الخميس، 20 نوفمبر 2025

[ ايضاح معنى الحديث الصحيح وفيه يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :( وتُرْسَلُ الأمانَةُ والرَّحِمُ، فَتَقُومانِ جَنَبَتَيِ الصِّراطِ يَمِينًا وشِمالًا )].




بسم الله الرحمن الرحيم 


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أما بعد: 

فقد أخرج الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه من رواية حذيفة بن اليمان وأبي هريرة رضي الله عنهما حديث الشفاعة وفيه :(.... فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَيَقُومُ فيُؤْذَنُ له، وتُرْسَلُ الأمانَةُ والرَّحِمُ، فَتَقُومانِ جَنَبَتَيِ الصِّراطِ يَمِينًا وشِمالًا...)

فلماذا ترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا ….

قال اهل العلم :" وذلك لتطالب الأمانة بحقها ممن انتقص حق الله من   أمانة  العبادة التي كلفها الله بها واعظمها التوحيد وهل أتى به كاملا من غير ان يشرك بالله سبحانه وتعالى ثم بقية الفرائض والواجبات الشرعية ثم حقوق العباد من الأمانات التي خانها وهي أنواع كثيرة  وفي قول الله عز وجل : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال } الآية . قال الامام البغوي رحمه اللهُ تعالى في تفسيره لهذه الآية الكريمة:"أراد بالأمانة الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده ، عرضها على السماوات والأرض والجبال على أنهم إن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم ، وهذا قول ابن عباس .

وقال ابن مسعود : الأمانة : أداء الصلوات ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ، وصدق الحديث ، وقضاء الدين ، والعدل في المكيال والميزان ، وأشد من هذا كله الودائع .

وقال مجاهد : الأمانة : الفرائض ، وقضاء الدين .

وقال أبو العالية : ما أمروا به ونهوا عنه.

وقال زيد بن أسلم : هو الصوم ، والغسل من الجنابة ، وما يخفى من الشرائع .

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : أول ما خلق الله من الإنسان فرجه وقال : هذه أمانة استودعتكها ، فالفرج أمانة ، والأذن أمانة ، والعين أمانة ، واليد أمانة ، والرجل أمانة ، ولا إيمان لمن لا أمانة له .وقال بعضهم : هي أمانات الناس والوفاء بالعهود ، فحق على كل مؤمن أن لا يغش مؤمنا ولا معاهدا في شيء قليل ولا كثير ، وهي رواية الضحاك عن ابن عباس ، فعرض الله هذه الأمانة على أعيان السماوات والأرض والجبال ، هذا قول ابن عباس وجماعة من التابعين وأكثر السلف ، فقال لهن أتحملن هذه الأمانة بما فيها ؟ قلن : وما فيها ؟ قال : إن أحسنتن جوزيتن وإن عصيتن عوقبتن ، فقلن : لا يا ربنا ، نحن مسخرات لأمرك لا نريد ثواباولا عقابا ، وقلن ذلك خوفا وخشية وتعظيما لدين الله أن لا يقوموا بها لا معصية ولا مخالفة ، وكان العرض عليهن تخييرا لا إلزاما ولو ألزمهن لم يمتنعن من حملها ، والجمادات كلها خاضعة لله - عز وجل - مطيعة ساجدة له كما قال جل ذكره للسماوات والأرض : { ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين} " ( فصلت : ١١ ) ، وقال للحجارة : { وإن منها لما يهبط من خشية الله }( البقرة :٧٤ ) ، وقال تعالى : { ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ( الحج :١٨ ) الآية .

وحق الرحم وصلها وصلتها ممن قطعها  قال الله تعالى وتقدس:{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }( محمد : ٢٢ ).قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية الكريمة:"حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي, قال: ثنا ابن أبي مريم, قال: أخبرنا محمد بن جعفر وسليمان بن بلال, قالا ثنا معاوية بن أبي المزرّد المديني, عن سعيد بن يسار, عن أبي هريرة, عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال: ( خَلَقَ اللّهُ الخَلْقَ, فَلَمَّا فَرغ مِنْهُمْ تَعَلَّقَتِ الرَّحِمُ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ فَقالَ مَهْ: فَقالَتْ: هَذَا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ, قالَ: أَفمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ, وَأصِلَ مَنْ وَصَلَكِ؟ قالَتْ: نَعَمْ, قالَ: فَذلكِ لَكِ)." انتهى كلامه رحمه اللهُ تعالى. والحديث الذي ذكره الامام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى اتفق البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى على صحته وقال الامام ابن باز رحمه الله تعالى:" فهذه الأحاديث كالتي قبلها فيما يتعلق بوجوب برِّ الوالدين وصلة الرحم، فبرُّ الوالدين من أهم الواجبات، وصلة الرحم كذلك من أهم الواجبات، والعقوق والقطيعة من أقبح المنكرات، ومن أكبر الكبائر، فالواجب على كل مسلمٍ من الرجال والنساء بِرّ الوالدين وصلة الرحم، والحذر من العقوق والقطيعة، عملًا بالأدلة القرآنية والأحاديث النبوية، يقول الله جل وعلا: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } ( الإسراء:٢٣ )كما تقدَّم، ويقول سبحانه: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ الآية}( النساء:٣٦ ).انتهى كلامه رحمه الله تعالى من [ شرح رياض الصالحين (الشرح الثاني) ١١٥ من حديث: (إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم ..)].

رزقنا الله وإياكم اداء الأمانات جميعها وعفا عنا وعنكم التقصير والاخطاء والزلات والمعاصي والسيئات وجعلنا الله وإياكم ممن يصلون أرحامهم ويبرون والديهم ووهب لنا ولكم علما نافعا وعملا متقبلا وحسن الخاتمة اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا انك انت البر الرحيم 

اللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة وارزقنا تقواك وهداك وعافيتك ووسع وابسط لنا ولكم في أرزاقنا ياحي ياقيوم برحمتك نستغيث فأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ؛ والله اعلى واعلم وصلِّ اللهم وسلّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .

٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠

كتبه واملاه الفقير إلى عفو الله مولاه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني .