الاثنين، 22 أبريل 2024

[ معرفة ماهو أول مخلوقات الله سبحانه وتعالى بالأدلة النقلية من كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ]


بسم الله الرحمن الرحيم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} أما بعد:


فقد هيأ الله لي قديما فضلا من الله ورحمة كتابة  رسالة   عن مسألة  (  هل العرش خلقه الله سبحانه وتعالى أولا ام خلق سبحانه وتعالى القلم ؟ ) 

 وبعد كتابتها بمدة فقدت هذه الرسالة فعوضني الله خيرا مما فقد مني. 

إذ جرى مني إعادة بحث هذه المسألة مجددا فتبين لي أن المسألة بحاجة إلى مزيد إيضاح وبيان ؛ مع ذكر اقوال لأهل العلم مبنية على الأدلة النقلية من كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لم تذكر في رسالتنا السابقة    . 

فأضفنا كل ذلك  في رسالتنا هذه وجرى زيادة فوائد علمية  والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا ؛ فنقول وبالله التوفيق وهو المستعان وعليه التكلان :

 أقوال أهل العلم في " أول ما خلق الله سبحانه وتعالى من المخلوقات العظيمة المسبحة بحمده " 

إذ أن لأهل العلم أقوال في هذه المسألة منها  : 


    (   القول الأول : بأن الله سبحانه وتعالى أول ماخلق الله الهواء ) . 

من أدلة هذا القول ماورد في تفسير إبن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة :{ وكان عرشه على الماء}

وفيه ذكر إبن جرير الطبري رحمه الله حديث أبي رزين رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: ( كان في عَماء ما فوقه هواء، وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء) "انتهى كلامه رحمه الله. 

وقوله ( كان في عما) تقول العرب للسحاب الأبيض :" العما ". 

ومن الأقوال في بيان معنى هذا اللفظ :

" لم يكن  شئ غيره وليس معه أحد " تعالى ربنا وتقدس ؛ ويدل على صحة هذا المعنى ورود هذه الرواية بلفظ :( كان الله ولا شيء غيره ). 

والآيات والأحاديث تواترت وتظافرت على وحدانية الله وأوليته فهو سبحانه وتعالى كما وصف نفسه : { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } 

وفي صحيح مسلم رحمه الله مرفوعا  ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الأوَّلُ فليسَ قَبْلَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فليسَ بَعْدَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فليسَ فَوْقَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فليسَ دُونَكَ شيءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ ) 

والأول إسم من أسماء الله الحسنى.

ومعناه : ليس قبله شئ كما وصف نفسه سبحانه وتعالى ووصفه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. 

وحديث أبي رزين أخرجه أحمد وإبن ماجه والترمذي رحمهم الله جميعا وضعفه الإمام الألباني رحمه الله في ضعيف سنن الترمذي رحمه الله تعالى. 

والدليل الآخر ما ساقه إبن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره فقال :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير قال: سُئل ابن عباس عن قوله: { وكان عرشه على الماء} ، على أي شيء كان الماء؟ قال: على متن الريح.

وقال رحمه الله أيضا :

 حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن سفيان، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير قال: سئل ابن عباس عن قول الله: { وكان عرشه على الماء} ، قال: على أي شيء كان الماء؟ قال: على متن الريح. 


 (    القول الثاني  : إن أول ما خلق الله من المخلوقات هو الماء) 


وهذا القول له قوته ووجاهته : قال الإمام ابن رجب رحمه الله : " وقد حكى إبن جرير وغيره رحمهم الله جميعا عن ابن مسعود رضي الله وطائفة من السلف : أن أول المخلوقات الماء" .

[ بتصرف يسير من لطائف المعارف للإمام إبن رجب رحمه الله ( ٢١ )] 

و هذا القول مال إليه إبن جرير رحمه الله تعالى في تفسيره 

، واختاره بدر الدين العيني رحمه الله تعالى .


(    القول الثالث : إن أول المخلوقات التي خلقها الله ربنا سبحانه وتعالى هو العرش ) 



وهذا القول له ادلته الثابتة  في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك:

حديث عمران بن حصين رضي الله عنه عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ) . رواه البخاري رحمه الله في صحيحه. 

وفي رواية أخرى للبخاري رحمه الله وردت بلفظ : ( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ) .


ومن الأدلة حديث  عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله ُ عنهما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، قَالَ : وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) رواه مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه .

واختار  شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن العرش العظيم خلق قبل القلم كما هو مدون  في كتابه الصفدية 

وهذا إختيار تلميذه الإمام إبن القيم رحمه الله في نونيته حيث قال رحمه الله :

" هذا وعرش الرب فوق الماء من ... قبل السنين بمدة وزمان

والناس مختلفون في القلم الذي ... 

كتب القضاء به من الديان

هل كان قبل العرش أو هو بعده ...

 قولان عند أبي العلا الهمداني

والحق أن العرش قبل لأنه ... 

قبل الكتابة كان ذا أركان

وكتابة القلم الشريف تعقبت ... 

إيجاده من غير فصل زمان

لما براه الله قال اكتب كذا ... 

فغدا بأمر الله ذا جريان "



(     القول الرابع : أن أول ما خلق الله القلم ) ،

 و لعل هذا القول يعتبر  هو القول الآخر  لإبن جرير الطبري رحمه الله

ومن إدلة هذا القول حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ ، قَالَ : رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ : اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ) .

رواه أبو داود والترمذي رحمهما الله في سننهما وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي رحمه الله تعالى. 

والذي يظهر لي ان معنى قول الرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ ، قَالَ : رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ : اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ) .

أي حين بداية خلق الله للقلم أمره الله سبحانه وتعالى بكتابة المقادير تعالى ربنا وتقدس . 

ونحو معنى هذا القول ورد عن الإمام ابن عثيمين رحمه الله تعالى.


وهنا أقوال أخرى لا يلتفت إليها ومن ذلك القول بأن أول خلق الله هو ( رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ). 

أو ( النور المحمدي ). 

أو  ( الفردوس الأعلى من الجنه ) لضعف حجة من قال بها  إذ هو قول لا يعضده دليل من كلام الله سبحانه وتعالى أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم بل الأدلة خلافه. 


وهنا أمر لا بد من الإنتباه له :

 شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مسألة ( أيهما خلق أولا العرش أم القلم ) 

قال رأيه الصواب المبنى على ظاهر إدلة الكتاب العزيز والسنةالنبوية في قوله بأن العرش خلقه الله سبحانه وتعالى قبل القلم استدلالا بظاهر الأدلة الشرعية السابقة في رسالتنا هذه . 

و يلاحظ  أنه لم يتطرق إلى خلق الماء او الهواء في المسألة السابقة إذ أن خلق الله  للعرش قبل القلم لا يعني بالضرورة أن العرش خلق قبل  الماء ، وغاية ما يمكن أن يقال إنهما خلقا معاً ، أما أن يكون العرش خُلِق قبل الماء فلا يظهر ذلك من الأدلة الشرعية .

وقلنا الأدلة الشرعية لأن مثل هذه المسائل لا تدرك بالعقل لقصوره وضعفه وعجزه عن معرفة الأمور الغيبية  إذ لا بد فيها من خبر الوحيين كتابا وسنة.

 

رزقنا الله وإياكم رؤية الله سبحانه وتعالى في الفردوس الأعلى من الجنة.

 

ووهب الله لنا ولكم بسطة من العلم والرزق والفضل ومن رحمته سبحانه وتعالى وجوده و إحسانه وتوفيقه وان يهب لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح والرزق الحلال الطيب وحسن الخاتمه 

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. 

°°°°°°°°°°°°°°°

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه  :  غازي بن عوض العرماني.