بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد
فإن من رحمة الله وفضله على عباده أن دلهم على أسباب سعادتهم في الدارين فمن ذلك غض البصر الموجب لحفظ الفرج فمع كونه طاعة لله سبحانه وتعالى وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم فهو سلامة وصحة وعافية وشفاء لما في الصدور من عللها الخفية وادوائها الروحية وأمراضها النفسية
مع ما في غض البصر من سبب عظيم في زيادة وقوة الباءة الجنسية وابتعاد عن ضعفها لدى الرجل فضل من الله ورحمة وكل ذلك بسبب تقوى الله سبحانه وتعالى والبعد عن محارم الله وأنتم أيها الإخوة طلاب العلم قراتم قوله تعالى وتقدس : { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }
" هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم ، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه ، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم ، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد ، فليصرف بصره عنه سريعا امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم ، كما في حديث جرير بن عبد الله البجلي ، رضي الله عنه ، قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، عن نظرة الفجأة ، :( فأمرني أن أصرف بصري ) . رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه.
وفي الحديث الصحيح عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والجلوس على الطرقات ) . قالوا : يا رسول الله ، لا بد لنا من مجالسنا ، نتحدث فيها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أبيتم ، فأعطوا الطريق حقه ) . قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال : ( غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ) .
ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب ، كما قال بعض السلف : " النظر سهام سم إلى القلب " ; ولذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك ، فقال : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم }
وحفظ الفروج يكون بأمرين :
أولها :
ابتعاد المسلم عن الزنى وحفظ فرجه من الوقوع في الحرام يقول الله تعالى وتقدس : {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين }.
الثاني :
حفظ النظر عن ما حرم الله سبحانه وتعالى
وفي حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال
يا رسولَ اللَّهِ عوراتُنا ما نأتي منها وما نذَرُ .
قالَ :( احفَظْ عورتَكَ إلَّا من زوجتِكَ أو ما ملكت يمينُكَ ).
قلتُ يا رسولَ اللَّهِ:
أرأيتَ إن كانَ القومُ بعضَهم في بعضٍ. قالَ:( فإنِ استطعتَ أن لا تُريَها أحدًا فلا تُرينَّها). قلتُ يا رسولَ اللَّهِ : فإن كانَ أحدُنا خالِيًا .
قالَ :( فاللَّهُ أحقُّ أن يُستحيا منهُ منَ النَّاسِ ).
رواه الإمام ابن ماجه رحمه الله في سننه وصححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه حديث رقم( ١٥٧٢ ).
وفي قوله تعالى وتقدس : { ذلك ازكى لهم }
فيه طهارة للقلوب وزكاة لها وأنقى للدين .
و من الماثور عن سلفنا الصالح قولهم : " من حفظ بصره ، أورثه الله نورا في بصيرته " و" في قلبه "
"فإن من حفظ فرجه وبصره، طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش، وزكت أعماله، بسبب ترك المحرم، الذي تطمع إليه النفس وتدعو إليه، فمن ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه، ومن غض بصره عن المحرم، أنار الله بصيرته، ولأن العبد إذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته، مع داعي الشهوة، كان حفظه لغيره أبلغ، ولهذا سماه الله حفظا، فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه، وعمل الأسباب الموجبة لحفظه، لم ينحفظ، كذلك البصر والفرج، إن لم يجتهد العبد في حفظهما، أوقعاه في بلايا ومحن"[ ما بين "" من تفسير السعدي رحمه الله لهذه الآية الكريمة ]
《 من مضار إطلاق البصر 》
انتشار الفاحشة مثل الزنى والسفاح واللواط وارتكاب العادة السرية و اتيان البهائم والشذود الجنسي وفشو أمراض الانحلال الخلقي مثل السيلان والهربس والايدز
ومعصية أوامر الله فهو سبب من اسباب جلب غضب الله وسخطه .
وقد ذكر الأطباء في رسائل وابحاث عدة بينت عظيم خطر إطلاق النظر ومما ذكروه بهذا الصدد قولهم أنه :"قد أجمعت الأبحاث على أن المؤثرات الخارجية وأهمها البصر واللمس والشم و السمع على الترتيب هى التى تتحكم فى إنطلاق الإثارة الجنسية وأن التغيرات الفسيولوجية وإفراز الهرمونات الجنسية التى تحفز السلوك الجنسى تأتى تبعا لذلك "
و " ثبت علميا أن البصر يلعب دورا هاما فى الإثارة الجنسية "
و" إن ادامة النظر تؤدي إلى تزايد افراز الهرمونات الجنسية والرغبة فى إكتمال الفعل الجنسى مما يؤدى إلى إستثارة الجهاز العصبى بشدة ينتج عنها أضرار بدنية إذا لم يتم تفريغ هذه الطاقة مثل زيادة ضربات القلب و الإجهاد القلبى ومن النتائج السيئة
أنه " يؤدى الى آثار ضارة على خلايا المخ الخاصة بالذاكرة وتجميع واسترجاع المعلومات"
و " فقدان السيطرة على النفس نتيجة الإنفعالات الشديدة والنشاط الزائد لمراكز المخ المتحكمةفى الإستثارة الجنسية فضلا عن زوال التأثير المثبط لمركز الخ فى المنطقة الصدغية مما يجعل السلوك الإنسانى خارج دائرة التحكم "
مما ينتج عن إطلاق البصر اضرار منها :
انتشار الفاحشة مثل الزنى والسفاح والاغتصاب واللواط وارتكاب العادة السرية و اتيان البهائم وفشو أمراض الانحلال الخلقي مثل السيلان والهربس والايدز وهذا بسبب معصية أوامر الله التي تجلب غضب الله وسخطه .
《 منافع غض البصر 》
قوة الجسم ونشاطه وسلامته من الشذوذ الجنسي والانحلال الخلقي والأمراض الروحية وبعده عن الفاحشة وقبل ذلك طاعة أمر الله الموجب لرضاه ورحمته وسعادته في الدارين
وفي تفسبر قوله تعالى وتقدس : { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة : " يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء ، جليلها وحقيرها ، صغيرها وكبيرها ، دقيقها ولطيفها ; ليحذر الناس علمه فيهم ، فيستحيوا من الله حق الحياء ، ويتقوه حق تقواه ، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه ، فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر .
قال ابن عباس في قوله : { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور }وهو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم ، وفيهم المرأة الحسناء ، أو تمر به وبهم المرأة الحسناء ، فإذا غفلوا لحظ إليها ، فإذا فطنوا غض ، فإذا غفلوا لحظ ، فإذا فطنوا غض [ بصره عنها ] وقد اطلع الله من قلبه أنه ود أن لو اطلع على فرجها . رواه ابن أبي حاتم .وقال الضحاك : { خائنة الأعين } هو الغمز ، وقول الرجل : رأيت ، ولم ير ; أو : لم أر ، وقد رأى .
وقال ابن عباس : يعلم [ الله ] تعالى من العين في نظرها ، هل تريد الخيانة أم لا ؟ وكذا قال مجاهد ، وقتادة .
وقال ابن عباس في قوله : { وما تخفي الصدور } يعلم إذا أنت قدرت عليها هل تزني بها أم لا ؟ .
وقال السدي : { وما تخفي الصدور } أي : من الوسوسة " . انتهى كلامه رحمه الله .
وفي الحديث الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :( إنَّ اللَّهَ كَتَبَ علَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أدْرَكَ ذلكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، والنَّفْسُ تَمَنَّى وتَشْتَهِي، والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذلكَ أوْ يُكَذِّبُهُ) . رواه البخاري رحمه الله ...
فإنشغال الآلة الحسية من عين أو لسان او أعمال التفكير في الحرام وتخيله مؤدية إلى الفعل المحرم ( والفرج يصدق ذلك ) ( أو يكذبه ) اي يبعد عن الفعل المحرم ويتركه فضلا من الله ورحمه ...
فكونوا عباد الله على جانب عظيم من تقوى فإنه يسمعكم ويراكم فأستحيوا من الله حق الحياء
ياطالب العلم
يامن يريد الله والدار الآخرة
فأنت تعلم أنه مامن خير إلا والله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إلا دلنا و نبهنا عليه وما من شر إلا حذرنا منه فاعلم أن :
《 معالجة ادواء الشهوة تكمن في أمور منها 》
( أولا )
أعلم أن الله يراك :
وإِذا خَلَوتَ بِرِيبَةٍ في ظُلمَةٍ والنَفسُ داعيَةٌ إلى الطُغيانِ فاِستَحيِ مِن نَظَرِ الإِلَهِ وقل لها إنَّ الَّذي خَلَقَ الظَلامَ يَراني .
وهذا فضل مراقبة الله سبحانه وتعالى وتعلم توحيده فلا تنظر إلى عظم المعصية ولكن أنظر عظيم من عصيت تعالى ربنا وتقدس رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.
( ثانيا )
من تزوج ومن لم يتزوج فعليه بغض البصر امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى وطاعة لله سبحانه وتعالى وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.
( ثالثا )
من تزوج فمن رأى امرأة لا تحل له في تكرار للنظر أو تعمد وهذا محرم فعله أو بدر منه نظر من غير تعمد فعليه اتيان زوجته فقد قالَ الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ المَرْأَةَ تُقْبِلُ في صُورَةِ شيطَانٍ، وَتُدْبِرُ في صُورَةِ شيطَانٍ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ؛ فإنَّ ذلكَ يَرُدُّ ما في نَفْسِهِ ) رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه.
ومن الأمور كذلك المعينة عن البعد عن الحرام تعدد الزوجات فالله تعالى يقول وقوله الحق :{ فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( خيركم اكثركم نساء) .
( رابعا )
من لم يتزوج من شباب الإسلام فعليه بعد غض البصر بالصيام امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قال الإمام ابن باز رحمه الله :" الواجب على مَن استطاع أن يُبادر بالزواج، وألا يتخلَّف عن ذلك بأعذارٍ واهيةٍ، تارةً يقول: حتى أُكمل الدراسة، وتارةً يقول: حتى أشتري مسكنًا، وتارةً يقول: كذا، هذا ما ينبغي له هذا، ما دام عنده شهوة النكاح فالواجب البدار؛ لقوله ﷺ: ( يا معشر الشباب)، هذا عام للقُرَّاء في الكليات وغيرهم: ( مَن استطاع منكم الباءَة فليتزوج)، والأمر أصله للوجوب،( فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) الصوم من أسباب العفَّة؛ لأنه يُضعف قوة النكاح والشهوة، ويُسبب غضّ البصر، فهو من أسباب السلامة "[ من موقعه الرسمي رحمه الله ].
انتهى المقصود من كتابة هذه الرسالة جعلها الله خالصة صوابا متقبلة .
نفعنا الله بها كاتبها ومن قرأها ومن نشرها ...
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
•••••••••••••••••••
كتبه : غازي بن عوض العرماني.