بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده ورسوله المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
اما بعد
فقد أورد احد طلاب العلم شبهة وهو على المنبر في تأصيله المبتدع المخالف للشرع المنزل و اتباعه لهواه في تجويزه للإنكار علانية على ولي الأمر.
مستدلا بما جرى على الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في فتنة خلق القرآن وهي الفتنة التي احدثتها فرقة المعتزلة الخوارج وقد قربهم
الخليفة عفا الله عنه فأصبحوا من ندمائه فحاولوا استمالة الخليفة لصفهم لبلاغتهم وفصاحة لسانهم وقد نجحوا في ذلك لاستخدامه في نشر عقيدتهم التكفيرية المخالفة لدين الإسلام و قد رأوا أن الخليفة جاهل من جهتين اولا :
جهله بالعلم الشرعي.
وثانيا :
جهله بحالهم لتلونهم ولاحسانه الظن فيهم فامتحنوا المسلمين ببدعة منكرة لم يأمر بها الشرع المنزل فلم ترد في كلام الله سبحانه وتعالى أو في كلام رسوله صلى الله عليه وسلم
حينما طلب الخليفة العباسي الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى الحضور .
فحضر وأخبره بما يعتقده
ولم يكن في هذه القصة إنكار على ولي الأمر
وقد جرت مناظرة بينه وبين حاشية السوء من فرقة المعتزلة الخوارج أمام الخليفة. وقام الإمام أحمد رحمه الله في بيان دين الله سبحانه وتعالى بالأدلة الشرعية والحجج العقلية بعلم وعدل وانصاف وحكمة في أدب جم وحسن تعامل مع الخليفة بحضرته وفي مجلس الخليفة وليس أمام العامة وليس فيه الإنكار العلني على ولي الأمر كما زعم ذلك من قل فقهه.
وفي كتب السنة :
قال حنبل بن الإمام أحمد رحمهما الله: " اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله [ يعني أحمد بن حنبل] وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا – يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك- ، ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فناظرهم في ذلك وقال: عليكم بالإنكار بقلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر أو يُستراح من فاجر، وقال: ليس هذا بصواب، هذا خلاف الآثار "
ثم إن المتعبد فيه هو كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فهذا هو دين الإسلام الذي ارتضاه الله دينا لعباده فكيف
يقدم رأي الفقهاء - أن ثبتت صحته - على كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم
أنظروا إلى كلام الله سبحانه وتعالى اذ يقول لرسله الكرام وهما موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام :{فقولا له قولا لينا}
هذا القول لفرعون الكافر الذي أخبر الله عنه أنه قال : { انا ربكم الاعلى }
فهذا امر ربنا في توجيه رسله الكرام عليهما الصلاة والسلام في كيفية التعامل مع ملوك الكفرة
فكيف يخالف الشرع في تعاملنا مع ولاة أمرنا من المسلمين الذين تربطنا فيهم إخوة الإسلام والقرابة والجيرة ولهم في أعناقنا بيعة شرعية يجب الوفاء بها ..
والنصح سرا لولي الأمر و حرمة إعلان ذلك ليس محل اجتهاد بل هو نص سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فمن الأدلة المستفيضة في ذلك منها :
[ أ ]
قد روى عياض بن غنم الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال : ( من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه ) رواه احمد في مسنده رحمه الله وابن ابي عاصم في السنة رحمه الله
وصححه الامام الالباني رحمه الله
وانظر القيود التي وردت في الحديث والاحترازات فمنها
[ أولا ]
قوله صلى الله عليه وسلم:(لايبدها علانية) أي النصيحة لاتكون علانية .
[ ثانيا ]
وقوله صلى الله عليه وسلم:( يأخذ بيده) أي أن الناصح يأخذ بيد ولي الأمر وهذا أمر واضح بأن تكون النصيحة سرا .
[ ثالثا ]
قوله صلى الله عليه وسلم :( فيخلوا به ) احترازا ثالثا عن تحريم النصيحة علانية لولي الأمر ووجوب أن تكون سرا بحيث لا يعلم عن هذه النصيحة أحد من الناس .
ومن الادلة
[ ب ]
عن سعيد بن جهمان قال: (أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر فسلمت عليه.. قلت: فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم. قال: فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال: ويحك يا ابن جهمان عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته فأخبره بما تعلم فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه) رواه احمد وهو حديث صحيح.
[ ج ]
مخالفتهم لنهج السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم وكبار علماء الاسلام في كيفية نصح ولاة الأمر .
يدل على صحة هذه الفقرة سؤال وجه للامام ابن باز رحمه الله هذا نص السؤال :
" س: هل من منهج السلف نقد الولاة من فوق المنابر؟ وما منهج السلف في نصح الولاة؟
فكان جوابه رحمه الله : " ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير.
أما إنكار المنكر بدون ذكر الفاعل: فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الرباض من دون ذكر من فعله، فذلك واجب؛ لعموم الأدلة.
ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر من فعلها لا حاكما ولا غير حاكم.
ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان : قال بعض الناس لأسامة بن زيد : ألا تكلم عثمان؟ فقال: إنكم ترون أني لا أكلمه، إلا أسمعكم؟ إني أكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرًا لا أحب أن أكون أول من افتتحه.
ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان وأنكروا على عثمان علنا عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علنا، حتى أبغض الكثيرون من الناس ولي أمرهم وقتلوه، وقد روى عياض بن غنم الأشعري، أن رسول الله ﷺ قال: ( من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه ) .
نسأل الله العافية والسلامة لنا ولإخواننا المسلمين من كل شر، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وآله وصحبه"
انتهى كلامه رحمه الله[ مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز ( ٨ / ٢١٠ )] وطريقة السلف الصالح في الانكار تجب عند تأكد روية المنكرات اذا كانت المنكرات عامة فاشية معلنة فيقوم بإنكارها اهل العلم فقط
سرا بينهم وبين الجهة او الجهات المسؤولة لئلا يترتب على المنكر منكر أعظم منه
ومن انكار المنكر ذكره
بالادلة التي تحرمه وتمنعه دون ذكرالفاعل فينكر المعصية كالزنى او الخمر دون ذكر من فعله كما ذكرنا سابقا في فتوى الامام ابن باز رحمه الله
و ان يكون انكار المنكر وفق السنة التي ذكرناها كما مر في حديث الصحيح . واما خلاف ذلك من انكار العامةاو انكارها علانيةفليست بسنة وليس هنا انكار منكر بل هو المنكر بعينه اذ يترتب على هذه الطريقة مفاسد عظيمة يعرف ذلك طلاب العلم السني السلفي الذين تربوا على يد علماء السنة السلفيين وقرأوا كتبهم واتبعوا جادة السلف الصالح ولزموا غرز كبار علماء الأمة وقد اوردنا كلام الامام ابن باز رحمه الله في كيفية الانكار والنصح السليم الموافق للشرع والعقل .
[ د ]
نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التشبه في ملل الكفر فقال صلى الله عليه وسلم:( من تشبه بقوم فهو منهم ) فهذه الطريقة هي عين طريقة الكفار في انكارهم على حكامهم وهي كذلك عين طريقة الخوارج فهذا التشبه محرم في شرع الله .
[ ها ]
سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها الرحمة والسعادة في الدارين فمن خالف السنة فهو على خطر عظيم قال الله تعالى وتقدس:{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: " وقوله : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره ) أي : عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو سبيله ومنهاجه وطريقته[ وسنته ] وشريعته ، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله ، فما وافق ذلك قبل ، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله ، كائنا ما كان ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .
أي : فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطنا أو ظاهرا ( أن تصيبهم فتنة ) أي : في قلوبهم ، من كفر أو نفاق أو بدعة ، ( أو يصيبهم عذاب أليم ) أي : في الدنيا ، بقتل ، أو حد ، أو حبس ، أو نحو ذلك .
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا ، فلما أضاءت ما حولها . جعل الفراش وهذه الدواب اللاتي [ يقعن في النار ]يقعن فيها ، وجعل يحجزهن ويغلبنه ويتقحمن فيها " . قال : " فذلك مثلي ومثلكم ، أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار ، فتغلبوني وتقتحمون فيها " . أخرجاه من حديث عبد الرزاق " .انتهى كلامه رحمه الله.
والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
°°°°°°°°°°°°°°°°
كتبه واملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني.