السبت، 14 ديسمبر 2024

( تحريم بيع الأعضاء البشرية )




بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

اما بعد 


فقد جاءني من احد طلاب العلم سؤال هذا نصه :" السلام عليكم 

كيف الشيخ غازي؟

هل يجوز أن اتبرع بالكلى مقابل مال من اجل يعينني هذا المال في الزواج؟ "

سكت عن اجابة هذا السؤال برهة من الزمن ثم بعث برسالة أخرى مضمونها :" لماذا لم تجيب يا شيخ؟"

فكانت الإجابة بفضل الله تعالى ورحمته :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

هذا الأمر محرم فالمالك هو الله سبحانه وتعالى فالتصرف تصرف بغير مالك وقد أتفق الفقهاء على عدم صحة بيع الإنسان ما لا يملك إذا لم يجزه مالكه ، ولم يكن البائع حاكماً ولا منتصفاً من حق له أو لغيره ؛ فأنت ملك لله سبحانه وتعالى الذي خلقك ؛ والخالق الرازق هو الله سبحانه وتعالى

فأعترض طالب العلم هذا بسؤال هو :" لكن يا شيخ بارك الله فيك

من منطلق قاعدة: الضرورة تبيح المحذورات ".

فقلت له :

ان قاعدة :( الضرورة تبيح المحظورات)؛ فيها رحمة بالخلق فهي لأحياء الأنفس وليس لقتلها وهذا القول يقرب او يماثل  كلام قريش وخشيتهم من الفقر قال الله تعالى:{ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا }

والله سبحانه وتعالى يقول وقوله الحق :{ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} 

وهذه الطريقة فيها يأس وقنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى والله سبحانه وتعالى يقول:{ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }

ولاتنسى ان الله هو الرازق الرزاق قال الله تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي اللهُ عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( إِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ كَمَا يَطْلُبُهُ أَجَلُهُ )رواه ابن عاصم رحمه اللهُ تعالى في السنة وصححه الإمام الألباني رحمه اللهُ تعالى في ظلال الجنة وفي السلسلة الصحيحة 

وهنا امر وهو رفع الأيدي إلى الله سبحانه وتعالى فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة 

وأكثر من الالحاح والضراعة إلى الله سبحانه وتعالى فما ابتليت بهذا الأمر إلا ليقربك ويرفعك 

ويستجب لك دعاءك وفي هذا الصنيع السئ والعمل الردئ تسخط على قضاء الله وقدره فكل شيء جرى 

بقضاء الله تعالى وقدره فما شاء كان ومالم يشأ لم يكن، فأفعالنا وأقوالنا وما يقع من موت أو حياة أو ملك أو نزع ملك أو حرب أو سلم أو غير ذلك كله بمشيئته عز وجل لا يقع في الدنيا شيء بغير مشيئته جل وعلا، قال جل وعلا: { فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ }وقال: { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ  وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }وقال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } فكل شيء بيده جل وعلا، وكل شيء بمشيئته، لا يكون في ملكه ما لا يريد، بل قدر ما شاء الله بما سبق به علمه من طاعات ومعاصي وآجال وأرزاق .

ثم بعد ما ذكر لك سابقا قلت انه من باب الضرورة فأي ضرورة فيها إضرار بالنفس وإهلاك لها فإذا علمت ان ( الضرر يزال ) فأي اعظم ذنبا وأشد جرما وضررا من مسألة يتسبب فيها الإنسان بالإضرار بنفسه من اجل دراهم معدودة في ملك ليس له بل لله الواحد القهار  وأهل العلم العلم مثل الامام ابن باز رحمه اللهُ تعالى قال  مبينا حكم التبرع بالأعضاء :" هذا موضوعٌ فيه خلافٌ بين العلماء: منهم مَن أجازه، ومنهم مَن توقَّف فيه، التبرع بالأعضاء: كالكلية والقلب واليد أو الرجل أو غير ذلك، ولا أذكر أنه صدر فيه قرارٌ من الهيئة، توقفت فيه الهيئة -هيئة كبار العلماء- فيما أذكر، ولا أعلم الآن أنه صدر فيه قرار بالجواز.

وأنا متوقِّفٌ في ذلك؛ لأني أرى أنَّ هذا يُخشى أن يكون من المُثْلَة، كونه يتبرع بكليته أو بقلبه إذا مات أو بيده أو برجله: أخشى أن يكون هذا من المثلة التي جاء الشرعُ بالنَّهي عنها.

وبعض العلماء وإخواننا أفتى بذلك: عند الموت، إذا أوصى بذلك، أنه لا حرج في ذلك.

والمسألة محل نظرٍ، ومحل تأمُّلٍ، والأحوط عندي ألا يتبرع بشيءٍ، وألا يسمح لأحدٍ أن يُقَطِّعه بعد وفاته، وألا يُتعرض له".[ الموقع الرسمي للإمام ابن باز رحمه الله تعالى].

وقال الإمام الالباني رحمه اللهُ تعالى:" والتبرع بالأعضاء لا يجوز و

" السبب - بارك الله فيك - هو أمور :

(١): 

أهمُّها أن أحكام الآخرة لا تُقاس على أحكام الدنيا ؛ يعني - مثلًا - قال - عليه السلام - : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم يُنتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) . أظن الحديث واضح عندكم ما يحتاج إلى شرح ؛ 

(٢):

فما دام أن الميِّت انقطعت علاقته بهذه الدنيا فليس له أن يتصرَّف بشيء من بدنه بعد موته إلا بإذن من ربِّه ، هذا الإذن أوَّلًا وبداهة مفقود غير موجود ، ولا يستطيع أحد من أولئك الذين تسمِّيهم بالمجتهدين لا يستطيع أن يقدِّمَ لك نصًّا عن الله أو رسوله أنه يجوز للمسلم أن يتصرَّف في بدنه بعد وفاته كما كان شأنه قبل وفاته . 

(٣):

…..في الجملة اللي أنت ذكرتها في أثناء كلامك هي في الواقع من المهم أن تعلم أن هذا مش كلام الناس ، هذا كلام سيِّد الناس وهو الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؛ حيث كان يقول : ( كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيًّا ) ، فعلى هذا ليس للمسلم أن يتصرَّف في بدنه بوصية يصدرها في قيد حياته ؛ لأنه يخالف وصية الرسول - عليه السلام - بقوله : ( كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيًّا ) .


ثم هناك شيء 

(٤):

نستطيع أن نحشره في زمرة الأدلة الثنتين السابقتين ، لكن قبل ذكر هذا الشيء الثالث أريد ألخِّص ما مضى من الدليلين السابقين ؛ الدليل الأول أنه ليس عندنا نصٌّ من الشارع الحكيم يسوِّغ لنا أن نتصرَّف في أبداننا بعد وفاتنا وقد انقطع عملنا . الدليل الثاني أعلى من هذا ، مع كون لا يوجد الدليل يسمح لنا بهذا التطوُّع فهناك دليل يمنَعُنا من مثل هذا التطوُّع ؛ وهو قوله - عليه السلام - : ( كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيًّا ) ، نأتي في الدليل الثاني ... أن الرسول - عليه السلام - كما في الحديث الصحيح : ( أَمَرَ بالصدقة ونهى عن المُثْلة ) . شوف هون كأنُّو في نكتة بليغة ؛ أَمَرَ بالصدقة لكن ما يتصدَّق الواحد بما فيه مثلة ، ( أَمَرَ بالصدقة ونهى عن المُثْلة ) ، المسلم يوصي أنُّو يجرحوا له عينه بعد موته منشان يأخذوا القرنية ويركبوها على عين إنسان أعمى أو أعور أو ما شابه ذلك ، فهذه مثلة ، ونهى الشارع الحكيم عن ذلك ، والإنسان لو فكَّر يجد أشياء كثيرة وكثيرة جدًّا ؛ 

(٥):

منها قال - عليه السلام - : ( إذا حملتم ميِّتًا فأسرعوا به إلى قبره ؛ فإما أن يكون صالحًا فخيرٌ تقدِّمونه إليه ، وإما أن يكون طالحًا فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ) . فلما بدنا نجري عملية لهذا الميت شو بدنا نساوي ؟ بدل ما نأخذه إلى المقبرة لأقرب وقت ممكن بدنا نحطو على المشرحة ، ونشوف أنو طبيب اللي راح يقوم ... ".[ من كلام الامام الالباني رحمه اللهُ تعالى من موقع بوابة تراث الالباني رحمه اللهُ تعالى بتصرف يسير ؛ تسجيلات متفرقة - شريط : ٨٦  ].

وهذا المنع من قبل هؤلاء الأئمة جرى في حكم التبرع بالأعضاء فكيف بمن يريد بيع أعضاء جسمه فلا شك ان التحريم هنا اشد لما فيه من المثلة وبيع مالا تملك فأنت عبد وملك لله سبحانه وتعالى 

ونقلت لك سابقا في ثنايا هذه الرسالة بأنه :" قد أتفق الفقهاء على عدم صحة بيع الإنسان ما لا يملك إذا لم يجزه مالكه ، ولم يكن البائع حاكماً ولا منتصفاً من حق له أو لغيره ".

اسأل الله الحي ذا الجلال والإكرام أن يبسط لنا ولك رزقه وفضله ورحمته وجوده وإحسانه وكرمه انه هو السميع البصير المجيب لمن دعاه 

والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

………..

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو الله مولاه : غازي بن عوض العرماني .