السبت، 28 ديسمبر 2024

( بيان طعن المدعو أسامة الازهري بالإمام العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى بغير بينة ولا حق ولاصدق مع تفنيد دعواه الباطلة )



بسم الله الرحمن الرحيم


 


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ؛ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } أما بعد:

فإن النقد البناء اسلوب صحيح لتقويم الاعوجاج  الحاصل في أي مسألة أو قضية أو في ذات الفرد أو الجماعة وهو نصح يجري وفق أسس علمية وقواعد مبنية على الأدلة الشرعية الصحيحة والحجج العقلية الصريحة لكن حينما يكون هذا النقد جرى لهوى النفس وتضمن الكذب وتلفيق التهم فهنا يكون هذا النقد مآله الفشل و العاقبة السيئة ويعرف صاحبه بالفجور بالخصومة فيهمل ويترك قوله لانه  كذب ونتيجة ذلك نشر معلومات غير صحيحة وباطلة في حديثه الذي أدلى به ؛ ومن هنا جاء كلام المدعو أسامة الازهري في طعنه العلني في علم من اعلام المسلمين وإمام من أئمتهم وذلك في منعه لأحد طلاب العلم  في جامعة الأزهر من الرجوع إلى كلام الإمام العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى وتحذيره لهذا التلميذ من اتخاذ كتب هذا الامام مرجعا له ووصفه له بأنه يطعن في جامعة الأزهر

ثم أمر التلميذ  بالرجوع إلى أقوال الفلاسفة وأصحاب الديانات الكافرة والأخذ عنهم وهذا والله هو عين الظلم إذ فيه الصد عن دين الاسلام  وكلام أسامة فيه نظر فالازهر مدرسة يتلقى فيها الطلاب فنون العلم الشرعي وقد يوجد فيها من ينتسب إلى مذاهب باطله و مناهج تكفيرية تتبنى تكفير  المسلمين وتستحل دماءهم وتحرض على الخروج على الحكام وتنشر المنهج الصوفي القبوري الذي فيه الشرك الأكبر في توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وفي توحيد الألوهية فالكلام في من انتسب الي جامعة الأزهر وليس الكلام في ذات مدرسة الأزهر وهنا يتضح الفرق

بين العبارتين  ؛ فالمدعو اسامة جعل نفسه محاميا شرعيا بغير حق لجامعة الأزهر ثم كال التهم جزافا ظلما وكذبا الي هذا العلم العلامة  ولعل أسامة  أراد أن يدافع عن توجهه الفكري تحت مسمى الدفاع عن جامعة  الأزهر وغيرته عليه فأتى بالغريب والعجيب وكذب وافترى فلعله تحدث عن مذهبه والذي لا يخلو من اخوانية تكفيرية أو تعطيل جهمي أو صوفية قبورية ثم يتهم ظلما احد كبار علماء الإسلام بدعوى أنه يطعن في جامعة الأزهر فدعواه الباطله  تحتاج إلى تخصيص وإطلاقه يحتاج إلى تقييد وإجماله يحتاج إلى تفصيل وبيان .

وللعلم فإن في جامعة الأزهر تخرج فيها من كبار علماء الإسلام  منهم العلامة عبدالرزاق عفيفي

نائب مفتي المملكة العربية السعودية وعضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء في المملكة العربية السعودية 

وهو اول رئيس للمعهد العالي للقضاء فيها وكان مدرسا للمعهد العلمي في عنيزة وتتلمذ عليه جمع من تلامذة العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى منهم العلامة الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى.

وممن تخرج في الأزهر الشيخ العلامة محمد خليل هراس

وهو من أبرز دعاة السلفية في مصر في العصر الحديث واشتهر بأنه كان من أشد الناس في التصدي للصوفية ومنكري السنة والحديث .

و في ذكر أهل العلم السني السلفي الذين تخرجوا في جامعة الأزهر الحديث يطول

والسلفية بحمد الله هي دين الإسلام بكامل شرائعه وجميع شعائره وأهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في مصر لا يعدون لكثرتهم وانتشارهم ووقوفهم صفا واحدا مع ولاة الأمر في دولة مصر يحاربون فكر التطرف والغلو والتشدد والتكفير ولهم وقفة حازمة صارمة ضد جماعة الإخوان الخوارج التي نشأت في مصر في تفنيد شبهاتها و فضح أفكار رموزها وتعرية توجهاتهم العقدية أمام الملأ 

وهذا معروف ومشهور لا ينكره الا جاهل أو ضال

ودعوى اسامة الأزهري بأن الامام محمد بن صالح العثيمين رحمه اللهُ تعالى قام بتكفير منسوبي جامعة الأزهر دعوى أصحابها ادعياء وذلك ان دعواه تحتاج ادلة تثبت صحة دعواه فهو لا يستطيع ان  يدلنا على موضع تكفير الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه اللهُ تعالى لمنسوبي جامعة الأزهر :

فبأي كتاب من كتبه؟ وبأي جزء او صفحة من هذه الكتب ؟

واما إطلاق اللسان  بالكذب على هذا الامام رحمه الله تعالى بلا بينة ولا برهان ونشره اعلاميا فهو أسلوب صد عن دين الاسلام وقد اظهر مكنون مذهبه الشخصي السئ 

والذي تجلى في محاربة علم من اعلام دين الإسلام فالطعن في حملة الإسلام هو طعن في دين الإسلام وإلا فإن بفضل الله تعالى جرى  انتشار المنهج السني السلفي في مصر فمنهم العلماء وطلاب العلم ولهم جهود تعرف خارج مصر وتعرف داخلها وتعرف لدى الجهات الرسمية في مصر. لهذا يحاول عبثا ان  يتكلم المدعو أسامة في علم من اعلام دين  الاسلام 

وهذا دليل فشله وخذلانه وقد رد عليه كثير من اهل مصر العزيزة وبينوا فساد قوله .

وأما  الانتصار للمذهب الجهمي التعطيلي او التصوف القبوري او الاخواني الخارجي والتي كان يحاربها الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه اللهُ تعالى تحت مظلة الدفاع عن جامعة الأزهر ؛ فهذه طريقة ماكرة إذ ان المذاهب الباطلة التي نسبت نفسها ظلما وعدوانا إلى دين الإسلام والإسلام عقيدة وعلماء أبرياء منها ومن رموزها الذين يميلون إلى تفضيل المذهب الرافضي المجوسي والتعطيل الجهمي و الحلول والاتحاد الصوفي القبوري وفي هذا الأسلوب الضال رد عن الحق وتثبيط الناس عنه. 

وهنا أمور اعرفه شخصيا عن الامام العلامة محمد العثيمين رحمه اللهُ تعالى ويعرفه كل من أطلع على جميع مؤلفات هذاالإمام اذكره لكم  فى نقاط  منها :

( الأمر الأول ):

بغضه وكراهته للجماعات الضالة المنحرفة التي تكفر المسلمين وتستحل دماءهم وتبيح الخروج على ولاة الأمر فهذا الفرق الضالة تحت اي مسمى كان يحاربها الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه اللهُ تعالى فهل هذا هو السبب في الحملة الشعواء الظالمة عليه ؟ 

واستغلال المدعو أسامة  للإعلام   للثأر منه ؛ فلا  بد من الانتباه لهذا الأمر وخاصة إذا علمنا أن مهد انطلاق رأس الدعوات الخارجية التكفيرية بداية شرارتها من مصر وانطلقت من رموز جماعة الاخوان الخوارج فيها و الذين سموا انفسهم ب( جماعة الاخوان المسلمين)

والإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى معلوم انتصاره واعتقاده وتمذهبه بالهدي الإسلامي الصحيح وهو نهج وهدي السلف الصالح المبني على كلام الله سبحانه وتعالى وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ( سنته صلى الله عليه وسلم)وفق فهم الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم وهو ما يعرف بالهدي السلفي 

وانتصاره للنهج السلفي الذي يحرم تكفير المسلمين واستحلال دمائهم ويعظم اصل وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف وهذا معلوم معروف عنه عند العلماء وطلاب العلم في العالم وفي مصر وعند عامة الشعب المصري الكريم  فهل هذه العقيدة الصحيحة  هي ما يحاربها المدعو اسامة الأزهري تحت مظلة الدفاع عن الأزهر ؟ .

( الأمر الثاني):

ان التكفير ليس منهجا له رحمه الله تعالى بل يحاربه تأصيلا وتقعيدا وتدريسا وتأليفا وهاهي كتبه مشهورة منشورة فليأت بحرف واحد كفر فيها الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى أحدا من المسلمين فلا يوجد في مؤلفاته الحث على التكفير لأي فرد من أفراد المسلمين فكيف بجامعة الأزهر التي تضم في كلياتها الافا من الطلاب المسلمين؟ 

وأما رمي اهل العلم من ذوي التوجه السني السلفي ظلما وعدوانا فنهج انتهجه من لا يخشى الله في قوله وفعله لتشويه الدعوة الحق إلى الله سبحانه وتعالى ؛ 

وانظر كتاب مجموع الفتاوى والرسائل للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه اللهُ تعالى( ٥٢ / ٣ - ٥٥ )؛

وفيه ما يفند ويكذب طعن المدعو اسامة الأزهري  حيث قال العثيمين  رحمه اللهُ تعالى:

" الكفر حكم شرعي مرده إلى الله ورسوله فما دل الكتاب والسنة على أنه كفر فهو كفر، وما دل الكتاب والسنة على أنه ليس بكفر فليس بكفر، فليس على أحد بل ولا له أن يكفر أحداً حتى يقوم الدليل من الكتاب والسنة على كفره.

وإذا كان من المعلوم أنه لا يملك أحد أن يحلل ما حرم الله، أو يحرم ما أحل الله، أو يوجب ما لم يوجبه الله تعالى إما في الكتاب أو السنة، فلا يملك أحد أن يكفر من لم يكفره الله إما في الكتاب وإما في السنة.

ولا بد في التكفير من شروط أربعة:

الأول:

ثبوت أن هذا القول أو الفعل أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب أو السنة.

الثاني:

ثبوت قيامه بالمكلف.

الثالث:

بلوغ الحجة.

الرابع:

انتفاء مانع التكفير في حقه.

فإذا لم يثبت أن هذا القول أو الفعل أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، فإنه لا يحل لأحد أن يحكم بأنه كفر، لأن ذلك من القول على الله بلا علم وقد قال الله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }.

وقال:{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }.

وإذا لم يثبت قيامه بالمكلف فإنه لا يحل أن يُرمى به بمجرد الظن لقوله تعالى:{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }الآية.

ولأنه يؤدي إلى استحلال دم المعصوم بلا حق.

وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ )هذا لفظ مسلم.

وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(لاَ يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالكُفْرِ، إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ )أخرجه البخاري، ولمسلم معناه.

وإذا لم تبلغه الحجة فإنه لا يحكم بكفره لقوله تعالى:{ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ }.

وقوله تعالى:{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ }.

وقوله تعالى:{ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ }إلى قوله:{ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا }.

وقوله تعالى:{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا }.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ).

لكن إن كان مَنْ لم تبلغه الحجة لا يدين بدين الإسلام، فإنه لا يعامل في الدنيا معاملة المسلم، وأما في الآخرة فأصح الأقوال فيه أن أمره إلى الله تعالى.

وإذا تمت هذه الشروط الثلاثة أعني ثبوت أن هذا القول أو الفعل أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، وأنه قام بالمكلف، وأن المكلف قد بلغته الحجة، ولكن وجد مانع التكفير في حقه فإنه لا يكفر لوجود المانع.

فمن موانع التكفير:

الإكراه، فإذا أُكره على الكفر فكفر وكان قلبه مطمئناً بالإيمان لم يحكم بكفره لوجود المانع وهو الإكراه، قال الله تعالى:{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.

ومن موانع التكفير:

أن يُغلق على المرء قصده فلا يدري ما يقول لشدة فرح أو حزن أو خوف أو غير ذلك لقوله تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }.

وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ).

فهذا الرجل أخطأ من شدة الفرح خطأ يَخْرج به عن الإسلام، لكن منع من خروجه منه أنه أُغْلق عليه قصده فلم يدر ما يقول من شدة الفرح، فقد قصد الثناء على ربه، لكنه من شدة الفرح أتى بكلمة لو قصدها لكفر.

فالواجب الحذر من إطلاق الكفر على طائفة أو شخص معين حتى يُعلم تحقق شروط التكفير في حقه، وانتفاء موانعه."اهـ

( الأمر الثالث ) :

تأصيله العلمي في مسائل التكفير   كما هو مدون في مؤلفاته ومن ذلم عذر المسلمين  بالجهل وعدم تكفيرهم حتى رماه جماعة الحدادية المكفرة  بالارجاء واطلقوا عليه وعلى الإمام ابن باز والإمام الألباني رحمهم الله جميعا مسمى :( ثالوث الأرجاء) ؛ وذلك لمحاربة هؤلاء الأئمة لتكفير  المسلمين وما ينتج عنه من استحلال دماء الأبرياءالمعصومة وكذلك ما تقوم به رموز الجماعات الضالة من تحريض وتهييج لعامة المسلمين ضد ولاة امورهم 

فكان هؤلاء الثلاثة شوكة في حلوقهم

وفي كتاب عقيدة حرب الكرماني رحمه الله تعالى يقول 

 الإمام أحمد :"وأما الخوارج

فإنهم يسمون أهل السنة والجماعة مرجئة وكذبت الخوارج فِي قولهم بل هم المرجئة

يزعمون أنهم عَلَى إيمان وحق دون الناس ومن خالفهم كافر". 

 ولا بد من التذكير ان من جهود الامام العثيمين رحمه الله تعالى في وأد معتقد التكفير بغير ضوابط شرعية قيامه بتأليف رسالة عن العذر بالجهل

وان " الأصل عنده رحمه الله هو العذر بالجهل ، بل يرى أنه لا يستطيع أحد أن يأت بدليل على أن الجاهل ليس بمعذور ، ويرى أنه " لولا العذر بالجهل : لم يكن للرسل فائدة ، ولكان الناس يُلزمون بمقتضى الفطرة ، ولا حاجة لإرسال الرسل و لا فرق في العذر بالجهل بين مسائل الاعتقاد ومسائل العمل" الي اخر كلامه رحمه الله تعالى.

وفي طعن المدعو أسامة الازهري بالإمام العثيمين رحمه الله تعالى بغير حق وغيبته له ظلما ففيه مزيد فضل ورحمه لهذا الإمام إذ انه  معلوم انقطاع الأعمال الصالحة بعد موت الميت  فأجرى الله على لسان أسامة الازهري بغيبته لهذا الإمام  اجورا وحسنات لا تنقطع  ؛ قال العلامة  الطَّحاويُّ رحمه الله تعالى في متن عقيدته المشهورة : " عُلَماءُ السَّلَفِ مِنَ السَّابقينَ، ومَن بَعْدَهم من التَّابعينَ أهلِ الخَيرِ والأَثَرِ، وأهلِ الفِقْهِ والنَّظَرِ، لا يُذكَرونَ إلَّا بالجَميلِ، ومن ذَكَرَهم بسُوءٍ فهو على غَيرِ السَّبيلِ" .

وقال الحافظ ابنُ عَساكِر رحمه الله تعالى في كتابه تبيين كذب المفتري : " اعلَمْ يا أخي وفَّقَنا اللهُ وإيَّاك لِمَرْضاتِه، وجعَلَنا ممَّن يخشاه ويتَّقِيه حَقَّ تُقاتِه، أنَّ لُحومَ العُلَماءِ رحمةُ اللهِ عليهم مسمومةٌ، وعادةَ اللهِ في هَتْكِ أستارِ مُنتَقِصِيهم معلومةٌ؛ لأنَّ الوقيعةَ فيهم بما هم منه بَراءٌ أَمْرُه عظيمٌ، والتناوُلَ لأعراضِهم بالزُّورِ والافتراءِ مَرْتَعٌ وَخِيمٌ، والاختِلاقَ على من اختاره اللهُ منهم لِنَعْشِ العِلمِ خُلُقٌ ذَميمٌ ". ومنهج علماء  المملكة العربية السعودية البعد عن تكفير المسلمين والتحذير منه ومن اصحابه  قال  الإمام  شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى : " وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر ، والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم ، وعدم من ينبههم ، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل  " .

[ الدر السنية ( ١ / ٦٦)]

وقد جرى اعداد هذه الرسالة ابتغاء ما عند الله سبحانه وتعالى حيث ثبت من حديث الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعا الي الرسول صلى الله عليه وسلم قوله :(من ردَّ عَن عِرضِ أخيهِ ردَّ اللَّهُ عن وجهِهِ النَّارَ يومَ القيامةِ) خرجه الترمذي رحمه الله تعالى في سننه وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي رحمه الله تعالى.

وفقنا الله واياكم والمدعو أسامة الازهري الي مايحبه الله ويرضاه.

رزقنا الله وإياكم رؤية الله سبحانه وتعالى في الفردوس الأعلى من الجنة ووهب لنا ولكم علما نافعا وعملا صالحا ودعوة طيبة متقبلة وفق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم واحسن الله لنا ولكم الخاتمة كما نسأله سبحانه وتعالى أن يهب لنا ولكم رزقا حلالا طيبا مباركا فيه والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

°°°°°°°°°°°

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو الله مولاه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني.

الاثنين، 23 ديسمبر 2024

( هل الخضر عليه الصلاة والسلام حي الآن لم يمت ام توفاه الله ؟ )



بسم الله الرحمن الرحيم



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}. 

أما بعد:

فإن مسألة الخضر عليه الصلاة والسلام هل حي ام ميت فيها خلاف بين أهل العلم فأحببت بيان عرض كلام أهل العلم في هذه المسألة مع ذكر إدلتهم والله تعالى أعلم بالصواب

    [ القول الأول ] 

ذهب جماعة من العلماء إلى أنه حي وممن قال بذلك العلامة القرطبي في تفسيره  وابن الصلاح، والحافظ العراقي رحمهم الله جميعا .

وفي قول لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اختار انه من الأحياء ؛ 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :" وأما حياته : فهو حي . والحديث المذكور لا أصل له ولا يعرف له إسناد بل المروي في مسند الشافعي وغيره : أنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن قال إنه لم يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد قال ما لا علم له به فإنه من العلم الذي لا يحاط به .

ومن احتج على وفاته بقول النبي صلى الله عليه وسلم " { أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد } " فلا حجة فيه فإنه يمكن أن يكون الخضر إذ ذاك على وجه الأرض . ولأن الدجال  وكذلك الجساسة  الصحيح أنه كان حيا موجودا  على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو باق إلى اليوم لم يخرج وكان في جزيرة من جزائر البحر . فما كان من الجواب عنه كان هو الجواب عن الخضر وهو أن يكون لفظ الأرض لم يدخل في هذا الخبر أو يكون أراد صلى الله عليه وسلم الآدميين المعروفين وأما من خرج عن العادة فلم يدخل في العموم كما لم تدخل الجن وإن كان لفظا ينتظم الجن والإنس . وتخصيص مثل هذا من مثل هذا العموم كثير معتاد والله أعلم". انتهى كلامه رحمه الله تعالى. [ مجموع الفتاوى ( ٤ / ٣٣٩ - ٣٤٠)].

قال العلامة القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره لسورة الكهف عند حديثه عن الخضر عليه الصلاة والسلام :" والصحيح القول الثاني وهو أنه حي على ما نذكره . والحديث خرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال صلى بنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قام فقال : أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد قال ابن عمر : فوهل الناس في مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك فيما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة ; وإنما قال - عليه الصلاة والسلام - : لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن . ورواه أيضا من حديث جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قبل أن يموت بشهر : تسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة وفي أخرى قال سالم : تذاكرنا أنها هي مخلوقة يومئذ . وفي أخرى : ما من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ . وفسرها عبد الرحمن صاحب السقاية قال : نقص العمر . وعن أبي سعيد الخدري نحو هذا الحديث قال علماؤنا : وحاصل ما تضمنه هذا الحديث أنه - عليه الصلاة والسلام - أخبر قبل موته بشهر أن كل من كان من بني آدم موجودا في ذلك لا يزيد عمره على مائة سنة ; لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ما من نفس منفوسة وهذا اللفظ لا يتناول الملائكة ولا الجن إذ لم يصح عنهم أنهم كذلك ، ولا الحيوان غير العاقل ; لقوله : ممن هو على ظهر الأرض أحد وهذا إنما يقال بأصل وضعه على من يعقل ، فتعين أن المراد بنو آدم . وقد بين ابن عمر هذا المعنى ; فقال : يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن . ولا حجة لمن استدل به على بطلان قول من يقول : إن الخضر حي لعموم قوله : ما من نفس منفوسة لأن العموم وإن كان مؤكد الاستغراق فليس نصا فيه ، بل هو قابل للتخصيص . فكما لم يتناول عيسى - عليه السلام - ، فإنه لم يمت ولم يقتل فهو حي بنص القرآن ومعناه ، ولا يتناول الدجال مع أنه حي بدليل حديث الجساسة ، فكذلك لم يتناول الخضر - عليه السلام - وليس مشاهدا للناس ، ولا ممن يخالطهم حتى يخطر ببالهم حالة مخاطبة بعضهم بعضا ، فمثل هذا العموم لا يتناوله . وقد قيل : إن أصحاب الكهف أحياء ويحجون مع عيسى - عليه الصلاة والسلام - ، كما تقدم . وكذلك فتى موسى في قول ابن عباس كما ذكرنا . وقد ذكر أبو إسحاق الثعلبي في كتاب العرائس له : والصحيح أن الخضر نبي معمر محجوب عن الأبصار ; وروى محمد بن المتوكل عن ضمرة بن ربيعة عن عبد الله بن شوذب قال : الخضر - عليه السلام - من ولد فارس ، وإلياس من بني إسرائيل يلتقيان كل عام في الموسم . وعن عمرو بن دينار قال : إن الخضر وإلياس لا يزالان حيين في الأرض ما دام القرآن على الأرض ، فإذا رفع ماتا . وقد ذكر شيخنا الإمام أبو محمد عبد المعطي بن محمود بن عبد المعطي اللخمي في شرح الرسالة له للقشيري حكايات كثيرة عن جماعة من الصالحين والصالحات بأنهم رأوا الخضر - عليه السلام - ولقوه ، يفيد مجموعها غاية الظن بحياته مع ما ذكره النقاش والثعلبي وغيرهما . وقد جاء في صحيح مسلم : أن الدجال ينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس - أو - من خير الناس . . . الحديث ; وفي آخره قال أبو إسحاق : يعني أن هذا الرجل هو الخضر . وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب الهواتف : بسند يوقفه إلى علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - ( أنه لقي الخضر وعلمه هذا الدعاء ، وذكر أن فيه ثوابا عظيما ومغفرة ورحمة لمن قاله في أثر كل صلاة ، وهو : يا من لا يشغله سمع عن سمع ، ويا من لا تغلطه المسائل ، ويا من لا يتبرم من إلحاح الملحين ، أذقني برد عفوك ، وحلاوة مغفرتك ) وذكر أيضا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في هذا الدعاء بعينه نحوا مما ذكر عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - في سماعه من الخضر . وذكر أيضا اجتماع إلياس مع النبي - عليه الصلاة والسلام - . وإذا جاز بقاء إلياس إلى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - جاز بقاء الخضر ، وقد ذكر أنهما يجتمعان عند البيت في كل حول ، وأنهما يقولان عند افتراقهما : ( ما شاء الله ما شاء الله ، لا يصرف السوء إلا الله ، ما شاء الله ما شاء الله ، ما يكون من نعمة فمن الله ، ما شاء الله ما شاء الله ، توكلت على الله ، حسبنا الله ونعم الوكيل ) وأما خبر إلياس فيأتِ في " الصافات " إن شاء الله - تعالى - .

وذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد : عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال : ( لما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجي بثوب هتف هاتف من ناحية البيت يسمعون صوته ولا يرون شخصه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم أهل البيت كل نفس ذائقة الموت - الآية - إن في الله خلفا من كل هالك ، وعوضا من كل تالف ، وعزاء من كل مصيبة ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب ) فكانوا يرون أنه الخضر - عليه الصلاة والسلام - . يعني أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام - . والألف واللام في قوله : على الأرض للعهد لا للجنس وهي أرض العرب ، بدليل تصرفهم فيها وإليها غالبا دون أرض يأجوج ومأجوج ، وأقاصي جزر الهند والسند مما لا يقرع السمع اسمه ، ولا يعلم علمه . ولا جواب عن الدجال .

قال السهيلي : واختلف في اسم الخضر اختلافا متباينا ; فعن ابن منبه أنه قال : أبليا بن ملكان بن فالغ بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح . وقيل : هو ابن عاميل بن سماقحين بن أريا بن علقما بن عيصو بن إسحاق ، وأن أباه كان ملكا ، وأن أمه كانت بنت فارس واسمها ألمى ، وأنها ولدته في مغارة ، وأنه وجد هنالك وشاة ترضعه في كل يوم من غنم رجل من القرية ، فأخذه الرجل فرباه ، فلما شب وطلب الملك - أبوه - كاتبا وجمع أهل المعرفة والنبالة ليكتب الصحف التي أنزلت على إبراهيم وشيث ، كان ممن أقدم عليه من الكتاب ابنه الخضر وهو لا يعرفه ، فلما استحسن خطه ومعرفته ، وبحث عن جلية أمره عرف أنه ابنه فضمه لنفسه وولاه أمر الناس ثم إن الخضر فر من الملك لأسباب يطول ذكرها إلى أن وجد عين الحياة فشرب منها ، فهو حي إلى أن يخرج الدجال ، وأنه الرجل الذي يقتله الدجال ويقطعه ثم يحييه الله - تعالى - . وقيل : لم يدرك زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وهذا لا يصح وقال البخاري وطائفة من أهل الحديث منهم شيخنا أبو بكر بن العربي - رحمه الله تعالى - : إنه مات قبل انقضاء المائة ، من قوله - عليه الصلاة والسلام - : إلى رأس مائة عام لا يبقى على هذه الأرض ممن هو عليها أحد يعني من كان حيا حين قال هذه المقالة

قلت : قد ذكرنا هذا الحديث والكلام عليه ، وبينا حياة الخضر إلى الآن ، والله أعلم ".

[   القول الثاني  ]

القول بوفاة الخضر عليه الصلاة والسلام 

 وممن قال بذلك البخاري،  أبو بكر ابن العربي، و ابن الجوزي رحمه الله تعالى وألف كتابا في ذلك عنوانه( عجالة المنتظر في شرح حال الخضر ) وابن كثير في تفسيره وفي كتابه البداية والنهاية،

والألباني وابن باز  والشنقيطي في أضواء البيان وابن عثيمين رحمهم الله جميعا واسكنهم الفردوس الأعلى من الجنة

وأما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فله في هذه المسألة قولان وقوله الاخر انه مات حيث قال رحمه الله تعالى :" والصواب الذي عليه المحققون أنه لم يدرك الإسلام ولو كان موجوداً في زمن النبي لوجب عليه أن يؤمن به ويجاهد معه كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره" انتهى كلامه رحمه الله تعالى [ مجموع الفتاوى ( ٢٧ / ١٠٠ ) وفي كتابه الزيارة ( ٤٤٩)] 

وفي المنار المنيف للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى :" سئل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: لو كان الخضر حياً لوجب عليه أن يأتي النبي ويجاهد بين يديه، ويتعلم منه.وقد قال النبي يوم بدر: ( اللهم ان تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ). 


ومال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى إلى موته في كتابه :( الزهر النظر في نبأ الخضر )

ومن الأدلة على موته قول الله تعالى وتقدس :{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ }؛[ الأنبياء : ٣٤ ] `

قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية الكريمة :" وقد استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من العلماء إلى أن الخضر ، عليه السلام ، مات وليس بحي إلى الآن; لأنه بشر ، سواء كان وليا أو نبيا أو رسولا وقد قال تعالى : { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد }" انتهى كلامه رحمه الله تعالى. 

وقال رحمه الله تعالى في موضع آخر :" وذكروا في ذلك أي القائلون بحياته حكايات وآثارا عن السلف وغيرهم، وجاء ذكره في بعض الأحاديث ولا يصح شيء من ذلك.. وأشهرها حديث التعزية وإسناده ضعيف. ورجح آخرون من المحدثين وغيرهم خلاف ذلك واحتجوا بقوله تعالى: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون [الأنبياء:٣٤].

وبقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: ( اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ) .

وبأنه لم ينقل أنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حضر عنده ولا قاتل معه، ولو كان حيا لكان من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأنه عليه السلام كان مبعوثا إلى جميع الثقلين: الجن والإنس، وقد قال: ( لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي) . وأخبر قبل موته بقليل أنه لا يبقى من هو على وجه الأرض إلى مائة سنة من ليلته تلك عين تطرف.. إلى غير ذلك من الدلائل" . انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

و قال ابن كثير رحمه الله تعالى في كتابه البداية والنهاية متحدثا عن الخضر عليه الصلاة والسلام :" وقد تصدى الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي  رحمه الله في كتابه (عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر) للأحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات فبين أنها موضوعة، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم فبين ضعف أسانيدها ببيان أحوال وجهالة رجالها. وقد أجاد في ذلك وأحسن الانتقاد. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. 

قال الإمام ابن باز رحمه الله تعالى : " الصواب: أنه قد مات من مدة طويلة قبل بعث النبي ﷺ هذا هو الحق أنه قد مات وليس بحي، و كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [العنكبوت:٥٧ ].... " [ من موقع الإمام ابن باز رحمه الله تعالى]. 

وفي موضع آخر يقول رحمه الله تعالى :" أما الخضر فالصحيح أنه مات من دهر طويل قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام، وليس لوجوده حقيقة، بل هذا كله باطل وليس له وجود، وهذا هو الصحيح الذي عليه المحققون من أهل العلم، فالخضر عليه السلام مات قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام، بل قبل مبعث عيسى عليه السلام.

والصحيح أن الخضر نبي كما دل عليه ظاهر القرآن الكريم، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ( أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد عَلات، وليس بيني وبينه نبي). 

فدل على أن الخضر قد مات قبل ذلك، ولو فرضنا أنه ليس نبيا وأنه رجل صالح لكان اتصل بالنبي ﷺ، لو فرضنا أنه لم يتصل لكان مات على رأس مائة سنة كما قال عليه الصلاة والسلام في آخر حياته: ( أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد). 

فدل ذلك على أن من كان موجودًا في ذلك الوقت لا يبقى بعد مائة سنة بنص النبي عليه الصلاة والسلام أنهم يموتون قبل انخرام المائة.

فالحاصل أن الخضر قد مات وليس بموجود، والذي يزعم أنه رآه إما أنه كاذب، وإما أن الذي قال إنه الخضر قد كذب عليه وليس بالخضر، وإنما هو شيطان من شياطين الإنس أو الجن ". [ مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ( ٩ / ٢٨٧)].

وفي سؤال جرى توجيهه للإمام الألباني رحمه الله تعالى وفيه يقول السائل   : قوله عليه الصلاة والسلام ( ما من نفس منفوسة يمر عليها مائة عام ... ) .

فكان جواب الشيخ رحمه الله تعالى مايلي :" أي هذا الذي يقول هذا الكلام هو جاهل بعلم أصول الفقه، ما من نص عام إلا وقد خُصِّص، وهذا من ذاك يعني ما من نفس منفوسة إلا ما جاء النص يستثني ذلك.

وعلى هذا اعتمد من زعم أن الخضر عليه السلام لا يزال حيّا بين الأنام لكن نحن نقول كما تعلّمنا من بعض العلماء  أثبت العرش ثم انقش  نقول له أثبت أن الخضر حيّ حتى نستثنيه من الحديث ولما لم يكن هناك حديث صحيح يُثبت حياة الخضر إلى عهد النبي صلى الله عليه وأله وسلم لم يكن بنا حاجة إلى أن نقول إن الخضر مستثنى من حديث ( ما من نفس منفوسة ) أمَا والدجال حيّ بصريح الحديث الذي جاء ذكره أنفا وكذلك عيسى لا يزال حيّا وإن كان هذا في السماء فإذًا الجواب هو تخصيص العام بالحديث الخاص وإلا لوقع هذا الجاهل وأمثاله في جهل بل جهالات متتابعة لأننا سنواجهه بالأية الكريمة. "

[ فتاوى جدة رقم  A ٢٠].

والله أعلى وأعلم بالصواب وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

°°°°°°°°°°

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو الله مولاه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني.

الجمعة، 20 ديسمبر 2024

( فضل ولاة امرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظهم الله ورعاهم )




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

أما بعد 

فلم يصلني إلا مقطع الفيديو  السابق جرى في مناسبة عائلية وكان الحديث فيه عن فضل ولاة امرنا آل سعود حفظهم الله وما في حكمهم من نعمة التوحيد ونعمة اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وما نعيشه في المملكة العربية السعودية في امن وامان ورغد عيش وبيان الكيفية الصحيحة  المبنية على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كيفية التعامل الصحيح مع ولاة الأمر  فالتعامل معهم ليس محلا للاجتهاد ولا مسرحا لتجاذب الأفكار البشرية بل محض اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وما عليه جرى هدي سلفنا الصالح ففي كتاب آلسنة للإمام ابن ابي عاصم رحمه الله تعالى قال :


بَابُ كَيْفَ نَصِيحَةُ الرَّعِيَّةِ لِلْوُلاةِ:

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ لِهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ أَلَمْ تَسْمَعْ بِقَوْلِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

( مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلا يُبْدِهِ عَلانِيَةً وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُوا بِهِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ )

وصححه الإمام الالباني رحمه اللهُ تعالى في ظلال الجنة في تخريجه لكتاب السنة لابن ابي عاصم رحمه الله تعالى وفي معنى هذا الحديث وغيره من احاديث جاءت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم جرى هدي السلف الصالح واتفاقهم 

وقد جرى في هذا المقطع الحديث ما تعرض له اسرة الـ سعود المباركة من اذى وشر وضرر في نشرهم للتوحيد والسنة ومن ذلك  رميهم في القدور وهي تغلي على يد الدولة العثمانية البائدة الهالكة بسبب تمسكهم  بتوحيد الله تعالى ونشرهم للسنة  وقد حدث هذا في المرحلة الأولى للدولة السعودية كما ذكر ذلك من كتب في التاريخ والسير من ثقات اهل العلم فبفضل الله تعالى ورحمته عادت الدولة السعودية إلى قوتها بل أكثر امتداداً وانتشارا وازدادت قوة وهلكت وانتهت الدولة الجهمية الصوفية التركية 

قال الله تعالى:{ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}.

وقد تم الحديث ارتجالا على نحو يفهمه من حولي من الناس مراعاة لأحوال العوام وتقريب لمعاني الألفاظ لهم قدر الإمكان .

سائلا الله السميع القريب المجيب ان يبارك في ولي امرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وان يكفيهم شر الاشرار وكيد الفجار وفسقة الجن والإنس كما اسأل الله الحي القيوم ذا الجلال والإكرام أن يجعل ما نطقت به وما كتبته  حجة لي لا حجة علي وان يجعله خالصا لوجه الله سبحانه وتعالى صوابا متقبلا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

••••••••

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو الله مولاه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني .

السبت، 14 ديسمبر 2024

( تحريم بيع الأعضاء البشرية )




بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

اما بعد 


فقد جاءني من احد طلاب العلم سؤال هذا نصه :" السلام عليكم 

كيف الشيخ غازي؟

هل يجوز أن اتبرع بالكلى مقابل مال من اجل يعينني هذا المال في الزواج؟ "

سكت عن اجابة هذا السؤال برهة من الزمن ثم بعث برسالة أخرى مضمونها :" لماذا لم تجيب يا شيخ؟"

فكانت الإجابة بفضل الله تعالى ورحمته :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

هذا الأمر محرم فالمالك هو الله سبحانه وتعالى فالتصرف تصرف بغير مالك وقد أتفق الفقهاء على عدم صحة بيع الإنسان ما لا يملك إذا لم يجزه مالكه ، ولم يكن البائع حاكماً ولا منتصفاً من حق له أو لغيره ؛ فأنت ملك لله سبحانه وتعالى الذي خلقك ؛ والخالق الرازق هو الله سبحانه وتعالى

فأعترض طالب العلم هذا بسؤال هو :" لكن يا شيخ بارك الله فيك

من منطلق قاعدة: الضرورة تبيح المحذورات ".

فقلت له :

ان قاعدة :( الضرورة تبيح المحظورات)؛ فيها رحمة بالخلق فهي لأحياء الأنفس وليس لقتلها وهذا القول يقرب او يماثل  كلام قريش وخشيتهم من الفقر قال الله تعالى:{ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا }

والله سبحانه وتعالى يقول وقوله الحق :{ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} 

وهذه الطريقة فيها يأس وقنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى والله سبحانه وتعالى يقول:{ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }

ولاتنسى ان الله هو الرازق الرزاق قال الله تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي اللهُ عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( إِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ كَمَا يَطْلُبُهُ أَجَلُهُ )رواه ابن عاصم رحمه اللهُ تعالى في السنة وصححه الإمام الألباني رحمه اللهُ تعالى في ظلال الجنة وفي السلسلة الصحيحة 

وهنا امر وهو رفع الأيدي إلى الله سبحانه وتعالى فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة 

وأكثر من الالحاح والضراعة إلى الله سبحانه وتعالى فما ابتليت بهذا الأمر إلا ليقربك ويرفعك 

ويستجب لك دعاءك وفي هذا الصنيع السئ والعمل الردئ تسخط على قضاء الله وقدره فكل شيء جرى 

بقضاء الله تعالى وقدره فما شاء كان ومالم يشأ لم يكن، فأفعالنا وأقوالنا وما يقع من موت أو حياة أو ملك أو نزع ملك أو حرب أو سلم أو غير ذلك كله بمشيئته عز وجل لا يقع في الدنيا شيء بغير مشيئته جل وعلا، قال جل وعلا: { فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ }وقال: { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ  وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }وقال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } فكل شيء بيده جل وعلا، وكل شيء بمشيئته، لا يكون في ملكه ما لا يريد، بل قدر ما شاء الله بما سبق به علمه من طاعات ومعاصي وآجال وأرزاق .

ثم بعد ما ذكر لك سابقا قلت انه من باب الضرورة فأي ضرورة فيها إضرار بالنفس وإهلاك لها فإذا علمت ان ( الضرر يزال ) فأي اعظم ذنبا وأشد جرما وضررا من مسألة يتسبب فيها الإنسان بالإضرار بنفسه من اجل دراهم معدودة في ملك ليس له بل لله الواحد القهار  وأهل العلم العلم مثل الامام ابن باز رحمه اللهُ تعالى قال  مبينا حكم التبرع بالأعضاء :" هذا موضوعٌ فيه خلافٌ بين العلماء: منهم مَن أجازه، ومنهم مَن توقَّف فيه، التبرع بالأعضاء: كالكلية والقلب واليد أو الرجل أو غير ذلك، ولا أذكر أنه صدر فيه قرارٌ من الهيئة، توقفت فيه الهيئة -هيئة كبار العلماء- فيما أذكر، ولا أعلم الآن أنه صدر فيه قرار بالجواز.

وأنا متوقِّفٌ في ذلك؛ لأني أرى أنَّ هذا يُخشى أن يكون من المُثْلَة، كونه يتبرع بكليته أو بقلبه إذا مات أو بيده أو برجله: أخشى أن يكون هذا من المثلة التي جاء الشرعُ بالنَّهي عنها.

وبعض العلماء وإخواننا أفتى بذلك: عند الموت، إذا أوصى بذلك، أنه لا حرج في ذلك.

والمسألة محل نظرٍ، ومحل تأمُّلٍ، والأحوط عندي ألا يتبرع بشيءٍ، وألا يسمح لأحدٍ أن يُقَطِّعه بعد وفاته، وألا يُتعرض له".[ الموقع الرسمي للإمام ابن باز رحمه الله تعالى].

وقال الإمام الالباني رحمه اللهُ تعالى:" والتبرع بالأعضاء لا يجوز و

" السبب - بارك الله فيك - هو أمور :

(١): 

أهمُّها أن أحكام الآخرة لا تُقاس على أحكام الدنيا ؛ يعني - مثلًا - قال - عليه السلام - : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم يُنتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) . أظن الحديث واضح عندكم ما يحتاج إلى شرح ؛ 

(٢):

فما دام أن الميِّت انقطعت علاقته بهذه الدنيا فليس له أن يتصرَّف بشيء من بدنه بعد موته إلا بإذن من ربِّه ، هذا الإذن أوَّلًا وبداهة مفقود غير موجود ، ولا يستطيع أحد من أولئك الذين تسمِّيهم بالمجتهدين لا يستطيع أن يقدِّمَ لك نصًّا عن الله أو رسوله أنه يجوز للمسلم أن يتصرَّف في بدنه بعد وفاته كما كان شأنه قبل وفاته . 

(٣):

…..في الجملة اللي أنت ذكرتها في أثناء كلامك هي في الواقع من المهم أن تعلم أن هذا مش كلام الناس ، هذا كلام سيِّد الناس وهو الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؛ حيث كان يقول : ( كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيًّا ) ، فعلى هذا ليس للمسلم أن يتصرَّف في بدنه بوصية يصدرها في قيد حياته ؛ لأنه يخالف وصية الرسول - عليه السلام - بقوله : ( كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيًّا ) .


ثم هناك شيء 

(٤):

نستطيع أن نحشره في زمرة الأدلة الثنتين السابقتين ، لكن قبل ذكر هذا الشيء الثالث أريد ألخِّص ما مضى من الدليلين السابقين ؛ الدليل الأول أنه ليس عندنا نصٌّ من الشارع الحكيم يسوِّغ لنا أن نتصرَّف في أبداننا بعد وفاتنا وقد انقطع عملنا . الدليل الثاني أعلى من هذا ، مع كون لا يوجد الدليل يسمح لنا بهذا التطوُّع فهناك دليل يمنَعُنا من مثل هذا التطوُّع ؛ وهو قوله - عليه السلام - : ( كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيًّا ) ، نأتي في الدليل الثاني ... أن الرسول - عليه السلام - كما في الحديث الصحيح : ( أَمَرَ بالصدقة ونهى عن المُثْلة ) . شوف هون كأنُّو في نكتة بليغة ؛ أَمَرَ بالصدقة لكن ما يتصدَّق الواحد بما فيه مثلة ، ( أَمَرَ بالصدقة ونهى عن المُثْلة ) ، المسلم يوصي أنُّو يجرحوا له عينه بعد موته منشان يأخذوا القرنية ويركبوها على عين إنسان أعمى أو أعور أو ما شابه ذلك ، فهذه مثلة ، ونهى الشارع الحكيم عن ذلك ، والإنسان لو فكَّر يجد أشياء كثيرة وكثيرة جدًّا ؛ 

(٥):

منها قال - عليه السلام - : ( إذا حملتم ميِّتًا فأسرعوا به إلى قبره ؛ فإما أن يكون صالحًا فخيرٌ تقدِّمونه إليه ، وإما أن يكون طالحًا فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ) . فلما بدنا نجري عملية لهذا الميت شو بدنا نساوي ؟ بدل ما نأخذه إلى المقبرة لأقرب وقت ممكن بدنا نحطو على المشرحة ، ونشوف أنو طبيب اللي راح يقوم ... ".[ من كلام الامام الالباني رحمه اللهُ تعالى من موقع بوابة تراث الالباني رحمه اللهُ تعالى بتصرف يسير ؛ تسجيلات متفرقة - شريط : ٨٦  ].

وهذا المنع من قبل هؤلاء الأئمة جرى في حكم التبرع بالأعضاء فكيف بمن يريد بيع أعضاء جسمه فلا شك ان التحريم هنا اشد لما فيه من المثلة وبيع مالا تملك فأنت عبد وملك لله سبحانه وتعالى 

ونقلت لك سابقا في ثنايا هذه الرسالة بأنه :" قد أتفق الفقهاء على عدم صحة بيع الإنسان ما لا يملك إذا لم يجزه مالكه ، ولم يكن البائع حاكماً ولا منتصفاً من حق له أو لغيره ".

اسأل الله الحي ذا الجلال والإكرام أن يبسط لنا ولك رزقه وفضله ورحمته وجوده وإحسانه وكرمه انه هو السميع البصير المجيب لمن دعاه 

والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

………..

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو الله مولاه : غازي بن عوض العرماني .

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2024

بسم الله الرحمن الرحيم( إيضاح عبارات في كتاب منازل السائرين للعلامة الهروي رحمه الله وشرحه مدارج السالكين للإمام ابن القيم رحمه اللهُ تعالى )





بسم الله الرحمن الرحيم 


السؤال الأول:

مامعنى العبارة التي ذكرها الهروي رحمه الله في كتابه:( منازل السائرين) ونصها :" الرجاء أضعف منازل المريد ".

السؤال الثاني:

إيضاح الحاشية رقم ( ٤ ) 

بارك الله فيك.




وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

اما بعد 

فجوابا لسؤالك الأول  :

في ( المتن ) 

ذكر الهروي رحمه الله تعالى :" ان منزلة الرجاء أضعف المنازل عند المريد ".

ومعنى كلامه : ان رجاء الله سبحانه وتعالى ومعلوم ان الرجاء عبادة فلعله أراد بقوله السابق ان الرجاء من أضعف العبادات وهذا قوله اذكره بالمعنى والمريد من ألفاظ الصوفية ولعلها تعني من يريد الله عز وجل او يعني بها طالب العلم.

وقوله هذا فيه نظر بل الرجاء عبادة عظيمة :" فمذهب أهل السنة والجماعة في الرجاء والخوف، الإيمان بذلك، والاستقامة على ذلك، فإن المؤمن يعبد الله وحده، ويخلص له العبادة، وهو مع ذلك يرجوه ويخافه، يرجو رحمته؛ فيسارع إلى مراضيه، ويخاف عقابه؛ فيبتعد عن مساخطه ومناهيه عز وجل كما قال سبحانه في عباده الصالحين من الرسل وأتباعهم: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }[الأنبياء:٩٠]، فقوله: رغبًا: هذا رجاء، ورهبًا يعني: خوفًا، هذه صفة أهل الإيمان من الرسل، وأتباعهم: أنهم يعبدون الله، ويدعونه عن إخلاص له، وعن محبة وتعظيم، وعن رغبة ورهبة { يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ }[الإسراء:٥٧].

فالواجب على كل مؤمن أن يكون هكذا، أن يكون مخلصًا لله، مؤمنًا بالله، موحدًا له سبحانه، يرجو رحمته، ويخشى عقابه -جل وعلا- وقال في الآية الأخرى: { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}[الإسراء:٥٧] فهذه صفة المؤمنين، التقرب إلى الله بطاعته؛ من الإخلاص، وأداء الفرائض، وترك المناهي، مع الخوف منه -جل وعلا- ورجاء رحمته، وإحسانه عز وجل .

أما المرجئة فغلبوا جانب الرجاء، وتساهلوا بجانب الخوف، والمعتزلة والجهمية وأشباههم غلبوا جانب الخوف، وفرطوا في جانب الرجاء، وأهل السنة والجماعة ضد ذلك، يؤمنون بهذا وهذا؛ يرجون رحمته ويوحدونه، ويسارعون إلى مراضيه مع الخوف منه سبحانه، والحذر منه، ويقولون: من مات على معصية وهو موحد مخلص لله، مؤمن لكنه مات على معصية من المعاصي لا يستحلها، مات على الزنا وهو زانٍ ما تاب، مات وهو يشرب الخمر، مات وهو عاق لوالديه، مات وهو يأكل الربا، أو نحو هذا من المعاصي، لكن لا يستحل ذلك، يعلم أنه عاصي، فهذا تحت مشيئة الله عند أهل السنة، تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له، وأدخله الجنة برحمته وإحسانه، وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها، ثم بعد التطهير والتمحيص، يخرجه الله من النار إلى الجنة برحمته وإحسانه -جل وعلا- ولا يخلد في النار إلا الكفرة، لا يخلد في النار إلا الكفار الذين بطلت أعمالهم لكفرهم وضلالهم، هؤلاء هم المخلدون في النار، كما قال الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].

ما دون الشرك من المعاصي تحت المشيئة، يغفره لمن يشاء من عباده لأعمال صالحة، وتقواه لله، أو بشفاعة الشفعاء كالنبي ﷺ والمؤمنين، والملائكة، والأفراط، أو بمجرد رحمته، وعفوه، وفضله عز وجل من غير شفاعة أحد.

هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي ﷺ وأتباعهم بإحسان، الإيمان بالله، والإخلاص له، والاستقامة على دينه، مع المحبة العظيمة، مع الرجاء والخوف، خلافًا للمرجئة، وخلافًا للوعيدية المعتزلة، وغيرهم.

والواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يسير على منهج السلف الصالح، وأن يعبد الله وحده عن إيمان، وعن صدق، وعن إخلاص، وعن رجاء وخوف، يؤدي فرائض الله، ويحذر محارم الله، وهو لا يأمن من مكره، بل يخافه ويرجوه، قال تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }[الأعراف:٩٩] ويقول النبي ﷺ: ( والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له) -عليه الصلاة والسلام- فهو مع كونه مغفورًا له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، ومع كونه سيد ولد آدم، ومع كونه، أفضل الناس، وأكمل الناس إيمانًا مع هذا يخاف الله، ويرجوه، بل يقول: (إنه أخشى الناس لله) ويقول: (والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له) عليه الصلاة والسلام.

ولهذا يقول السلف: من كان بالله أعرف؛ كان منه أخوف، كل ما زاد علم العبد بالله، وبأسمائه، وصفاته؛ زاد خوفه من الله، وزاد تعظيمه له، وزاد رجاؤه له، وزاد ثباته على الحق، واستقامته عليه، وحذره من خلافه ".

واما جواب سؤالك الثاني :

وهو ما ورد في ( الحاشية ) 

فيريد ابن القيم رحمه اللهُ تعالى ب( شيخ الإسلام) العلامة أبو إسماعيل الهروي رحمه اللهُ تعالى صاحب كتاب ( منازل السائرين إلى رب العالمين ) وشرحه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى بكتابه المعروف ب( مدارج السالكين)ويذكر الإمام ابن القيم رحمه اللهُ تعالى ان هذا العلامة الهروي رحمه اللهُ تعالى بأنه حبيب اليه ومن حبه شرح كتابه ( منازل السائرين ) لكن مع محبته وتقديره واحترامه لا يمنع من بيان الأخطاء العقدية التي وقع فيها العلامة إسماعيل الهروي رحمه اللهُ تعالى إذ ان الحق وبيانه أحب الي ابن القيم رحمه الله تعالى وهذه قاعدة علمية سنية سلفية فالحق لا يعرف بالرجال وإنما يعرف الرجال بالحق .

والشئ بالشئ يذكر فقد قد سئل الإمام الالباني رحمه الله تعالى عن كتاب ( مدارج السالكين للإمام ابن القيم رحمه اللهُ تعالى) فقال :

" أما بعض المؤاخذات فلا يخلو الأمر أما أني سميته بمدراج الهالكين فهذا زور مبين.." …وعند سؤاله عن "ذكر بعض مؤاخذات الكتاب هذا ".

قال رحمه اللهُ تعالى؛" لا ما يحضرني إلا أنه فيه عليه المسحة الصوفية ".[ سلسلة الهدى والنور - شريط رقم ( ٤٣٧ ) ].

والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

……….. 

كتبه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني  .

الأحد، 1 ديسمبر 2024

[ بيان أقوال كبار العلماء في حكم زواج الشغار ( البدل ) مقرونا بالأدلة الشرعية ].



بسم الله الرحمن الرحيم 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}

أما بعد :

فقد ورد الينا هذا السؤال من أحد طلاب العلم 

ونص سؤاله  : يقول ياشيخ أحسن الله إليك (ماحكم من يتزوج من شخص بدون صداق فيأخذ أبنته ويعطيه إبنته هكذا ويسمونه عندنا البديله ) يعني أزوجك بنتي وتزوجني بنتك بدون مهر فما حكم الفعل ياشيخ افيدوني جزاكم الله خير ؟

وإن كان هذا لايجوز نريد النصيحة لهؤلاء؟

فكانت إجابتنا بعد الحرص على الاختصار :


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

إذا زوج الرجل ابنته او أخته إلى رجل آخر على أن يزوجه ابنته او اخته بدون مهر فهذا يعرف بنكاح الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في آلسنة من حديث أبي هريرة وعبدالله بن عمر و جابر بن عبدالله رضي اللهُ عنهم : (أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عَنِ الشِّغَارِ )

وهو في البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى .

وفي صحيح مسلم رحمه اللهُ تعالى عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ ) .

وسمي نكاح البدل ونكاح الشغار لشغوره وخلوه من المهر .

وأهل العلم اختلفوا في صحة نكاح الشغار :

فمن أهل العلم من أجازه إذا تم تسليم مهر المثل إلى المرأتين المتزوجتين ؛ وكان الزواج برضاهما ولم يكن فيه إكراه او اجبار او ظلم .

قال الإمام محمد بن صالح  العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع لكتاب زاد المستقنع ( ١٢ / ١٧٤ ):

" إذا كان المهر مهر مثلها لم ينقص ، والمرأة قد رضيت بالزوج ، وهو كفء لها ، فإن هذا صحيح ، وهذا هو الصحيح عندنا ، أنه إذا اجتمعت شروط ثلاثة : وهي الكفاءة ، ومهر المثل ، والرضا ، فإن هذا لا بأس به ؛ لأنه ليس هناك ظلم للزوجات ، فقد أعطين المهر كاملاً ، وليس هناك إكراه ، بل غاية ما هنالك أن كل واحد منهما قد رغب ببنت الآخر ، فشرط عليه أن يزوجه ؛ فظاهر الأدلة يقتضي أنه إذا وجد مهر العادة ، والرضا ، والكفاءة : فلا مانع " انتهى كلامه رحمه الله تعالى و.

والقول الآخر :

قال بمنع هذا الزواج وقالوا : لايصح نكاح الشغار وان كان فيه مهر المثل لغلبة الظلم والإكراه في مثل هذا النكاح 

وفي الآثار الصحيحة :

عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ هُرمزَ الأعرَجِ: أنَّ العبَّاسَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ العبَّاسِ أنكَحَ عبدَ الرَّحمنِ بنَ الحَكَمِ ابنَتَه، وأنكَحَه عبدُ الرَّحمنِ ابنَتَه، وكانا جَعَلَا صَداقًا، فكتب مُعاويةُ إلى مَروانَ يأمُرُه بالتَّفريقِ بينهما، وقال في كتابِه: ( هذا الشِّغارُ الذي نهى عنه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ).

رواه أحمد وأبو داود رحمهما الله تعالى ومال إلى تحسينه الإمام الألباني رحمه اللهُ تعالى في صحيح سنن أبي داود حديث رقم ( ٢٠٧٥ ).


سئل الإمام مالك رحمه الله ما نصه :

" أَرَأَيْتَ نِكَاحَ الشِّغَارِ إذَا وَقَعَ ، فَدَخَلَا بِالنِّسَاءِ وَأَقَامَا مَعَهُمَا حَتَّى وَلَدَتَا أَوْلَادًا ؛ أَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا أَمْ يُفْسَخُ ؟

قَالَ : قَالَ مَالِكٌ : يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ " انتهى كلامه رحمه الله تعالى [ المدونة الكبرى ( ٢ / ٩٨ )].

وهذا القول اختار صحته الإمام ابن باز رحمه الله تعالى 

حيث قال رحمه اللهُ تعالى:" نكاحُ البَدَلِ لا يجوز، ويُسمَّى نكاحَ الشِّغار، وقد نهى عنه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في عِدَّةِ أحاديثَ، فلا يجوزُ نِكاحُ البدل بالمُشارَطةِ، يقول هذا: زوِّجْني أختَك وأُزوِّجُك أختي، أو زوِّجْني بِنتَك وأزوِّجُك بنتي، هذا هو نكاحُ البَدَلِ، ويقال له: نكاحُ الشِّغارِ، ولو سَمَّى مَهرًا، ولو تساوى المَهرُ، ولو اختَلَفَ المهر، ما دام فيه مُشارطةٌ لا يجوزُ ". انتهى كلامه رحمه اللهُ تعالى من فتاوى نور على الدرب ( ١٢ / ٢٦  ).

وفي فتاوى اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية في المجلد الثامن عشر صفحة ( ٤٢٧ ) أتى ما نصه : " إذا زوَّج الرَّجُلُ مَوْليَّتَه لرجُلٍ على أن يزوِّجَه الآخَرُ مَوليَّتَه، فهذا هو نِكاحُ الشِّغار الذي نهى عنه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا هو الذي يسمِّيه بعضُ النَّاسِ نكاح البدَل، وهو نكاحٌ فاسِدٌ، سواءٌ سمِّي فيه مهرٌ أم لا، وسواءٌ حصل التراضي أم لا ". 

وهنا كلام جميل وتفصيل بديع ذكره الإمام الالباني رحمه اللهُ تعالى فقد أتاه سائل يسأله وهذا نص السائل : الأسئلة الواردة من إخواننا أولا ما حكم الشرع في البديلة وهو أن يزوج الرجل ابنته لولد الرجل الآخر والرجل الآخر يزوج ابنته إلى ولد الرجل الأول و كل واحدة بصداق ولو ترك أحد الأولاد زوجته ليس للثاني علاقة بها ولا تضر بذلك علما أن الزوجتان أنجبتا عدة أولاد وبعد مضي خمسة وعشرين عاما يفتي أحد العلماء بأنه يجب التفريق كل من الزوجين من زوجاتهما هل هذا صحيح أو خطأ؟

فكان جواب الشيخ رحمه اللهُ تعالى : " إذا كان كما يقول العلماء الفتوى على قدر النص أي كان السائل حرر الواقع تحريرا صحيحا فالجواب أن هذا النكاح صحيح ذلك لأن من يشير إليه من بعض المشايخ لما حكم بوجوب فسخ هذا النكاح تصور أن هذا النكاح كان شغارا وقد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام في غير ما حديث واحد عن الشغار وقال ( لا شغار في الإسلام ) إلا أن العلماء اختلفوا في الشغار في حقيقته ما هو؟ هو في الأصل تبادل رجل عنده بنت وآخر عنده بنت فكل واحد يأخذ بنت الثاني هذا هو أصل الشغار بعدين بييجي الخلاف وليس في صورة خاصة بالبنت واحد عنده أخت وآخر عنده أخت فكل واحد يأخذ أخت الآخر هذا من الشغار لكن من تمام الشغار أن يجعل كل منهما مهره الذي يجب عليه هو أخته أو بنته التي يقدمها للآخر فكأنه تبادل بضاعة مقايضة طبعا هذا لا يجوز في الإسلام لأن في هذا تحريم حق البنت الذي هو المهر من هنا يبدأ الخلاف فمن تمام الشغار أنه يقع أحد الزوجين بيغضب لسبب من زوجته فيطلقها فبتروح عند أخوها أو لعند أبيها بيقوم ذاك الثاني بدوره بيطلق التي عنده من أخت أو بنت و هكذا يكون الشغار سببا في زيادة الفرقة ووقوع الطلاق بين المتزوجين هذا هو الشغار المعروف في الجاهلية والذي نهى عنه رسول صلى الله عليه وسلم أما إذا لم يكن من هذه الشغار سوى مجرد تبادل مع القيام بكل شروط النكاح أنا عندي أختي وأعطيت زيدا من الناس هذه الأخت وهو في المقابل أعطاني أخته لكن كل أعطى ما يجب عليه من مهر هذا من جهة، ومن جهة ثانية ما نربط كل منا سبيل ما عنده من زوجة بالأخرى وحدة ... أمرها مع زوجها ... الأخرى عند زوجها إذا كان مجرد تبادل بدون إيش مراعاة لتمام الشغار الجاهلي يعني مثل واحد أخذ قريب أو قريبة و أعطى بنته أو أخته لقريب له فهذا لا حرج فيه إطلاقا ما دام أن المهر موجود ما دام أن الشرط التطليق بالمقابلة غير وارد فإذا كانت الحادثة كما ذكر الرجل على حسب ما فهمت فهذا النكاح ليس شغارا ما دام كل واحد دفع المهر و كل واحد يلتزم الأداب الشرعية بينه وبين زوجته لكن أخشى ما نخشى أن يكون في الحادثة شيء من التفاصيل لم يستوعبها السائل ربما أو استوعبها السائل لكن الشيخ المفتي ما استوعب ذلك فأفتى بفساد هذا النكاح و بطلانه غيره ". انتهى كلامه رحمه الله تعالى [ متفرقات للألباني رحمه الله تعالى ( ٢٨٣ )].

وبناء على ماذكره أهل العلم مقرونا بالأدلة فإن ( حكم من يتزوج فيأخذ بنت هذا او اخته ويزوجه الآخر بنته او اخته

 بلا صداق ولامهر المثل وقد يكون في هذا الزواج ظلم للمرأتين وإجبار لهماواكراه لهما فإن اهل العلم يرون تحريمه عملا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ونصيحتي لمن يعمل بهذا العمل أن يتق الله في بنته وأخته فهن في ذمته وامانة في عنقه والله تعالى نهى عن قطيعة الرحم فقال سبحانه وتعالى :{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }.[سورة محمد : الآية ٢٢-٢٤ ].

وفي مسند الإمام أحمد رحمه اللهُ تعالى حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ( لا يكون لأحدٍ ثلاثُ بنات، أو ثلاث أَخَوات، أو ابنتان أو أختان، فيتقي الله فيهن ويُحسن إليهنَّ، إلا دخَلَ الجنة ).وأخرج " الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ( من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابًا من النار يوم القيامة).

وهذا يدل على فضل الإحسان إلى البنات والقيام بشئونهن؛ رغبةً فيما عند الله عز وجل  فإن ذلك من أسباب دخول الجنة والسلامة من النار.

ويرجى لمن عال غير البنات من الأخوات والعمات والخالات وغيرهن من ذوي الحاجة فأحسن إليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن أن يحصل له من الأجر مثل ما ذكر النبي ﷺ في حق من عال ثلاث بنات، وفضل الله واسع ورحمته عظيمة، وهكذا من عال واحدة أو اثنتين من البنات أو غيرهن فأحسن إليهن يرجى له الأجر العظيم والثواب الجزيل، كما يدل على ذلك عموم الآيات والأحاديث في الإحسان إلى الفقير والمساكين من الأقارب وغيرهم".[ مجموع فتاوى ومقالات الإمام  ابن باز رحمه الله تعالى ( ٢٥ / ٣٦٤ )].

فليحذر المسلم من الذنوب والخطايا والسيئات ومنها الإساءة إلى من تحت يده من أخت  او بنت فهن أمانة فليقوم بالوفاء بهذه الامانة على أكمل وجه وعدم التقصيرفي حقوقهن فما عند الله الباقي الذي لا يفنى ولا ينفد ؛ رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح والرزق الحلال الطيب المبارك وحسن الخاتمة.

والله تعالى أعلى وأعلم وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين اجمعين وسلم تسليما.

••••••••••••••

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو الله مولاه : غازي بن عوض بن حاتم العرماني .