بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد
فقد استمعت الي صوتيات بعض المشايخ ممن ينسبون انفسهم الي نهج السلف الصالح وفيها يرون نصح ولاة الأمور علانية وعمدتهم الذي يستدلون به قول الصحابي الجليل عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ، فَقَالَ: " قَبَّحَ اللهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا"، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ.
ولأهل العلم توجيه واضح لهذا الأثر وإجابات شافية كافية
منها :
أولا:
ان هذا الأمر جري في مجلس يروى فيها هذا الأثر بعد وقوعه بزمن قال الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في توجيه هذا الأثر : " بشْر بن مروان كان أميراً على المدينة، وكان في ذلك الوقت الأمراء هم الذين يتولّون الخطبة والصّلاة، فجعل يخطب وجعل يشير بيديه يعني رافعاً يديه في الدّعاء، فدعا عليه، وهذا يحتمل أنه دعا عليه علناً، ويحتمل أنه حدّث به قومه بعد ذلك، والثاني أقرب ". قلت : وهو الموافق للسنة .
فليس فيها جواز الإنكار العلني
ثانيا :
ان أثر أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفيه : أن أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَقَالَ قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)
فهذا تنبيه وتذكير وجرى الحديث بينهما ليس على جهة الاعلان ومع كون هذه القصة في صحيح الامام مسلم رحمه الله .
ولكن في ثنايا الخبر جرت أمور تضعف شبهة من احتج بها على إعلان النصح لولي الأمر
منها :
أ :
أن أبا سعيد رضي الله عنه قال :" مشيتُ مُـخاصراً مروان " .
ومعنى المخاصرة أن كل واحدٍ واضعٌ يده في خصر الآخر، ويحدثه، فالناظرون يدركون أن هاذيْن المتماشييْن
المتخاصريْن يتحدثان بأمر، لكن لا يعلمون ما هو .
ب :
أن أبا سعيد رضي الله عنه لما قال لمروان: أين الابتداء بالصلاة ؟ قال : يا أبا سعيد لقد ذهب ما تعلم؛ إن الناس لا يجلسون لنا، وقد ذكر أنه - أعني أبا سعيد - يجذبه إلى الصــلاة، ومروان يجذبه إلى المنبر. فقال أبو سعيد رضي الله عنه: كلا؛ لا تأتون بخير مما أعلم،
ج :
ثم استمع إليه، وصلى معه- أي ائتـمَّ به في الصلاة . ثم
د :
لم يتخذ من ذلك مجالاً للتشهير بالامير مروان اوالنيل منه .
هـ:
أن راوية أبي سعيد؛ وهو : عامرٌ بن سعد، قال : عن أبي سعيد، ولم يقل رأيت مروان يفعل كذا، وأبو سعيد يفعل كذا، ولم يقل سمعت أبى سعيد الخدري يقول لمروان، ومروان يقول له .
فبان بهذا التقرير دحض شبهة القوم، وأن هذا الحديث الصحيح؛ الذي هو في صحيح مسلم،عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وإنكاره على مروان صنيعه بتقديم خطبة العيد على الصلاة كان ســـــراً .
فأصبح الحديثان مجتمعيْـن غير مفترقيْن، مؤتلفيْن غير مختلفيْن- ولله الحمد والمنة .
ثالثا :
المتعبد فيه كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وليس انفراد بعض البشر مهما علت منزلته برأي أو قول
وانظروا الي توجيه الله سبحانه وتعالى إلى رسله الكرام موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام:{فقولا له قولا لينا } وشرع من قبلنا شرع لنا فيما لا يخالف شرعنا وفيه تاكيد ماجاء في شرعنا وهذا التوجيه من الله سبحانه وتعالى لرسله الكرام عليهما الصلاة والسلام بمعاملة فرعون الذي قال :{انا ربكم الأعلى} والقول اللين يخالفه ويضاده التشهير والفضح علانية .
ومن ذلك العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (من كان ذا نصيحة للأمير فلا يبدها علانية [وفي لفظ(فلا يبذلها)]وليخلوا به وليخذ بيده ……)وانظر الاحترازات الثلاث في الحديث في كيفية نصح الحاكم علانية فليس الأمر اجتهادا بل الاتباع وترك الاحداث والابتداع.
وابن عباس رضي الله عنهما يقول :"يوشك ان تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال الله وتقولون قال أبو بكر وعمر ".
فمن خالف الكتاب العزيز والسنة النبوية وما عليه هدي السلف الصالح في فهمهم للكتاب والسنة فانتسابه لنهج السلف الصالح فيه نظر بعد علمه بإدلة الكتاب والسنة ووقوفه علي فهم وهدي السلف الصالح.
ويتبع ما سبق نتائج النصح أو قل الإنكار علانية من مفاسد كثيرة عظيمة منها مقتل أمير المؤمنين الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ومما يترتب علي النصح علانية محاولة الخروج عليه وهذا معروف بداهة .
والله أعلم وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا محمد و آله وصحبه وسلم تسليما.
………
كتبه : غازي بن عوض العرماني