبوية( ٤ / ٣٤٣)  : 

" الفتنة إذا وقعت عجَز العقلاءُ فيها عن دفع السفهاء، وهذا شأن الفتن، كما قال تعالى : ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال:  ٢٥ ].

وإذا وقعت الفتنةُ لم يسلَم من التلوُّث بها إلا مَن عصمه الله". ثم قال رحمه الله : " كان أفاضل المسلمين يَنْهَون عن الخروج والقتال في الفتنة، كما كان عبد الله بن عمر، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين، وغيرهم، يَنْهَون عن الخروج على يزيدَ بن معاوية، وكما كان الحسن البصري، ومجاهد بن جبر، وغيرهما يَنْهَون عن الخروج في فتنة عبد الرحمن بن الأشعث؛ ولهذا استقرَّ أمرُ أهل السنة على ترك القتال في الفتنة؛ للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي  صلى الله عليه وسلم وصاروا يذكُرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جَوْر الأئمة، وترك قتالهم"[ منهاج السنة النبوية( ٤ / ٣١٥ - ٣١٦ )].

قال  الإمام ابن القيم : 

" إن النبي  صلى الله عليه وسلم  شَرَع لأمته إيجابَ إنكار المنكر؛ ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبُّه الله ورسوله  صلى الله عليه وسلم  فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكرُ منه، وأبغضُ إلى الله ورسوله  صلى الله عليه وسلم  فإنه لا يسوغ إنكارُه، وإن كان الله يُبغضه ويَمقت أهلَه، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنه أساس كلِّ شر وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابةُ رسولَ الله  صلى الله عليه وسلم  في قتال الأمراء الذين يؤخِّرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: ( لا، ما أقاموا الصلاة )، وقال   صلى الله عليه وسلم  : ( مَن رأى من أميره ما يكرهه فليصبِرْ، ولا ينزعنَّ يدًا من طاعةٍ ) [ أعلام الموقعين للامام ابن القيم رحمه الله( ٣ / ٤ )].

[٢٨/‏٥ ١١:٠٥ م] .


قال الإمام ابن باز رحمه الله :

" يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير، هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية ".

[ مجموع فتاوى ومقالات الامام ابن باز رحمه الله ( ٨ / ٢٠٢ )] .


[[ الفصل الثالث  : صور من صبر السلف الصالح على طاعة الأئمة والدعاء لهم بالتوفيق والصلاح ]]

 أورد الحافظ الذهبي رحمه الله في كتابه النفيس سير أعلام النبلاء قصة سجن التابعي الجليل ابن سيرين رحمه الله وذلك لدين مالي لحقه وليس سجنه    بسبب أفعال إجرامية كما جرى من الإخوانية الخوارج الذين قاموا بتكفير المسلمين والمعاهدين واستحلوا فيها الدماء البريئة المعصومة نذكر هذه القصة عظة وعبرة تذكيرا للشباب المسلم في هذا العصر الذي حاول فيه رموز جماعات التكفير وتيارات العلمنة والإلحاد اختطافهم  وذلك عن طريق  غسيل فكرهم .

 ويجتمع الفريقان الطرفان المتضادان كما في الظاهر  - إعلاميا لتمكنهم من وسائله  المختلفة - في محاولة تربية الشباب المسلم على توهين واضعاف أصل عظيم من أصول الإسلام ومبانيه العظام وهو [ أصل وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف  ]

وذلك بإثارة  مشاعرهم بأمور دنيوية لتحقيق هدف دنيوي يسعون إليه مثل [ عدم وجود وظيفة ] 

ثم إذا تم توظيفه خرجوا بمظاهرة أخرى عنوانها 

[  الراتب لا يكفي ]

وقبل ذلك ظهور هذه البدع 


 حصلت [ثورة الجياع]

 او

[ ثورة الخبز ]

كما حصل ذلك في دول إسلامية عدة 

وبعضهم يظهر التمسح بالدين 

و شحن الشباب بالعاطفة الدينية تجاه أي عمل حزبي

يقومون به 

وهذه الأعمال  شنشنة عرفت بها الجماعات التكفيرية ورموز الضلال و حركات التهييج السياسي والتحريض الديني  على الحكام 

وديدنهم   تلميع  الجماعات التكفيرية ومدح رموزها وإظهارهم على أنهم من ينقذ الأمة من سبات جهلها العميق كما يزعمون ومعالجة فقرهم وحل مشاكلهم الشخصية والاجتماعية والأخذ بأيديهم تجاه نصرة قضايا المسلمين .

 وقد رأيت مجموعة  من الشباب يضعون كلاما لأصحاب الإنحراف الفكري الذين تم سجنهم بسبب توجهاتهم  الفكرية التكفيري ومحاولة نشر البدع والأهواء والتي منها عقيدة  الخوارج بين المسلمين في ثنايا صوتياتهم وكتبهم  فتجد التحريض المستمر والنيل من اعراض ولاة الأمر وزعزعة الأمن والاستقرار 

ورموز دعاة الضلال أستغلوا عاطفة الشباب وجهلهم بأمرين 

                  (  أولا  )

 جهلهم بالشرع ؛ فهؤلاء الشباب الذين كفروا المجتمع واستحلوا الدماء بغير حق  أتى وصفهم على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم:( حدثاء الاسنان سفهاء الاحلام ) أي فيهم صغر سن و جهل وطيش فلا يقبلوا نصح الناصح وشفقته عليهم فتجدهم يعادونه  ويحرضون عليه ويؤذونه وينبزونه بتهم معلبة كذبا وافتراء عليه.

                  ( ثانيا )

جهل هؤلاء الشباب بحال الداعية المتحدث وعدم فقههم في مباحث الإيمان وعدم ضبطهم لمسائل التكفير وشروطه وموانعه واسبابه   وقد يطبقون  الآيات القرآنية والسنة النبوية التي أتت في الكفار المحاربين على أفراد مجتمعهم المسلم أو على أهل المعاهدين والذميين  وذلك  تأييدا لفكرهم المنحرف الذي دل  الكتاب والسنة واقوال علماء الاسلام على إعوجاجهم وانحرافهم   

فلله در علماء الاسلام وأئمة السنة وأعلام الهدى فلهم ايادي بيضاء في فضحهم وتفنيد افكارهم الشاذة وكشف شبهاتهم وتعريتها أمام الملأ ولهم في ذلك سلف فأنظر إلى 

قول ابن عباس رضي الله عنهما : [ والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحداً أحب إلى الشيطان هلاكاً مني ؛ قيل له: وكيف؟ فقال: والله إنه لتحدث البدعة في مشرق أو في مغرب فيحملها الرجل إلي فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة فترد عليه] فالخوارج الإخوانية لا يرون السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف مخالفة للشرع المطهر والإجماع. 

وهكذا فكر الإلحاد من ليبرالية وعلمانية فالديمقراطية يجعلونها إلها من دون الله في اختيار حكامهم وفي مصدر تشريعاتهم وقد يلوون اعناق  النصوص أو يحرفونها أو يضعون قواعد كلية عقلية بعيدة عن النقل الصحيح والعقل الصريح والفطر السليمة في محاربة شرع الله .

        ( يا شباب الإسلام )

يلاحظ في قصتنا هذه  سلامة صدر أهل العلم  تجاه  من قام  بسجنهم وهو ولي الأمر وهذه خصلة وصفة معروفة عند أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح لايشاركهم فيها أحد من جماعات الخوارج والتكفير

وذلك أن طاعة ولي الأمر عندهم ديانة وقربة عملا بدين الله المبني على الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة الصالح 

وليس تطبيلا [ كما تقول  الخوارج ومن تبعهم فكريا].

ولا لحظوظ النفس 

وشهوات الدنيا

و امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:( ثلاث لا يغل عليهن قلب أمرئ مسلم : إخلاصُ العَمَلِ للهِ، وطاعةُ ذوي الأمْرِ، ولُزومُ جَماعةِ المُسلِمينَ )وفي رواية :( ثلاثٌ لا يُغلُّ علَيهِنَّ قلبُ مؤمنٍ : إخلاصُ العملِ للَّهِ ، والنَّصيحةُ لوُلاةِ المسلمينَ ، ولزومُ جماعتِهِم ، فإنَّ دَعوتَهُم ، تُحيطُ مِن ورائِهِم ) 

وأنظروا  سلامة صدر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تجاه خليفة المسلمين مع ما جرى له  من قبله من ظلم وسجن وجلد وتعذيب مع عظيم قول الخليفة في عصره وجرمه وحرمته وهو القول بخلق القرآن الكريم 

الذي قالت به المعتزلة [ فرقة ترى حل الدماء وكفر العاصي مع ما عرفته به من التعطيل الجهمي في توحيد الأسماء والصفات ] .

ومع هذه الأمور المحرمة التي أتت من قبل الخليفة فقدأنكر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله  على من يرى الخروج عليه وبين  حرمتها وخطورة استحلال الدماء  وصلى خلف إمامه ودعا له وقال : " لو كان لي دعوة مستجابة لجعلتها لولي الأمر "   

وقصة سجن التابعي الجليل ابن سيرين رحمه الله  نذكرها ونصها : 

 [  سجن ابن سيرين؛فقال له السجان‏ : إذا كان الليل ، فاذهب إلى أهلك ، فإذا أصبحت فتعال .فقال : لا والله لا أكون لك عوناً على خيانة السلطان].

والمصدر في هذه القصة كتاب

 [سير أعلام النبلاء ( ٦١٦/٤)] 

فأقول تعليقا على هذه القصة: 

ابن سيرين رحمه الله تابعي جليل بل من كبار علماء التابعين رحمهم الله 

وقال هذا الكلام للحارس تأكيدا على أهمية طاعة ولي الأمر وعدم التهاون في تنفيذها 

 وذلك أن طاعة السلطان بالمعروف من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم القائل :( من اطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني  ).

وفي هذه  اللفتة من هذا العالم الجليل  تذكير بأن طاعة الأمراء بالمعروف مع :

ان فيها أتباع للشرع المطهر

-  وان كان فيها إضرار لشخص واحد اقتضاء لحكم شرعي -

 فإن طاعتهم يترتب عليها مصالح عامة كلية لعموم الناس وتظهر هذه المصالح في وجود الأمن والأمان وردع الظالم وانتصار للضعيف والمظلوم وحماية للارواح والاعراض والاموال وفيهم تؤمن السبل وتستقيم حياة الناس 

بخلاف عدم وجودهم فالقتل وانتهاك العرض واستباحة الدماء ونهب الأموال وانقطاع الطرق وفساد الأمر 

وهذا الأمر لا يدركه الجاهل بسبب جهله وعدم حنكته وقلة حكمته ولا يعرفها الضال  ممن حمل معتقد الخوارج الإخوانية  لأن معه فكر لا تصلح فيه دنيا ولا آخرة  .

ولهذا فإن اتباع السنة نجاة

ولهذا تجد علماء السنة أتباع السلف الصالح هم من ينبهون على عظيم هذا الأصل ويؤكدون على وجوبه والتحذير من التهاون فيه أو عدم العمل فيه 

لأنه في - حال تركه -

فيه اهمال للشرع 

وإهمال للمصالح العامة للناس 


[[ الفصل الرابع : الكيفية الشرعية لنصح ولي الأمر ومشروعية رفع المسلم حاجته الدنيوية إلى ولي امره وفق الشرع ثم وفق  ما وضعوه من أنظمة اقتضاء لمصالح رعيتهم ]]  


لما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه : قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه : ألا تكلم عثمان؟ فقال: إنكم ترون أني لا أكلمه، إلا أسمعكم؟ إني أكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرًا لا أحب أن أكون أول من افتتحه.


ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان رضي الله عنه علنا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية رضي عنهما ، وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة رضي الله عنهما وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علنا، حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه، وفي السنن عن عياض بن غنم الأشعري رضي الله عنه ، أن رسول الله ﷺ قال: 《 من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه 》" [ من كلام الامام ابن باز رحمه الله بتصرف يسير ] والحديث صححه الامام الالباني رحمه الله


وروى ابن ابي شيبه رحمه الله عن سعيد بن جبير رحمه الله قال: قال رجل لابن عباس-رضي الله عنهما-: آمر أميري بالمعروف؟ قال: إن خفت أن يقتلك, فلا تؤنب الإمام, فإن كنت لا بد فاعلا فيما بينك وبينه


وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله عن سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى وَهُوَ مَحْجُوبُ الْبَصَرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، قَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ وَالِدُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَتَلَتْهُ الْأَزَارِقَةُ، قَالَ: لَعَنَ اللهُ الْأَزَارِقَةَ، لَعَنَ اللهُ الْأَزَارِقَةَ، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُمْ كِلَابُ النَّارِ "، قَالَ: قُلْتُ: الْأَزَارِقَةُ وَحْدَهُمْ أَمِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا؟ قَالَ: " بَلِ الْخَوَارِجُ كُلُّهَا ". قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ، وَيَفْعَلُ بِهِمْ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ يَدِي فَغَمَزَهَا بِيَدِهِ غَمْزَةً شَدِيدَةً ، ثُمَّ قَالَ: " وَيْحَكَ يَا ابْنَ جُمْهَانَ عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، عَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَسْمَعُ مِنْكَ، فَأْتِهِ فِي بَيْتِهِ، فَأَخْبِرْهُ بِمَا تَعْلَمُ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْكَ، وَإِلَّا فَدَعْهُ، فَإِنَّكَ لَسْتَ بِأَعْلَمَ مِنْهُ "[ المصدر رسالتنا :《 الطريقة الشرعية في كيفية نصيحة الملك او وزراء الملك 》].

وبهذا يتبين لكم الطريقة الغربية الكافرة - أعني المظاهرات- في كيفية النصيحة لولي الامر  أو طلب أي أمر دنيوي فيه صلاحهم  

أيها الإخوة : 

لا أنكر على من أراد رفع طلبه إلى مقام ولي الأمر في حاجة تصلح معاشه أو أمر من أمور الدنيا فيه خير له 

فولي الأمر هو في مقام الوالد لأولاده وفي منزلة الأب لابنائه 

وهو راع مسؤول لرعيته ينظر في مصالحهم فيقربها إليهم ويحرص  على إيصال النفع لهم ولا يرضى إلا اسعادهم ويحرص على دفع المضار  والمفاسد عنهم  بل يسد ابواب الشر عنهم ويدفعها نحسب ولاة أمرنا آل سعود  كذلك .

وقد ثبت في السنة

قوله صلى الله عليه وسلم:

( من كان ذا حاجة فلا يبدها إلا لذي سلطان )

فيتقدم - وهذا لمن كان ذا حاجة - إلى مقام ولي الأمر في أدب وخلق مبديا حاجته .

ومجالس ولاة الأمر مفتوحة وهم يحرصون على دفع المظالم وردع الظالم ونصرة الضعيف والمظلوم  . 


[[ الخاتمة : نسأل الله حسنها ]]


يرى من أطلع على كتبي ورسائلي كثرة الحث على طاعة ولي الأمر وفق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم 

وهذا العمل مني أفعله ديانة وقربة اذ فيه إمتثالا لامر الله سبحانه وتعالى وامر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. وتاكيدا على أصل عظيم من أصول الإسلام ومبانيه العظام وهو أصل وجوب السمع والطاعة لولاة أمرنا بالمعروف 

يتبع ماسبق :

بفضل الله ورحمته وكرمه وجوده وإحسانه وتوفيقه لا شريك له ثم لما لولي أمرنا من أيادي بيضاء بعدة دعوة الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وقيام ملوك هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية - حرسها الله وملوكها - بمساعدته بنشر التوحيد والسنة فانا وغيري ننهل من نمير ينبوع هذه الدعوة الصافي بفضل الله ثم فضل ولاة أمرنا آل سعود 

ولا ننسى أيها الإخوة:

البيعة الشرعية لهم ومقتضاها ثم نعمة الامن والامان ورغد العيش فقد ثبت في السنة قوله صلى الله عليه وسلم:( من لم يشكر الناس لم يشكر الله ) .

وقبل ذلك :

رأيت جماعات الخوارج ورموزها تستحل الطعن في ولي أمرنا وترى كفره والخروج عليه وتحاول تهييج وتحريض الشباب عليهم وايراد الشبه والقصص المكذوبة محاولة منهم لجذبهم الى تيارهم التكفيري فكان لا بد من كشف زيفهم وتفنيد شبههم وحماية شبابنا من فيروسات فكرهم القذر 

وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

----------------------------------------

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني .

الاثنين، 17 مايو 2021

《 ماذا تعرف عن حركة حماس في فلسطين 》



الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

أما بعد :

 فحركة حماس هي حركة إخوانية خوارج اذناب للروافض

يقول الإمام  الألباني رحمه الله عن حماس : " الحركة القائمة اليوم في الضفة هذه حركة ليست إسلامية ".

فأنظروا رحمنا الله وإياكم 

كيف وصف هذا الإمام حركة حماس بأنها غير إسلامية وذلك لعظيم جرمها وخطرها على الإسلام والمسلمين.  

 وحماس تعتبر من الأجنحة العسكرية ومليشيا تابعة لحكومة إيران الرافضة المجوس النجوس مثلها مثل حزب ابليس في لبنان بقيادة حسن نصر المجوسي و فيلق بدر وحزب الحوثي في اليمن  فحركة حماس تعمل  مثل ووفق بقية المليشيات التابعة لإيران فهي وهم خنجر مسموم في خاصرة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولهم بغض وحقد وغل وحرب و عداء ظاهر لدول الإسلام الصحيح وهي دول السنة وولاة أمرها كالمملكة العربية السعودية والكويت والبحرين والإمارات  

وقد تواتر الخبر عنهم في أنهم استباحوا دماء أهلنا اهل الإسلام في فلسطين في لعبة سياسية مكشوفة قذرة خدمة لمواليهم مجوس إيران في محاولة منهم لأجل لي يد دولة اليهود لاخضاعها لمقترحات إيران بعد تكرر هجمات الدولة اليهوديه على مواقع الجيش المجوسي الفارسي في عدد من الأماكن والدول  فأغضبهم ذلك وأتى توجيه ولي أمرهم خامنئي بهذه التمثيلية اللعبة السياسية .

انظروا كلام رئيس هذه  الحركة حماس المدعو  إسماعيل هنية يصف الرافضي الخبيث قاسم سليماني بأنه :" شهيد القدس ".  وقاسم سليماني قتل كثيرا من أهل الإسلام واستباح دماءهم في كثير من دول العالم  

كفى الله المسلمين شرهم .

وللأسف رأيت من يؤيدهم في توجههم وينصرهم وهذا إما جهلا منه أو أنه يتبعهم في ضلالهم 

لذا وجب التنبيه 

فلا يدعى لهم 

بل يدعى عليهم 

والدعاء للمساكين المستضعفين من المسلمين  وليس لأبواق ايران الروافض وجنودها .

أسأل الله أن يرينا في إيران ومليشياتها عجائب قدرته . 

وأن ينصر المستضعفين في فلسطين وفي العراق وفي لبنان وفي سوريا وفي كل مكان 

وأن ينصر جنودنا المرابطين في الحد الجنوبي على هؤلاء الخنازير المجوس.

اللهم أكف المسلمين شر اليهود 

ومكرهم ؛ والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

---------------------

كتبه :

غازي بن عوض العرماني .

السبت، 15 مايو 2021

《 قصة فيها عظة وعبرة 》



الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

أما بعد :

فقد أورد الحافظ الذهبي رحمه الله في كتابه النفيس سير أعلام النبلاء قصة سجن التابعي الجليل ابن سيرين رحمه الله لدين مالي لحقه وليس  بسبب أفعال إجرامية جرت بسبب تكفير المسلمين والمعاهدين استحلت فيها الدماء البريئة المعصومة نسوقها عظة وعبرة تذكيرا للشباب المسلم في هذا العصر الذي حاولت فيه جماعات التكفير وتيارات العلمنة والإلحاد اختطافهم  وذلك عن طريق  غسيل فكرهم .

 ويجتمع الفريقان الطرفان المتضادان كما في الظاهر  - إعلاميا لتمكنهم من وسائله  المختلفة - في محاولة تربية الشباب المسلم على توهين واضعاف أصل عظيم من أصول الإسلام ومبانيه العظام وهو [ أصل وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف  ]

وذلك بإثارة  مشاعرهم بأمور دنيوية لتحقيق هدف دنيوي يسعون إليه مثل الراتب لا يكفي وقبل ذلك ظهور مايسمى بثورة الجياع او ثورة الخبز كما حصل ذلك في دول إسلامية عديدة والتمسح بالدين و إظهار العاطفة الدينية تجاه أي عمل حزبي شنشنة عرفت بها رموز الضلال و التهييج والتحريض على الحكام مع تلميع  الجماعات التكفيرية ومدح رموزها وإظهارهم على أنهم من ينقذ الأمة من سباتها وجهلها ويأخذ بأيديهم تجاه نصرة قضايا المسلمين .

 وقد رأيت مجموعة  من الشباب يضعون كلاما لأصحاب الإنحراف الفكري الذين سجنوا بسبب نشرهم الفكر التكفيري ومحاولة نشر البدع والأهواء وعقيدة  الخوارج بين المسلمين في ثنايا صوتياتهم وكتبهم  تجد التحريض المستمر والنيل من اعراض ولاة الأمر وزعزعة الأمن والاستقرار 

ورموز دعاة الضلال أستغلوا عاطفة الشباب وجهلهم بأمرين 

أولا:

 جهلهم بالشرع ؛ فهؤلاء الشباب المتأثر بالتكفير  أتى وصفهم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم:( حدثاء الاسنان سفهاء الاحلام) أي فيهم صغر سن و جهل وطيش فلا يقبلوا نصح الناصح وشفقته عليهم فتجدهم يعادونه  ويحرضون عليه ويؤذونه وينبزونه بتهم معلبة كذبا وافتراء عليه.

ثانيا :

جهل هؤلاء الشباب بحال الداعية المتحدث وعدم فقههم في مباحث الإيمان وعدم ضبطهم لمسائل التكفير  وقد يضعون الآيات القرآنية والسنة النبوية في حال فيها تأييد لفكرهم الذي دل  الكتاب والسنة واقوال علماء الاسلام بإعوجاجه  

فلله در علماء الاسلام وأئمة السنة وأعلام الهدى فلهم ايادي بيضاء في فضحهم وتفنيد افكارهم وكشف شبهاتهم وتعريتها أمام الملأ ولهم في ذلك سلف فأنظر إلى 

قول ابن عباس رضي الله عنهما : [ والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحداً أحب إلى الشيطان هلاكاً مني ؛ قيل له: وكيف؟ فقال: والله إنه لتحدث البدعة في مشرق أو في مغرب فيحملها الرجل إلي فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة فترد عليه] فالخوارج الإخوانية لا يرون السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف مخالفة للشرع المطهر والإجماع. 

وهكذا فكر الإلحاد من ليبرالية وعلمانية فالديمقراطية يجعلونها إلها من دون الله في اختيار حكامهم وفي مصدر تشريعاتهم وقد يلوون اعناق  النصوص أو يحرفونها أو يضعون قواعد كلية عقلية بعيدة عن النقل الصحيح والعقل الصريح والفطر السليمة في محاربة شرع الله .

يا شباب الإسلام:

يلاحظ في قصتنا هذه  سلامة صدر أهل العلم  تجاه  من قام  بسجنهم وهو ولي الأمر وهذه خصلة وصفة معروفة عند أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح لايشاركهم فيها أحد من جماعات الخوارج والتكفير

وذلك أن طاعة ولي الأمر عندهم ديانة وقربة عملا بدين الله المبني على الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة الصالح 

وليس تطبيلا [ كما تقول  الخوارج ومن تبعهم فكريا].

ولا لحظوظ النفس 

وشهوات الدنيا

و امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:( ثلاث لا يغل عليهن قلب أمرئ مسلم : إخلاصُ العَمَلِ للهِ، وطاعةُ ذوي الأمْرِ، ولُزومُ جَماعةِ المُسلِمينَ )وفي رواية :( ثلاثٌ لا يُغلُّ علَيهِنَّ قلبُ مؤمنٍ : إخلاصُ العملِ للَّهِ ، والنَّصيحةُ لوُلاةِ المسلمينَ ، ولزومُ جماعتِهِم ، فإنَّ دَعوتَهُم ، تُحيطُ مِن ورائِهِم ) 

وأنظروا  سلامة صدر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تجاه خليفة المسلمين مع ما جرى له  من قبله من ظلم وسجن وجلد وتعذيب مع عظيم قول الخليفة في عصره وجرمه وحرمته وهو القول بخلق القرآن الكريم 

الذي قالت به المعتزلة [ فرقة ترى حل الدماء وكفر العاصي مع ما عرفته به من التعطيل الجهمي في توحيد الأسماء والصفات ] .

ومع هذه الأمور المحرمة التي أتت من قبل الخليفة فقدأنكر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله  على من يرى الخروج عليه وبين  حرمتها وخطورة استحلال الدماء  وصلى خلف إمامه ودعا له وقال : " لو كان لي دعوة مستجابة لجعلتها لولي الأمر "   

وقصة سجن التابعي الجليل ابن سيرين رحمه الله  نذكرها ونصها : 

 [  سجن ابن سيرين؛فقال له السجان‏ : إذا كان الليل ، فاذهب إلى أهلك ، فإذا أصبحت فتعال .فقال : لا والله لا أكون لك عوناً على خيانة السلطان].

والمصدر في هذه القصة كتاب

 [سير أعلام النبلاء ( ٦١٦/٤)] كما بينا ذلك سابقا 

فأقول تعليقا على هذه القصة: 

ابن سيرين رحمه الله من كبار علماء التابعين رحمهم الله 

وقال هذا الكلام للحارس تأكيدا على أهمية طاعة ولي الأمر وعدم التهاون في تنفيذها 

 وذلك أن طاعة السلطان بالمعروف من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم القائل :( من اطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني  ).

وفي هذه  اللفتة من هذا العالم الجليل  تذكير بأن طاعة الأمراء بالمعروف مع :

ان فيها أتباع للشرع المطهر

-  وان كان فيها إضرار لشخص واحد اقتضاء لحكم شرعي -

 فإن طاعتهم يترتب عليها مصالح عامة كلية لعموم الناس وتظهر هذه المصالح في وجود الأمن والأمان وردع الظالم وانتصار للضعيف والمظلوم وحماية للارواح والاعراض والاموال وفيهم تؤمن السبل وتستقيم حياة الناس 

بخلاف عدم وجودهم فالقتل وانتهاك العرض واستباحة الدماء ونهب الأموال وانقطاع الطرق وفساد الأمر 

وهذا الأمر لا يدركه الجاهل بسبب جهله وعدم حنكته وقلة حكمته ولا يعرفها الضال  ممن حمل معتقد الخوارج الإخوانية  لأن معه فكر لا تصلح فيه دنيا ولا آخرة  .

ولهذا فإن اتباع السنة نجاة

ولهذا تجد علماء السنة أتباع السلف الصالح هم من ينبهون على عظيم هذا الأصل ويؤكدون على وجوبه والتحذير من التهاون فيه أو عدم العمل فيه 

لأنه في - حال تركه -

فيه اهمال للشرع 

وإهمال للمصالح العامة للناس 


وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

----------------------------------------

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني .

الثلاثاء، 11 مايو 2021

《 سنيةُ التَّكبيرِ في ليلة عيدِ الفِطْرِ حتى فراغُ الإمامِ من خطبة العيد 》




                [   المقدمة   ]

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم
ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد : 
فهذا تذكير بسنة ثابتة عن  الرسول صلى الله عليه وسلم 
وهو سنية التكبير ليلة عيد الفطر حتى فراغُ الإمامِ من الخطبة 
وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة 
.
[ الأدلة على مشروعية هذا التكبير  ]

قوله تعالى وتقدس: { تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .
قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية  : " قال ابن عباس : هو تكبيرات ليلة الفطر وروي عن الشافعي وعن ابن المسيب وعروة وأبي سلمة أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر يجهرون بالتكبير وشبه ليلة النحر بها إلا من كان حاجا فذكره التلبية " . انتهى كلامه رحمه الله. 
وأما الدليل من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ففي صحيح الإمام مسلم رحمه الله حديث رقم ( ٨٩٠ ) عن أمِّ عطيَّةَرضي الله عنها قالت : ( كنَّا نُؤمَر بالخروجِ في العيدين، والمُخبَّأةُ، والبِكرُ. قالت: الحُيَّضُ يَخرُجْنَ فيكنَّ خلفَ الناسِ، يُكبِّرْنَ مع الناسِ ). 
وفي رواية للامام البخاري رحمه الله حديث رقم( ٩٧١ ) قالت رضي الله عنها : ( فيُكبِّرْنَ بتكبيرِهم ) .
وفي الأثر عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما:  [ أنَّه كان يَجهَرُ بالتَّكبيرِ يومَ الفِطرِ إذا غدا إلى المصلَّى، حتى يخرُجَ الإمامُ فيُكبِّرَ ] 
صحح هذا الاثر موقوفا  
الإمام الألبانيُّ رحمه الله  في إرواء الغليل( ٦٥٠ ).

              [ وقت التكبير :  متى يبدأ التكبير ومتى ينتهي  ]
فذهب  سعيد بن المسيَّب، وأبو سَلَمةَ، وعروة، وزيد بن أسلمَ
يَبدأُ وقتُ تكبيرِ عيدِ الفِطرِ بغُروبِ شَمسِ ليلةِ العِيدِ، 
قاله النووي رحمه الله في [المجموع ( ٥ / ٤١)]. 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" والتكبيرُ فيه: أوَّله من رُؤية الهلال، وآخره: انقضاء العيد، وهو فراغُ الإمامِ من الخطبة على الصحيح ". [مجموع الفتاوى( ٢٤ / ٢٢١)].
قال الإمام ابنُ باز رحمه الله : " التكبير: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلَّا الله، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، ولله الحمد. أو يُثلِّث: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلَّا الله، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، ولله الحمد، مثله: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا؛ كل هذا مشروعٌ في عيد الفِطر بعدَ غروب الشمس إلى الفراغ من الخُطبة"  [فتاوى نور على الدرب( ١٣ / ٣٥٥ )].
وهذا إختيار الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله [ مجموع فتاوى ورسائل العثيمين رحمه الله( ١٦ / ٢٥٩ )]. 
دليلهم ماسبق وعملا بقول  اللهُ تعالى وتقدس : { وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ }
قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره لهذه الآية:"والذكر الذي خصهم الله على
 تعظيمه به التكبير يوم الفطر فيما تأوله جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : ٢٣٧٨ - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن داود بن قيس , قال : سمعت زيد بن أسلم يقول : { ولتكبروا الله على ما هداكم } قال : إذا رأى الهلال , فالتكبير من حين يرى الهلال حتى ينصرف الإمام في الطريق والمسجد إلا أنه إذا حضر الإمام كف فلا يكبر إلا بتكبيره . ٢٣٧٩ - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : سمعت سفيان يقول : { ولتكبروا الله على ما هداكم } قال : بلغنا أنه التكبير يوم الفطر . ٢٣٨٠ - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : كان ابن عباس يقول : حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم ; لأن الله تعالى ذكره يقول : { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم } قال ابن زيد : ينبغي لهم إذا غدوا إلى المصلى كبروا , فإذا جلسوا كبروا , فإذا جاء الإمام صمتوا , فإذا كبر الإمام كبروا , ولا يكبرون إذا جاء الإمام إلا بتكبيره , حتى إذا فرغ وانقضت الصلاة فقد انقضى العيد . قال يونس : قال ابن وهب : قال عبد الرحمن بن زيد : والجماعة عندنا على أن يغدوا بالتكبير إلى المصلى .ولعلكم تشكرون
القول في تأويل قوله تعالى : { ولعلكم تشكرون } . يعني تعالى ذكره بذلك : ولتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق . وتيسير ما لو شاء عسر عليكم . و " لعل " في هذا الموضع بمعنى " كي " , ولذلك عطف به على قوله : { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون } .
قال الإمام عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية:"وبالتكبير عند انقضائه, ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال إلى فراغ خطبة العيد ".
 .
[ الخاتمة: نسأل الله حسنها ]
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وجعلنا واياكم من أهل العلم النافع والعمل الصالح ورزقنا الله وإياكم  وحسن الخاتمة آمين 
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا 
---------------------
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه:
غازي بن عوض العرماني .

《 نصيحة مختصرة بمناسبة قرب العيد 》

 


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .....


العيد أتى . 

فنصيحتي 

لكم أيها الإخوة:

وسعوا صدوركم 

وانبسطوا 

والدنيا

لا تساوي شيئا 

فأترك الهم 

والغم

 والعبوس 

والتجهم

 وكن مستبشرا

 مبتسما 

وسيعا صدرك 

محبا لأقربائك- وأن  اخطاوا أو غلطوا في حقك -

هل تريد اطالة العمر 

هل تريد المال 

هل تريد سعادة الدنيا والآخرة 

وصيتي لك

صل ارحامك

وهم : اخوانك 

واعمامك واخوالك 

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره  فليصل رحمه ) رواه البخاري رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٢٠٦٧)  ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٢٥٥٧) بالفاظ متقاربة. 


أحذروا من قطيعة الرحم 

قال الله تعالى وتقدس  : { 

فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ }

وروى مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم  ( ٢٥٥٥) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ )  

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه تسليما.

----------------

غازي بن عوض العرماني .

الخميس، 6 مايو 2021

السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته احسن الله إليكم فضيلة الشيخ لو تفضلتم مأجورين ان شاء الله ببيان من هو الفقير والمسكين الذي تعطى له زكاة الفطر بارك الله فيكم ؟

 

الجواب : 

الذي يظهر من خلال الإطلاع على أقوال العلماء في هذه المسالة :

إلى أن المسكين أحسن حالا من الفقير ؛ دل على ذلك إدلة منها 

قوله تعالى وتقدس :{ أما السفينة فكانت لمساكين} 

قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية [ بتصرف يسير ]: "  دليل على أن المسكين وإن كان يملك شيئا فلا يزول عنه اسم المسكنة "

انتهى كلامه رحمه الله. 

والدليل الثاني : 

لعل بداءة الله تعالى وتقدس في الأول دليل على شدة حاجته من الثاني وذلك في قوله تعالى:{ إنما الصدقات للفقراء والمساكين.......الآية }

وتفريق الله في هذه الآية للفظين دليل على اختلاف المعنى لكل لفظ منهما .


وقال بعض أهل العلم :

 اذا اجتمعا افترقا ؛ واذا افترقا اجتمعا . مثل الإسلام والإيمان 

وا لله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

《متى يكون آخر وقت لإخراج زكاة الفطر 》



الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسولهالمصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا 

أما بعد 

ذكر أهل العلم اقوالا من أهمها 

ما يلي    :

             [ القول الأوّل] :


آخِرُ وقتِ زكاةِ الفِطرِ الذي يحرُمُ تأخيرُها عنه هو غروبُ شَمسِ يَومِ عِيدِ الفِطرِ، وهذا مَذهَبُ المالكيَّةوالشافعيَّة

والحنابلة واستدلوا بما ورد  في السُّنَّة من

حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ( كنَّا نُخرِجُ في عهدِ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يومَ الفِطرِ صاعًا من طعامٍ ...الحديث) 

فدل على لفظ (يوم الفطر ) يشمل نهار يوم كله اوله وآخره الى وقت غروب الشمس وهذا عملا بظاهر الحديث  

وكذلك استدلالا بما ورد عن عبدالله بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (فرَض رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ؛ طُهرةً للصَّائِمِ مِنَ اللَّغو والرَّفَث، وطُعمةً للمساكينِ؛ مَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ فهي زكاة مقبولة، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدَقاتِ)

وجه الدَّلالة:

أنَّ اعادة عبارة  (مَن أدَّاها) مرَّتين، واتِّحادَ مَرجِعِ الضَّميرِ في المرَّتين؛ يفيدُ أنَّ الصدقةَ المؤدَّاة قبل الصَّلاةِ وبعد الصَّلاة هي صدقةُ الفِطرِ، لكِنْ نَقَصَ ثوابُها فصارتْ كغَيرِها من الصَّدَقاتِ  .


              [القول  الثاني]: 

أنَّ آخِرَ وَقتِ زكاةِ الفِطرِ هو قبل صلاةُ العِيدِ، ويحرُمُ تأخيرُها إلى ما بعدَ صلاةِ العيدِ، فإنْ أخَّرها لم تقَعْ زكاةَ فِطرٍ، وإنَّما هي صدقة من الصدقات اختارَ هذا القول ابنُ تيميَّه وابنُ القيِّم   والصنعانيُّ والشوكانيُّ وابنُ باز وابنُ عُثيمين واهل الظاهر رحمهم الله  ومن ادلتهم  ما ثبت في السُّنَّة من  حديث عبدالله بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (فرضَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ؛ طُهرةً للصَّائِمِ من اللَّغو والرَّفَثِ، وطُعمةً للمساكينِ؛ مَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ، فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ، فهي صَدَقةٌ مِنَ الصَّدقاتِ)

وبماثبت كذلك في السنة من حديث عبدالله بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (أمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بزكاةِ الفِطرِ أن تؤدَّى قبل خُروجِ النَّاسِ إلى الصَّلاةِ)

وكلَّ عبادةٍ حدد لها الشارع وقتا  إذا تعمَّد الإنسانُ إخراجَها عن وَقتِها لم تُقبَلْ 

ولعل هذا القول له قوته ووجاهته  "اللهم إلا إذا أتى العيد والإنسان ليس عنده ما يخرج، أو ليس عنده من يخرج إليه [ او كان نائما او لم يجد احدا يعطيه الزكاة] ففي هذه الحال يخرجها متى تيسر له إخراجها. وكذلك لو لم يعلم بالعيد إلا في وقت مباغت لا يتمكن من إخراجها قبل الصلاة وأخر إخراجها، فإن في هذه الحال تخرج ولو بعد الصلاة، وكذلك لو اعتمد بعض الناس على بعض، مثل أن تكون العائلة اعتمدت على قيمهم وهو في بلد آخر، ثم تبين أنه لم يخرج، فإنه يخرج ولو بعد العيد"

----------------------------------------

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني .

ملحوظة مهمة : 

[مابين " ..." من الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله بتصرف يسير ] 

السبت، 1 مايو 2021

*أيهما افضل واقرب للعدل والرحمة الحكم الملكي ام الحكم الجمهوري ؟*

 .


سائل يسأل ونص سؤاله يقول :-

لوحظ خلال تأمل واقع وقضايا المسلمين المعاصرة أن حكم الملوك والامراء في الغالب أقرب إلى العدل من حكم رؤوساء الجمهوريات فما السبب في هذا   ؟

الجواب : 

الذي يظهر والله أعلم 

ان حكم الملوك والأمراء أقرب للشرع وكلما قرب الأمر من الشرع حلت البركة وانتشر الخير ومعلوم أن طريقة الحكم المعتبرة شرعا في دين الإسلام هي ثلاث طرق :

الأولى:

الشورى بين أهل الحل والعقد في أختيار ولي الأمر. 

الثانية :

البيعة بالعهد لمن كان بعده .

الثالثة :

الغلبة والقوة والقهر .

وهذه الأمور معتبرة شرعا  متفق عليها بين كبار علماء الاسلام  لدلالة النص ولإنعقاد الإجماع عليها .

و كل  هذه الأمور أو جلها   قد تجتمع في إختيار الملك أو الأمير او السلطان بخلاف حكم غيرهم فطريقته متبع فيها  عادات الملل الكافرة الحادثة .

مع دخول تعيينه بما يعرف  بالديمقراطية وما تحمل في ثناياها من فكر منحرف .

و في الديمقراطية الغربية إقصاء الشرع وإبعاد الشورى الشرعية عن أهل الحل والعقد في الغالب الأعم .

كما أن الذي يظهر ان مسمى الجمهورية مسمى مستهجن غريب المعنى حديث الولادة لغة  ويظهر فيه حكم الجمهور والميل إلى ترك حكم رب الجمهور في الغالب .

يقول  الرسول الله صلى الله عليه وسلم :

( أوَّلُ هذا الأمرِ نُبوَّةٌ ورحمةٌ، ثمَّ يكونُ خلافةً ورحمةً، ثمَّ يكونُ مُلكًا ورحمةً، ثمَّ يتكادمون عليه تكادُمَ الحُمُرِ، فعليكم بالجِهادِ، وإنَّ أفضلَ جهادِكم الرِّباطُ، وإنَّ أفضلَ رباطِكم عَسْقلانُ ).

 صححه الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة حديث رقم( ٣٢٧٠ )

وعلى كل :

فإن  جميع انواع الحكم ( الملكي والاميري والسلطاني والرئاسي الجمهوري) 

يجب شرعا :  السمع والطاعة لهم وتنعقد ولايته وتصح  بكل هذه الأنواع للحكم إذا تولى زمام أمور البلاد ودانت له العباد  وحينئذ حرم الخروج عليه والطعن فيه  بالقول والفعل بإجماع العلماء لإدلة الكتاب والسنة. 

فنسأل الله الحي القيوم أن يوفق جميع حكام المسلمين من ملوك ورؤساء وأمراء وشيوخ  إلى مايحبه الله ويرضاه وأن ينصر بهم دينه ويعلي بهم كلمته   وأن يرزقهم العون والسداد والتوفيق والنجاح. 

والله أعلم.

أجاب على السؤال : غازي بن عوض العرماني 

مساء يوم الأحد ١٤٤٢/٤/٧هـ

《 من التحدث بنعم الله علينا إسناد الفضل إلى اهله والفضل أولا وآخرا لله سبحانه وتعالى 》


الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

أما بعد 

فبعد كتابتنا لمئات الرسائل والمسائل في التوحيد والسنة وبيان العقيدة الصحيحة فأقول :

هذا من فضل الله علينا سبحانه وتعالى ثم فضل  الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله 

أنظر اغلب رسائلي  

أذكره واترحم عليه 

وقد ثبت في السنة من حديث الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:( من لم يشكر الناس لم يشكر الله ) رواه الإمام الترمذي رحمه الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله .

 ولايسعنا في هذه الرسالة إلا شكر ولاة أمرنا آل سعود 

جزاهم الله عني خير الجزاء

فلهم يد بيضاء في وصول التوحيد والسنة إلى مشارق الأرض ومغاربها 

أيها الإخوة الكرام:


أثناء شرحنا لكتاب الصفات الإختيارية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجدت له كلاما يخبر فيه :" ما من الله عليه من التوفيق إلى الحق والصواب في مسألتين  ثم توبته ورجوعه إلى الحق فيقول فيها رحمه الله : " وَلَكِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ[ أي الصفات الإختيارية ] ، وَ مَسْأَلَةُ الزِّيَارَةِ ، وَغَيْرُهُمَا حَدَثَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهَا شُبَهٌ ، وَأَنَا وَغَيْرِي كُنَّا عَلَى مَذْهَبِ الْآبَاءِ  فِي ذَلِكَ نَقُولُ فِي الْأَصْلَيْنِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْبِدَعِ ؛ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَنَا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ نَتَّبِعَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ أَوْ نَتَّبِعَ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا فَكَانَ الْوَاجِبُ هُوَ اتِّبَاعُ الرَّسُول " انتهى كلامه رحمه الله. وهذا من سعة علم الإمام شيخ الإسلام  ابن تيميه رحمه الله ومن باب التحدث بفضل الله فكل الخلق ضال إلا من هداه الله كما ورد في الحديث ووفقه والهمه الصواب ورزقه التوحيد والسنة وايده بنصره فكان سيفا مصلتا مسلطا على أهل الأهواء والبدع وملل الكفر على مختلف أنواعها وله يد بيضاء كذلك في بيان الحق لنا وارشادنا وذلك بجميع كتبه التي كلها ردود وجهاد في سبيل الله بل هو أعظم الجهاد في سبيل الله وأفضله واكبره وجهاده جهاد الخاصة .

ثم قلت  أثناء شرحي لهذا السفر النفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

انظروا هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول مثل هذا الكلام  ونحن جاءتنا الدعوة السنية السلفية بلا تعب ولا كلفة بفضل الله ورحمته وكرمه وجوده وإحسانه وتوفيقه لا شريك له ثم دعوة هذا الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بمساعدة هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية حرسها الله وولاة أمرها بعد توفيق الله لهما .

ومن آثاره الحميدة رحمه الله كتاب التوحيد الذي يدل على فضله ونبله وعلو منزلته العلمية ثم كشف الشبهات والقواعد الأربعة والأصول الثلاثة وغيرها كثير كلها في التوحيد رحمه الله وغفر له واسكنه الفردوس الاعلى من الجنة. وبارك في احفاده. 

‏قال الإمام الالباني رحمه الله :

" ‏الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان سلفياً في العقيدة وله الفضل الأول ‏من بعد شيخ الإسلام ابن تيمية في نشر دعوة التوحيد في العالم الإسلامي بصورة عامة وفي البلاد النجدية والحجازية بصورة خاصة " انتهى كلامه رحمه الله 

‏[ المصدر : حقيقة الدعوة السلفية] 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

--------

غازي بن عوض العرماني .

《 كشف شبهات عن أهمية دراسة التوحيد وبيان فضله وأهميته 》

 

     


            [   المقدمة  ]


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد. 

فأحببت التنبيه على أهمية دراسة العقيدة و التوحيد و أصول السنة مؤكدا على علو منزلة  تعلم التوحيد وتعليمه ودراسته في الدين وان يبذل طالب العلم جهده ووقته في تعلم ماعلمه من مسائل التوحيد

وتطبيقها عمليا في أقواله وأعماله  ففي هذا تحقيق التوحيد ونبذ الشرك عن الله سبحانه وتعالى 

فالانسان لا ينفعه  عمله وهو مشرك بربه سبحانه و تعالى 

وقد رأيت من يتساهل من طلاب العلم  بدراسة التوحيد والعقيدة ويقول لما الشيخ فلان يركز في تدريسه وكتاباته على التوحيد واقول :  هذا لجهله في علوم  الدين 

إذ ان الدين لبه وأساسه وأصله ومادته هو التوحيد وماانزلت الكتب وماأرسلت الرسل إلا لتوحيد الله ونبذ الشريك عنه سبحانه وتعالى قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتابه النفيس - وكل كتبه نفيسة - كشف الشبهات :"  

ولكن هذه القصة [ قصة حديث  ذات أنواط]  تفيد أن المسلم  بل العالم - قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها، فتفيد التعلم والتحرز ومعرفة أن قول الجاهل: التوحيد فهمناه، أن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان " انتهى كلامه رحمه الله 


   

     [ الفصل الأول  : أهمية التوحيد وعلو منزلته وبيان فضله العظيم ]


 قال الإمام ابن القيم رحمه الله متحدثا عن ( لااله إلا الله ) وهي كلمه التوحيد : "  وروح هذه الكلمة وسرها: إفراد الرب  جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، وتبارك اسمه، وتعالى جده، ولا إله غيره - بالمحبة والإجلال والتعظيم، والخوف والرجاء، وتوابع ذلك من التوكل والإنابة، والرغبة والرهبة، فلا يحب سواه، وكل ما يحب غيره فإنما يحب تبعا لمحبته، وكونه وسيلة إلى زيادة محبته، ولا يخاف سواه، ولا يرجي سواه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يرغب إلا إليه، ولا يرهب إلا منه، ولا يحلف إلا بإسمه، ولا ينذر إلا له، ولا يتاب إلا إليه، ولا يسجد إلا له، ولا يذبح إلا له وباسمه، ويجتمع ذلك في حرف واحد، وهو: أن لا يعبد إلا إياه بجميع أنواع العبادة، فهذا هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله؛ولهذا حرم الله على النار من شهد أن لا إله إلا الله حقيقة الشهادة، ومحال أن يدخل النار من تحقق بحقيقة هذه الشهادة وقام بها، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ} [المعارج : ٣٣] ". [ كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي( ١٩٨)].

وقال رحمه الله [ كتاب الفوائد( ٥٣ )]: 

"التَّوْحِيد مفزع أعدائه وأوليائه، فأما اعداؤه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْك دَعَوْا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [ العنكبوت : ٦٥ ] وَأما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها؛ولذلك فزع إليه يونس فنجاه الله من تلك الظلمات وفزع إليه أتباع الرسل فنجوا به مما عذب به المشركون في الدنيا وما أعد لهم في الآخرة، ولما فزع إليه فرعون عند معاينة الهلاك وإدراك الغرق له لم ينفعه لأن الإيمان عند المعاينة لا يقبل، هذه سنة الله في عباده، فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد؛ ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيد ودعوة ذي النون التي ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه بالتوحيد. فلا يلقي في الكرب العظام إلا الشرك ولا ينجي منها إلا التوحيد، فهو مفزع الخليقة وملجؤها وحصنها وغياثها. وبالله التوفيق." 

وفي [ زاد المعاد( ٢ / ٢٢ ) يقول رحمه الله : 

" فأعظم أسباب شرح الصدر: التوحيد، وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه. قال الله تعالى: {أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} [الزمر:  ٢٢ ]". 

و " كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد شاهدة به داعية إليه، فإن القرآن: إمَّا خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله فهو التوحيد العلمي الخبري، وإمَّا دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع كل ما يعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإمَّا أمر ونهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره فهي حقوق التوحيد ومكملاته، وإمَّا خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة فهو جزاء توحيده، وإمَّا خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد، فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم."[ مدارج السالكين ( ٣ / ٤٥٠ )].

والتوحيد : " هو أول واجب وآخر واجب، فالتوحيد أول الأمر وآخره "  التوحيد أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)" 

" فهو أول واجب وآخر واجب، فالتوحيد أول الأمر وآخره."  "التوحيد أول دعوة الرسل، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله تعالى." [ مدارج السالكين ( ٣ / ٤٤٣)]. 

و " التّوحِيدُ أَلْطَفُ شَيْءٍ وَأَنْزَهُهُ وَأَنْظَفُهُ وَأَصْفَاهُ،

فَأدْنىَ شَيءِ يَخدِشُهُ وَيُدَنِّسُهُ وَيُؤَثِّرُ فِيهِ،

فَهُوَ كَأَبٍيَضِ ثَوْبٍ يَكُوُنُ يُؤَثّرُ فِيهِ أَدْنَى أَثَرٍ،

وَكَالمِرْآةِ الصَّافِيَةِ جِدًّا أَدْنَى شَيْءٍ يُؤَثّرُ فِيهَا،

وَلِهَذَا تُشَوِّشُهُ اللَّحْظَةُ وَاللَّفْظَةُ وَالشَّهْوَةُ الخَفِيَّة،

فَإِنْ بَادَرَ صَاحِبُهُ وَقَلَعَ ذَلِكَ الأَثَرَ بِضِدِّهِ

وَإلاَّ اسْتَحْكَمَ وَصَارَ طَبْعًا يَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ قَلْعَهُ"

[ كتاب الفوائد( ٢٣٣)].

قال شيخ الإسلام  ابن تيمية رحمه الله:

" إنَّ حَقِيقَةَ التَّوْحِيدِ أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ،

فَلاَ يُدْعَى إلاَّ هُوَ، وَلاَ يُخْشَى إِلاَّ هُوَ،

وَلاَ يُتَّقَى إِلاَّ هُوَ، وَلاَ يُتَوَكَّل إِلاَّ عَلَيْهِ،

وَلاَ يَكُونُ الدِّينُ إِلاَّ لَهُ، لاَ لأحَدٍ مِنَ الخَلْقِ،

وَأَلاَّ نتَّخِذَ المَلاَئِكَةَ وَالنَبيِّين أَرْبَابًا، فَكَيْفَ باِلأئمَّةِ،

وَالشُّيُوخِ، والعُلَمَاءِ، وَالمُلُوكِ، وَغَيْرِهِم"[ منهاج السنة النبوية ( ٣ / ٤٩٠)].

قال الإمام عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى وتقدس:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }[ الذاريات : ٥٦] 

ويبين التوحيد وأهميته: " هذه الغاية، التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته، المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، وذلك يتضمن معرفة الله تعالى، فإن تمام العبادة، متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة لربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم ".


         [ الفصل الثاني: تنبيهات مهمة على طالب العلم الإطلاع عليها  ]


               (  التنبيه الأول )


أمرنا بالتوحيد والسنة والعقيدة الصحيحة لا ينافي الأمر بالصلاة وسائر أركان الإسلام وشرائعه وشعائره. 

وذلك :

أن التوحيد إذا تمكن من قلب العبد بفضل الله ورحمته صدق في جميع الدين واركانه. 

فصلاة بلا توحيد لا تنفع صاحبها .

فالتوحيد هو الوازع الديني والباعث والمحرك  على التزام الإنسان بشرائع الله وترك نواهيه  .


         ( التنبيه الثاني )


صلاة بلا توحيد صلاة باطلة 

أنظر قوله تعالى وتقدس :{  عاملة ناصبة } 

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية :  " { عاملة ناصبة } أي : قد عملت عملا كثيرا ، ونصبت فيه ، وصليت يوم القيامة نارا حامية .

وقال الحافظ أبو بكر البرقاني : حدثنا إبراهيم بن محمد المزكى ، حدثنا محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا سيار حدثنا جعفر قال : سمعت أبا عمران الجوني يقول : مر عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، بدير راهب ، قال : فناداه : يا راهب [ يا راهب ] فأشرف . قال : فجعل عمر ينظر إليه ويبكي . فقيل له : يا أمير المؤمنين ، ما يبكيك من هذا ؟ قال : ذكرت قول الله ، - عز وجل - في كتابه : ( عاملة ناصبة تصلى نارا حامية ) فذاك الذي أبكاني .

وقال البخاري : قال ابن عباس : ( عاملة ناصبة ) النصارى .

وعن عكرمة ، والسدي : ( عاملة ) في الدنيا بالمعاصي ( ناصبة ) في النار بالعذاب والأغلال " .



         ( التنبيه الثالث ) 


 أنظر :

 إلى وصف الرسول صلى الله عليه وسلم للخوارج بقوله صلى الله عليه وسلم:( تحقر صلاتك عند صلاتهم )  .

قال الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرحه لكتاب فضائل القرآن ننقله كاملا لأهميته حيث قال رحمه الله  : 

 " حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم ويقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يرى شيئاً وينظر في القدح فلا يرى شيئاً وينظر في الريش فلا يرى شيئاً ويتمارى في الفوق ) 

الشرح : 

الله أكبر، يعني من سرعة نفوذ هذا السهم ما يصيبه الدم يعني ينفذ في الجسم ويخرج قبل أن يتلطّخ بالدم وهذا دليل على سرعة نفوذه، أي نعم.

هنا يقول فيه عليه الصلاة والسلام: ( إننا نحقر صلاتنا مع صلاتهم ) وفي هذا دليل على أن الإيمان في القلب وليس في إتقان العمل الظاهر فإن هؤلاء الخوارج يُتقنون العمل الظاهر، إذا رأيته يصلي قلت ويش صلاتي مع صلاته؟ إذا رأيته يصوم في حفظ لسانه وجوارحه في صومه وفي كثرة صومه قلت ويش أنا معهم؟ إذا رأيت أي عمل يقول هذا عمّن؟ قال: ( وعملكم مع عملهم ) فيشمل جميع الأعمال الصالحة، إذا رأيته تقول هذا ما لي به طاقة ولا لي بمسابقته يدان ( نحقر صلاتنا مع صلاتهم ) لكن نسأل الله العافية والسلامة إيمانهم لا يجاوز حناجرهم ولهذا قال: ( يقرؤون القرءان لا يجاوز حناجرهم ) "

الحاصل إن هؤلاء يقرؤون القرءان لا يجاوز حناجرهم ففكّر في نفسك هل أنت تقرأ القرءان فينفذ إلى قلبك ويؤثّر فيه أو أنك تقرؤه ولكن لا يجاوز الحنجرة فالإنسان يجب أن يكون يقظا والحقيقة أن مثل هذه الأحاديث تمر علينا ربما نتأثّر بها تلك الساعة ولكن ننسى نسأل الله الهداية، أي نعم" .انتهى كلامه رحمه الله بتصرف يسير .

فلا بد لطالب العلم: 

من تجريد التوحيد بانواعه وأن يحرص على تحقيقه وإلا لم يسلم من مشابهة اليهود والنصارى والسيخ والهندوس والخوارج التكفيريين وغيرهم من ملل الكفر والضلال

أو قد لا يسلم له دينه من حبوط أعماله الصالحة بسبب الشرك الخفي  رياء أو سمعة أو  الشرك الجلي الأكبر. 

فكل ما سبق من ديانات عندها اخلاص 

أما إخلاص لمعبودهم أو إخلاص لله مع اشراكهم مع الله آلها غيره تعالى ربنا وتقدس .

وماسبق يحصل مع نقص توحيد المتابعة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. 

 

         ( التنبيه الرابع )


رأينا من أهل العلم 

من هو مقدم في شرح السنة ومصطلح الحديث 

وفي الفقه وأصوله 

والتفسير وعلومه 

وفي اللغة العربية وفنونها 

ومع ذلك فقد بدر منه أخطاء في توحيد الأسماء والصفات 

وبعضهم في توحيد الألوهية 

مما ينبه طالب العلم على أهمية تعلم التوحيد والابتعاد عن ما وقع فيه هؤلاء من أخطاء .

وقد تجدون من أعداء شيوخ الاسلام وأئمة السنة وأعلام الهدى امثال ابن تيميه ومحمد بن عبدالوهاب والألباني من هو مبرز في الفنون السابقة لكنه محارب لتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الألوهية ومحارب لأهلها  فلا تتساهل ياطلاب العلم  في أمر التوحيد وتعلمه وتعليمه وتحقيقه وتدريسه والدعوة إليه 

فهو توحيد رب العالمين ولب رسالة الأنبياء والمرسلين و دعوة الأئمة والمصلحين 

ومن ترك الدعوة إلى التوحيد فشلت دعوته وباء بالخسران 

 فالتوحيد يدل على 

سلامة العلم الذي تحمله والعمل الذي تقوم فيه والدعوة التي تسعى إلى نشرها فهي دعوة إلى توحيد الله والبعد عن الشرك بالله سبحانه وتعالى واحرص  ان يكون تصرفك خالصا لوجه الله الكريم  سبحانه وتعالى صوابا  وذلك في تجريد توحيد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم. 

وتحرص كذلك على الأمن من مكر الله فتخافه مع كثرة أعمالك الصالحة أن لا تقبل .

وماسبق هو  جزء من ثمرات تحقيق التوحيد فيثمر  هذا الأمر الاستمرار في الأعمال الصالحة وكثرتها .

          

        [  الخاتمة ؛ نسأل الله حسنها ]

أوصي الإخوة  طلاب العلم بالاهتمام بدراسة العقيدة الصحيحة المبنية على الكتاب والسنة وما عليه أئمة السلف الصالح واهم ذلك توحيد الله سبحانه وتعالى  ودراسة أصول السنة المثمرة لتوحيد المتابعة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذه دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه طريقة علماء السنة السلفيين قال الله تعالى وتقدس  : { قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية : " يقول [ الله ] تعالى لعبده ورسوله إلى الثقلين : الإنس والجن ، آمرا له أن يخبر الناس : أن هذه سبيله ، أي طريقه ومسلكه وسنته ، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ، ويقين وبرهان ، هو وكل من اتبعه ، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي .

وقوله : ( وسبحان الله ) أي : وأنزه الله وأجله وأعظمه وأقدسه ، عن أن يكون له شريك أو نظير ، أو عديل أو نديد ، أو ولد أو والد أو صاحبة ، أو وزير أو مشير ، تبارك وتعالى وتقدس وتنزه عن ذلك كله علوا كبيرا ، ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ) [ الإسراء : ٤٤ ] ." انتهى كلامه رحمه الله .

رزقنا  الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة .

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. 

-----------------------------

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني .