السبت، 13 مارس 2021

《 حكم الإشهاد على إثبات الطلاق وأهميته و مافيه من فوائد 》


   بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

أما بعد :

فهذه رسالة مختصرة متواضعة عن ( حكم الإشهاد عند الطلاق وبيان أهميته ومافيه من فوائد ) .

  

    (  أولا : أقوال العلماء في حكم الإشهاد على إثبات  الطلاق )


قال إبن قدامة المقدسي رحمه الله في سفره المبارك [ المغني( ٧ / ٥٢٢ - ٥٢٣) بتصرف وزيادة إتماما للفائدة فما بين [ .... ] من كلامنا ] ونص قوله هو  : " فأما الشهادة ففيها روايتان: 

إحداهما [ القول الأول ]: 


تجب، وهذا أحد قولي الشافعي رحمه [ومن المتأخرين  جمع من أهل العلم منهم العلامة المحدث احمد شاكر رحمه الله ]

الإدلة:

                  [ أ ] 

 لأن الله تعالى قال:{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وظاهر الأمر الوجوب .


                 [ ب ]

[واما من السنة فعن عمران بن حصين رضي الله عنه (سئل عن الرجُل يطلِّقُ المرأة ثمَّ يقع بِها، ولَم يُشْهِد على طلاقِها ولا على رجْعَتِها، فقال: طلَّقت لغير سنَّة، ورجعتَ لغيْرِ سنَّة، أشهِدْ على طلاقِها، وعلى رجْعَتِها، ولا تعُدْ) رواه أبو داود وابن ماجه، وصحَّحه الإمام الألباني رحمه الله. ]


                  [ ج ]

ولأنه استباحة بضعٍ مقصود فوجبت الشهادة فيه كالنكاح وعكسه البيع.



والرواية الثانية[ القول الثاني ]: 

لا تجب الشهادة، وهي اختيار أبي بكر، وقول مالك، وأبي حنيفة. 

                [ أ ]

لأنها لا تفتقر إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج، 

                  [ ب ]

ولأن ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد كالبيع، وعند ذلك يحمل الأمرُ على الاستحباب، 


ولا خلاف بين أهل العلم :

في أن السنة الإشهاد " إنتهى كلامه رحمه الله. " 

فإذا كان الإشهاد هو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم  بإتفاق أهل العلم فالمسلم الذي يريد الله والدار الاخرة يحرص على تطبيق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله وأفعاله وأقواله إمتثالا لقوله تعالى وتقدس:{  فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية  : " وقوله : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره ) أي : عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو سبيله ومنهاجه وطريقته[ وسنته ] وشريعته ، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله ، فما وافق ذلك قبل ، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله ، كائنا ما كان ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .

أي : فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطنا أو ظاهرا ( أن تصيبهم فتنة ) أي : في قلوبهم ، من كفر أو نفاق أو بدعة ، ( أو يصيبهم عذاب أليم ) أي : في الدنيا ، بقتل ، أو حد ، أو حبس ، أو نحو ذلك .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا ، فلما أضاءت ما حولها . جعل الفراش وهذه الدواب اللاتي [ يقعن في النار ]يقعن فيها ، وجعل يحجزهن ويغلبنه ويتقحمن فيها " . قال : " فذلك مثلي ومثلكم ، أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار ، فتغلبوني وتقتحمون فيها " . أخرجاه من حديث عبد الرزاق " إنتهى كلامه رحمه الله. 


 . رزقنا الله وإياكم اتباع السنة والعلم بها  والعمل بما فيها  وهذا هو العلم النافع والعمل الصالح الذي يسعى إليه كل طالب علم حريص على مرضات ربه وتقواه  .  

   

《 أهمية الإشهاد عند الطلاق ومافيه من فوائد جمة 》


الشهادة عند الطلاق فيها فوائد عظيمة منها  :

                ( أولا )

يسهم بشكل كبير في الحد من ظاهرة الطلاق وخاصة في هذا العصر والتي أصبح فيها الطلاق ظاهرة اجتماعية يحصل بأتفه الأسباب وأحقرها وهذه الظاهرة 

 أقضت مضاجع أهل الخير من المصلحين و كلفت وزارات حكومية الجهد والمال اما بسبب ذات المشكلة أو نتائجها وبعض الوزارات قامت  بإنشاء اقسام مختصة ولجان متعددة سعيا منها  في معالجة هذه الظاهرة - المرض الاجتماعي - والذي قد يتسبب  في حزن الزوجين أو الوالدين أو الأولاد وما ذنبهم هؤلاء الأقارب .

         

               ( ثانيا )  

فيه حفظ للحقوق بتوثيق شهادة الشهود وهذه الحقوق ماهو للزوجين أو للابناء  .


            ( ثالثا )

فيه تؤده وتأن وأعمال فكر وعدم العجلة في اتخاذ قرار  فيه تفريق بين زوجين جمعهما رباط مقدس 

              ( رابعا )

فيه مخالفة لعمل الشيطان وعدم أتباع لنهجه  واحزان له كما في الحديث الصحيح ونصه : ( إنَّ إبليسَ يضعُ عرشَه على الماءِ ، ثم يبعثُ سراياه ، فأدناهم منه منزلةً أعظمَهم فتنةً ، يجيءُ أحدُهم فيقولُ : فعلتَ كذا وكذا ، فيقولُ ما صنعتَ شيئًا ، ويجيءُ أحدُهم فيقولُ : ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينَه وبين أهلِه ، فيُدْنِيه منه ، ويقولُ : نعم أنتَ ).

رواه مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم( ٢٨١٣) 

من حديث الصحابي الجليل جابر بن عبدالله رضي الله عنهما .

             ( خامسا )

ان الشهود في حالة حضورهم لواقعة إثبات الطلاق  يسعون جاهدين للاصلاح بين الطرفين فأهل الخير لا يسرهم أن يرون عائلة مسلمة تتفكك وتنفصم عرى اجتماعهم بأمور تافهة عند العقلاء فلذا تجدهم يحرصون على رأب الصدع وجمع الكلمة وتوحيد الصف واعادة المياه إلى مجاريها .كيف لا وهم يتذكرون قوله تعالى وتقدس : {

ا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }

وسأورد لكم كلام  الإمام ابن كثير رحمه الله بطوله في تفسيره لهذه الآية لأهميته حيث قال رحمه الله: " يقول تعالى : ( لا خير في كثير من نجواهم ) يعني : كلام الناس ( إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) أي : إلا نجوى من قال ذلك كما جاء في الحديث الذي رواه ابن مردويه :

حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث ، حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس قال : دخلنا على سفيان الثوري نعوده - وأومأ إلى دار العطارين - فدخل عليه سعيد بن حسان المخزومي فقال له سفيان الثوري : الحديث الذي كنت حدثتني به عن أم صالح اردده علي . فقال : حدثتني أم صالح ، عن صفية بنت شيبة ، عن أم حبيبة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلام ابن آدم كله عليه لا له ما خلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر[ أو ذكر الله عز وجل " ، قال سفيان : فناشدته ]فقال محمد بن يزيد : ما أشد هذا الحديث ؟ فقال سفيان : وما شدة هذا الحديث ؟ إنما جاءت به امرأة عن امرأة ، هذا في كتاب الله الذي أرسل به نبيكم صلى الله عليه وسلم أو ما سمعت الله يقول في كتابه : ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) فهو هذا بعينه ، أو ما سمعت الله يقول : ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) [ النبأ : 38 ] فهو هذا بعينه ، أو ما سمعت الله يقول في كتابه : ( والعصر . إن الإنسان لفي خسر . [ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ]) [ سورة العصر ] ، فهو هذا بعينه .

وقد روى هذا الحديث الترمذي وابن ماجه من حديث محمد بن يزيد بن خنيس عن سعيد بن حسان ، به . ولم يذكرا أقوال الثوري إلى آخرها ، ثم قال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن خنيس .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، حدثنا صالح بن كيسان ، حدثنا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب : أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره ، أن أمه أم كلثوم بنت عقبة أخبرته : أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا - أو يقول خيرا " وقالت : لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث : في الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها . قال : وكانت أم كلثوم بنت عقبة من المهاجرات اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد رواه الجماعة ، سوى ابن ماجه ، من طرق ، عن الزهري ، به نحوه .

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة ، والصيام والصدقة ؟ " قالوا : بلى . قال : " إصلاح ذات البين " قال : " وفساد ذات البين هي الحالقة " .

ورواه أبو داود والترمذي ، من حديث أبي معاوية ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا سريج بن يونس ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر ، حدثنا أبي ، عن حميد ، عن أنس ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي أيوب : " ألا أدلك على تجارة ؟ "قال : بلى : قال : " تسعى في صلح بين الناس إذا تفاسدوا ، وتقارب بينهم إذا تباعدوا " ثم قال البزار : وعبد الرحمن بن عبد الله العمري لين ، وقد حدث بأحاديث لم يتابع عليها .

ولهذا قال : ( ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله )أي : مخلصا في ذلك محتسبا ثواب ذلك عند الله عز وجل ( فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) أي : ثوابا كثيرا واسعا " .

فأقول أيها الإخوة الكرام طلاب العلم:

لعل حضور هؤلاء  الشهود يكون  سببا في  إلغاء هذا الطلاق والحفاظ على علاقة الزوجين واهميتها وخصوصيتها   .

ثم اخيرا :

لعل اشهاد الشهود في إثبات الطلاق يكون سببا في معالجة انفصال الزوجين عن رباطهما المقدس ولعلها طريقة طيبه في دفع طيش الزوجين بتهدئتهم و محاولة تذكيرهم بالله سبحانه وتعالى وتذكيرهم كذلك  بالاستعاذة من الشيطان الرجيم 



والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

...............

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه  : غازي بن عوض العرماني .