بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
اما بعد
فالإيمان بالميزان أو الموازين هي احد الأصول العقدية في دين الإسلام وهي من صميم معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح لدلالة الكتاب العزيز والسنة النبوية وإجماع أهل الإسلام ؛ ومن اطلع على كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم يجد أن ثمت موازين متعددة وليست ميزانا واحدا فقط ؛ وعند الإطلاع على كتب العقيدة يجد ذكر لفظ الميزان مفردا كما قال الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله :
"السنة عشرة فمن كن فيه فقد استكمل السنة، ومن ترك منها شيئاً فقد ترك السنة: إثبات القدر، وتقديم أبي بكر وعمر، والحوض، والشفاعة، والميزان، والصراط، والإيمان قول وعمل، والقرآن كلام الله، وعذاب القبر والبعث يوم القيامة، ولا تقطعوا بالشهادة على مسلم". [اعتقاد أهل السنة لللالكائي ( ١ / ١٥٥ )]. ؛ فذكره بصيغة الإفراد وليس بصيغة الجمع ولا يعني هذا إنكار تعدد الموازين إذ "لا شك أن لفظ القرأن لا يجوز تغييره وتبديله فمادام أن الله عز وجل أطلق لفظة الموازين فهي موازين ولا مانع أن تكون هذه الموازين كما نعلم من أمور الغيب مختلفة وليس ينبغي أن نتصوّرها ميزانا معيّنا كيف والموازين في الدنيا الأن قد تعددت وتنوّعت، فمن باب أولى أن يكون يوم القيامة أن تكون هناك موازين متعددة فمادام أن الله عز وجل جمع الموازين في مثل هذا اللفظ القرأني فأعتقد أنه من التعطيل بمكان أن يُفسّر الموازين بالميزان وهذا ليس من طريقة السلف"[ من كلام الإمام الألباني رحمه الله ؛ فتاوى جدة(٢٦ ب)].
والذي يظهر لي والله أعلم ان من افرد لفظ الميزان فلعله أراد إطلاق الجزء ويريد به كل أنواع الموازين ولهذا نظائر في لغة العرب مثل : قوله تبارك وتعالى في الآية :{ أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر } فقوله تعالى وتقدس :{ وقرآن الفجر }
اي جميع صلاة الفجر بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها بما فيها قراءة ما تيسر فيها من القرآن الكريم ؛ وهذا أسلوب معهود في اللغة العربية وقد يكون بإعتبار جنس الميزان وأن تحته أنواع ؛ وللقول بصيغة الإفراد دليل صحيح من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( يُوضَعُ المِيزَانُ يومَ القيامةِ، فَلَوْ وُزِنَ فيهِ السَّمَوَاتُ و الأرضُ لَوَسَعَتْ ، فَتقولُ الملائكةُ : يا رَبِّ لِمَنْ يزِنُ هذا ؟ فيقولُ اللهُ تعالى : { لِمَنْ شِئْتُ من خَلْقِي }، فَتقولُ الملائكةُ : سبحانَكَ ما عَبَدْناكَ حقَّ عِبادَتِكَ ، و يُوضَعُ الصِّرَاطُ مِثْلَ حَدَّ المُوسَى ، فَتقولُ الملائكةُ : مَنْ تُجِيزُ على هذا ؟ فيقولُ : { مَنْ شِئْتُ من خَلْقِي }، فَيقولونَ : سبحانَكَ ما عَبَدْناكَ حقَّ عِبادَتِكَ) ..
رواه الحاكم رحمه الله وصححه الإمام الألباني رحمه الله في [ السلسلة الصحيحة( ٢ / ٦١٩) حديث رقم( ٩٤١)].
والموازين التي أتت في كلام الله سبحانه وتعالى وفي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لها أنواع منها :
[[ النوع الأول ]]
ميزانان في الدنيا قبل الآخرة
وهما نوعان كذلك :
( النوع أ ) :
ميزان العدل في الدنيا والذي انزله الله وأمر به ودليل هذا النوع قول الله تعالى وتقدس :
{ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ . أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ . وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ }
وهذا الميزان ليس الميزان الاخروي الذي يوزن به الخلق وأعمالهم يوم القيامة وإنما هو الميزان في الدنيا وهو الميزان " المعروف، والمكيال الذي تكال به الأشياء والمقادير، والمساحات التي تضبط بها المجهولات، والحقائق التي يفصل بها بين المخلوقات، ويقام بها العدل بينهم "[ تفسير السعدي رحمه الله ]
" قال مجاهد : أراد بالميزان العدل . المعنى : أنه أمر بالعدل" [تفسير البغوي رحمه الله ]. ومن الأدلة على هذا الميزان قوله تعالى وتقدس : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط }
( النوع ب ) :
ميزان العدل في القضاء بين العباد وفق مايقضيه الله ويقدره من سعادة وشقاء وفق رحمة الله وفضله أو اقتضاء لحكمته وعدله جعلنا الله وإياكم من أهل السعادة والجنان وابعدنا الله وإياكم عن أهل الشقاء والنيران يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ؛ ورفعنا الله وإياكم بطاعته وابعد عنا وعنكم الشرك والكفر والبدع والمعاصي ودليل هذا النوع قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ما مِن قلبٍ إلَّا وَهوَ بينَ إصبَعَينِ مِن أصابعِ ربِّ العالمينَ إن شاءَ أن يُقيمَهُ أقامَهُ وإن شاءَ أن يُزيغَهُ أزاغَه وَكانَ يقولُ : يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلوبَنا علَى دينِكَ والميزانُ بيدِ الرَّحمنِ عزَّ وجلَّ يخفضُهُ ويرفعُهُ) .رواه الإمام أحمد في المسند وابنه عبدالله في السنة والنسائي وابن ماجه رحمهم الله عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم منهم أبي هريرة و أبي بكرة نفيع بن الحارث والنواس بن سمعان رضي الله عنهم أجمعين.
وصححه الإمام الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم ( ٢٠٩١)وصححه في كتاب السنة لعبدالله بن الإمام أحمد حديث رقم( ٥٥٢) .
[[ النوع الثاني ]]
ميزان وزن العباد ودليل هذا النوع قول الرسول الله صل الله عليه وسلم :
( بينما انا بين النائم واليقظان - اذا أتاني جبريل وميكائيل في المنام . فقال جبريل لميكائيل : زنه يا ميكائيل
فوزنني ميكائيل بعشرة رجال
فرجحت بهم .فقال جبريل : زنه بمئة رجل
فوزنني بمئة رجل فرجحت بهم .فقال جبريل : زنه بألف رجل فوزنني بألف رجل فرجحت بهم : فقال جبريل :والذي بعثه بالحق لو وزناه بأهل السموات والأرض لرجح بهم )
أخرجه البزار وابن عساكر رحمهما الله وابن إسحاق رحمه الله في سيرته وقوى اسناده الإمام ابن كثير رحمه الله في سيرته ( ١ / ٢٨٨ ) وصححه الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة ؛ قال الإمام الألباني رحمه الله:
" أصل الحديث :( رؤيا رآها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه وضع في كفة والأمة في
كفة فرجح بهم، ثم وضع أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر، ثم عثمان )أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (١١٣٥ - ١١٣٩) من طرق عن أبي بكرة
وأعرابي، وابن عمر، وفي "المجمع" (٩/ ٥٩) شواهد أخرى، يدل مجموع طرقه
على أن للحديث أصلاً، ولذلك صححته في "ظلال الجنة ". والله أعلم " انتهى كلامه رحمه الله. ولمزيد من الايضاح ينظر رسالتنا السابقة في الموازين والمرفق رابطها بهذه الرسالة .
[[ ميزان وزن أعمال العباد ]]
ومن ادلة هذا النوع حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ أَفَلَكَ عُذْرٌ فَيَقُولُ لا يَا رَبِّ فَيَقُولُ بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ احْضُرْ وَزْنَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ فَقَالَ إِنَّكَ لا تُظْلَمُ قَالَ فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ فَلا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ ) أخرجه الإمام أحمد والترمذي رحمهما الله .
وللإمام أبو القاسم حمزة بن محمد الكناني المصري رحمه الله في هذا الحديث جزء [ جزء البطاقة ]وابن المبارك رحمه الله في الزهد وابن ماجه وابن حبان والحاكم رحمهم الله والبيهقي رحمه الله في شعب الإيمان والخطيب رحمه الله في موضح الأوهام والمزي رحمه الله في تهذيب الكمال والذهبي رحمه الله في معجم المحدثين وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( ١٧٧٦) ( ٨٠٩٥)وفي شرح الطحاوية ( ٤١٧ ) وفي تخريج مشكاة المصابيح ( ٥٤٩٢) وصححه في صحيح سنن الترمذي ( ٢١٢٧)
وصححه الإمام مقبل الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند حديث رقم ( ٧٩٢).
ومن الأمور المهمة الملحقة بالإيمان في الميزان الأماكن التي يطلب منها شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد اذن الله للشافع ورضاه عن المشفوع
ودليل هذا حديث أَنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ , فَقَالَ : ( أَنَا فَاعِلٌ ) قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ ، قَالَ : ( اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ ) ، قَالَ : قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ ؟ قَالَ : ( فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ ) ، قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ ؟ قَالَ : ( فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْحَوْضِ فَإِنِّي لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ الْمَوَاطِنَ )
أخرجه أحمد و الترمذي رحمهما الله واللالكائي رحمه الله في [ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ] والضياء رحمه الله في [ المختارة ] وصححه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة ( ٢٦٣٠ ) وفي صحيح الترمذي ( ٢٤٣٣) وفي صحيح الترغيب ( ٣٦٢٥).
ومن أراد زيادة العلم والإفادة فعليه بالكتب العقدية لأهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح ولنا رسالة بهذا الخصوص تحدثنا فيها عن الميزان والموازين وفيها مزيد بسط ؛ هذا هو رابطها :
《 وجوب الإيمان في الموازين يوم القيامة 》
https://ghazialarmani.blogspot.com/2022/05/blog-post_16.html?m=1
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
•••••••••••
كتبه: غازي بن عوض العرماني