بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أما بعد :
فقد ورد الينا هذا السؤال من أحد طلاب العلم
ونص سؤاله : يقول ياشيخ أحسن الله إليك (ماحكم من يتزوج من شخص بدون صداق فيأخذ أبنته ويعطيه إبنته هكذا ويسمونه عندنا البديله ) يعني أزوجك بنتي وتزوجني بنتك بدون مهر فما حكم الفعل ياشيخ افيدوني جزاكم الله خير ؟
وإن كان هذا لايجوز نريد النصيحة لهؤلاء؟
فكانت إجابتنا بعد الحرص على الاختصار :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إذا زوج الرجل ابنته او أخته إلى رجل آخر على أن يزوجه ابنته او اخته بدون مهر فهذا يعرف بنكاح الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في آلسنة من حديث أبي هريرة وعبدالله بن عمر و جابر بن عبدالله رضي اللهُ عنهم : (أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عَنِ الشِّغَارِ )
وهو في البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى .
وفي صحيح مسلم رحمه اللهُ تعالى عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ ) .
وسمي نكاح البدل ونكاح الشغار لشغوره وخلوه من المهر .
وأهل العلم اختلفوا في صحة نكاح الشغار :
فمن أهل العلم من أجازه إذا تم تسليم مهر المثل إلى المرأتين المتزوجتين ؛ وكان الزواج برضاهما ولم يكن فيه إكراه او اجبار او ظلم .
قال الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع لكتاب زاد المستقنع ( ١٢ / ١٧٤ ):
" إذا كان المهر مهر مثلها لم ينقص ، والمرأة قد رضيت بالزوج ، وهو كفء لها ، فإن هذا صحيح ، وهذا هو الصحيح عندنا ، أنه إذا اجتمعت شروط ثلاثة : وهي الكفاءة ، ومهر المثل ، والرضا ، فإن هذا لا بأس به ؛ لأنه ليس هناك ظلم للزوجات ، فقد أعطين المهر كاملاً ، وليس هناك إكراه ، بل غاية ما هنالك أن كل واحد منهما قد رغب ببنت الآخر ، فشرط عليه أن يزوجه ؛ فظاهر الأدلة يقتضي أنه إذا وجد مهر العادة ، والرضا ، والكفاءة : فلا مانع " انتهى كلامه رحمه الله تعالى و.
والقول الآخر :
قال بمنع هذا الزواج وقالوا : لايصح نكاح الشغار وان كان فيه مهر المثل لغلبة الظلم والإكراه في مثل هذا النكاح
وفي الآثار الصحيحة :
عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ هُرمزَ الأعرَجِ: أنَّ العبَّاسَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ العبَّاسِ أنكَحَ عبدَ الرَّحمنِ بنَ الحَكَمِ ابنَتَه، وأنكَحَه عبدُ الرَّحمنِ ابنَتَه، وكانا جَعَلَا صَداقًا، فكتب مُعاويةُ إلى مَروانَ يأمُرُه بالتَّفريقِ بينهما، وقال في كتابِه: ( هذا الشِّغارُ الذي نهى عنه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ).
رواه أحمد وأبو داود رحمهما الله تعالى ومال إلى تحسينه الإمام الألباني رحمه اللهُ تعالى في صحيح سنن أبي داود حديث رقم ( ٢٠٧٥ ).
سئل الإمام مالك رحمه الله ما نصه :
" أَرَأَيْتَ نِكَاحَ الشِّغَارِ إذَا وَقَعَ ، فَدَخَلَا بِالنِّسَاءِ وَأَقَامَا مَعَهُمَا حَتَّى وَلَدَتَا أَوْلَادًا ؛ أَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا أَمْ يُفْسَخُ ؟
قَالَ : قَالَ مَالِكٌ : يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ " انتهى كلامه رحمه الله تعالى [ المدونة الكبرى ( ٢ / ٩٨ )].
وهذا القول اختار صحته الإمام ابن باز رحمه الله تعالى
حيث قال رحمه اللهُ تعالى:" نكاحُ البَدَلِ لا يجوز، ويُسمَّى نكاحَ الشِّغار، وقد نهى عنه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في عِدَّةِ أحاديثَ، فلا يجوزُ نِكاحُ البدل بالمُشارَطةِ، يقول هذا: زوِّجْني أختَك وأُزوِّجُك أختي، أو زوِّجْني بِنتَك وأزوِّجُك بنتي، هذا هو نكاحُ البَدَلِ، ويقال له: نكاحُ الشِّغارِ، ولو سَمَّى مَهرًا، ولو تساوى المَهرُ، ولو اختَلَفَ المهر، ما دام فيه مُشارطةٌ لا يجوزُ ". انتهى كلامه رحمه اللهُ تعالى من فتاوى نور على الدرب ( ١٢ / ٢٦ ).
وفي فتاوى اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية في المجلد الثامن عشر صفحة ( ٤٢٧ ) أتى ما نصه : " إذا زوَّج الرَّجُلُ مَوْليَّتَه لرجُلٍ على أن يزوِّجَه الآخَرُ مَوليَّتَه، فهذا هو نِكاحُ الشِّغار الذي نهى عنه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا هو الذي يسمِّيه بعضُ النَّاسِ نكاح البدَل، وهو نكاحٌ فاسِدٌ، سواءٌ سمِّي فيه مهرٌ أم لا، وسواءٌ حصل التراضي أم لا ".
وهنا كلام جميل وتفصيل بديع ذكره الإمام الالباني رحمه اللهُ تعالى فقد أتاه سائل يسأله وهذا نص السائل : الأسئلة الواردة من إخواننا أولا ما حكم الشرع في البديلة وهو أن يزوج الرجل ابنته لولد الرجل الآخر والرجل الآخر يزوج ابنته إلى ولد الرجل الأول و كل واحدة بصداق ولو ترك أحد الأولاد زوجته ليس للثاني علاقة بها ولا تضر بذلك علما أن الزوجتان أنجبتا عدة أولاد وبعد مضي خمسة وعشرين عاما يفتي أحد العلماء بأنه يجب التفريق كل من الزوجين من زوجاتهما هل هذا صحيح أو خطأ؟
فكان جواب الشيخ رحمه اللهُ تعالى : " إذا كان كما يقول العلماء الفتوى على قدر النص أي كان السائل حرر الواقع تحريرا صحيحا فالجواب أن هذا النكاح صحيح ذلك لأن من يشير إليه من بعض المشايخ لما حكم بوجوب فسخ هذا النكاح تصور أن هذا النكاح كان شغارا وقد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام في غير ما حديث واحد عن الشغار وقال ( لا شغار في الإسلام ) إلا أن العلماء اختلفوا في الشغار في حقيقته ما هو؟ هو في الأصل تبادل رجل عنده بنت وآخر عنده بنت فكل واحد يأخذ بنت الثاني هذا هو أصل الشغار بعدين بييجي الخلاف وليس في صورة خاصة بالبنت واحد عنده أخت وآخر عنده أخت فكل واحد يأخذ أخت الآخر هذا من الشغار لكن من تمام الشغار أن يجعل كل منهما مهره الذي يجب عليه هو أخته أو بنته التي يقدمها للآخر فكأنه تبادل بضاعة مقايضة طبعا هذا لا يجوز في الإسلام لأن في هذا تحريم حق البنت الذي هو المهر من هنا يبدأ الخلاف فمن تمام الشغار أنه يقع أحد الزوجين بيغضب لسبب من زوجته فيطلقها فبتروح عند أخوها أو لعند أبيها بيقوم ذاك الثاني بدوره بيطلق التي عنده من أخت أو بنت و هكذا يكون الشغار سببا في زيادة الفرقة ووقوع الطلاق بين المتزوجين هذا هو الشغار المعروف في الجاهلية والذي نهى عنه رسول صلى الله عليه وسلم أما إذا لم يكن من هذه الشغار سوى مجرد تبادل مع القيام بكل شروط النكاح أنا عندي أختي وأعطيت زيدا من الناس هذه الأخت وهو في المقابل أعطاني أخته لكن كل أعطى ما يجب عليه من مهر هذا من جهة، ومن جهة ثانية ما نربط كل منا سبيل ما عنده من زوجة بالأخرى وحدة ... أمرها مع زوجها ... الأخرى عند زوجها إذا كان مجرد تبادل بدون إيش مراعاة لتمام الشغار الجاهلي يعني مثل واحد أخذ قريب أو قريبة و أعطى بنته أو أخته لقريب له فهذا لا حرج فيه إطلاقا ما دام أن المهر موجود ما دام أن الشرط التطليق بالمقابلة غير وارد فإذا كانت الحادثة كما ذكر الرجل على حسب ما فهمت فهذا النكاح ليس شغارا ما دام كل واحد دفع المهر و كل واحد يلتزم الأداب الشرعية بينه وبين زوجته لكن أخشى ما نخشى أن يكون في الحادثة شيء من التفاصيل لم يستوعبها السائل ربما أو استوعبها السائل لكن الشيخ المفتي ما استوعب ذلك فأفتى بفساد هذا النكاح و بطلانه غيره ". انتهى كلامه رحمه الله تعالى [ متفرقات للألباني رحمه الله تعالى ( ٢٨٣ )].
وبناء على ماذكره أهل العلم مقرونا بالأدلة فإن ( حكم من يتزوج فيأخذ بنت هذا او اخته ويزوجه الآخر بنته او اخته
بلا صداق ولامهر المثل وقد يكون في هذا الزواج ظلم للمرأتين وإجبار لهماواكراه لهما فإن اهل العلم يرون تحريمه عملا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ونصيحتي لمن يعمل بهذا العمل أن يتق الله في بنته وأخته فهن في ذمته وامانة في عنقه والله تعالى نهى عن قطيعة الرحم فقال سبحانه وتعالى :{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }.[سورة محمد : الآية ٢٢-٢٤ ].
وفي مسند الإمام أحمد رحمه اللهُ تعالى حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ( لا يكون لأحدٍ ثلاثُ بنات، أو ثلاث أَخَوات، أو ابنتان أو أختان، فيتقي الله فيهن ويُحسن إليهنَّ، إلا دخَلَ الجنة ).وأخرج " الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ( من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابًا من النار يوم القيامة).
وهذا يدل على فضل الإحسان إلى البنات والقيام بشئونهن؛ رغبةً فيما عند الله عز وجل فإن ذلك من أسباب دخول الجنة والسلامة من النار.
ويرجى لمن عال غير البنات من الأخوات والعمات والخالات وغيرهن من ذوي الحاجة فأحسن إليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن أن يحصل له من الأجر مثل ما ذكر النبي ﷺ في حق من عال ثلاث بنات، وفضل الله واسع ورحمته عظيمة، وهكذا من عال واحدة أو اثنتين من البنات أو غيرهن فأحسن إليهن يرجى له الأجر العظيم والثواب الجزيل، كما يدل على ذلك عموم الآيات والأحاديث في الإحسان إلى الفقير والمساكين من الأقارب وغيرهم".[ مجموع فتاوى ومقالات الإمام ابن باز رحمه الله تعالى ( ٢٥ / ٣٦٤ )].
فليحذر المسلم من الذنوب والخطايا والسيئات ومنها الإساءة إلى من تحت يده من أخت او بنت فهن أمانة فليقوم بالوفاء بهذه الامانة على أكمل وجه وعدم التقصيرفي حقوقهن فما عند الله الباقي الذي لا يفنى ولا ينفد ؛ رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح والرزق الحلال الطيب المبارك وحسن الخاتمة.
والله تعالى أعلى وأعلم وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين اجمعين وسلم تسليما.
••••••••••••••
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو الله مولاه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني .