بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم
ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد :
فقد أطلعت على مجموعة من رسائل مذهب الإخوانية الخوارج في تمييع وهدم سبيل سلفي وأصل سني وهو [ وجوب النصح سرا لولي الامر وتحريم اعلان الإنكار عليه ] هذه الطريقة مبنية على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى فهم سلفنا الصالح كما سيأت ثم زادني إصرارا في كتابة هذه الرسالة على هؤلاء الضلال وتفنيد شبهاتهم إنني رأيت رسالة لمحمد فركوس عنون لها ب[ تفنيدُ شُبُهاتِ المُعتَرِضين على فتوى:
الإنكار العلني ـ بضوابطه ـ على وُلَاة الأمور ] وقد أستدل في ذات الشبه التي استدل بها الخوارج على شذوذهم الفكري فيها . وهذا الرجل رأيت له هفوات وتخبطات في توحيد الأسماء والصفات
مع مواقف سلبية تجاه كبار علماء الإسلام وخذلانه لهم
وكانت ادلته التي اعتمد عليها في رسالته التي رأى فيها تجويز إنكار المنكر علانية على ولي الأمر على شبهات منها عمومات من آثار وردت عن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم
جميعها لاتدل على مقصوده وليست صالحة للاستدلال بها على توهين الأصل السني المبني على سنة الرسول صلى عليه وسلم فهي مع صحة ثبوت بعضها فهي عبارة عن مجرد نقاش جرى بين الصحابة رضي الله عنهم في مجالس غير معلنة وليس فيها إنكار علني على أحد منهم .
ومن ذلك :
قول الصحابي الجليل عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ، فَقَالَ: " قَبَّحَ اللهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا"، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ.قال الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في توجيه هذا الأثر : " بشْر بن مروان كان أميراً على المدينة، وكان في ذلك الوقت الأمراء هم الذين يتولّون الخطبة والصّلاة، فجعل يخطب وجعل يشير بيديه يعني رافعاً يديه في الدّعاء، فدعا عليه، وهذا يحتمل أنه دعا عليه علناً، ويحتمل أنه حدّث به قومه بعد ذلك، والثاني أقرب، والأول قد يُسْعفه تسلّط بني أميّة في ذلك الوقت على الناس وتعسّفهم عليهم، وأن قلوبهم مملوءة على بني أمية، فلا يبعد أن يقولوا ذلك أمام الناس".
وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم:( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر).
ف( عند ) تدل على أن الانكار جرى سرا ( عند ) ولي الأمر وليس معلنا.
وهكذا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَقَالَ قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)
فهذا تنبيه وتذكير وجرى الحديث بينهما ليس على جهة الاعلان و " الحمد لله أنكم أتيتم لنا بحديث نعرفه؛ ليس عندنا في القصة نزاع؛ لأنها في صحيح مسلم . ولكن في مضمون القصة أمور غفلتم عنها، أو تغافلتم - والثاني أحرى بكم عندنا؛ لأننا تعودنا منكم إلقاء الشبه- وتلك الأمـــور:
- أولاً :
أن أبا سعيد رضي الله عنه قال :" مشيتُ مُـخاصراً مروان " ، ومعنى المخاصرة أن كل واحدٍ واضعٌ يده في خصر الآخر، ويحدثه، فالناظرون يدركون أن هاذيْن المتماشييْن
المتخاصريْن يتحدثان بأمر، لكن لا يعلمون ما هو
- ثانياً :
أن أبا سعيد- رضي الله عنه- لما قال لمروان: أين الابتداء بالصلاة ؟ قال : يا أبى سعيد لقد ذهب ما تعلم؛ إن الناس لا يجلسون لنا، وقد ذكر أنه - أعني أبى سعيد - يجذبه إلى الصــلاة، ومروان يجذبه إلى المنبر. فقال أبى سعيد: كلا؛ لا تأتون بخير مما أعلم، ثم استمع إليه، وصلى معه- ائتـمَّ به في الصلاة- ولم يتخذ من ذلك مجالاً للتشهير بمروان - بالأمير- والنيل منه .
- الأمر الثالث :
أن راوية أبي سعيد؛ وهو : عامرٌ بن سعد، قال : عن أبي سعيد، ولم يقل رأيت مروان يفعل كذا، وأبو سعيد يفعل كذا، ولم يقل سمعت أبى سعيد الخدري يقول لمروان، ومروان يقول له .
فبان بهذا التقرير دحض شبهة القوم، وأن هذا الحديث الصحيح؛ الذي هو في صحيح مسلم،عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وإنكاره على مروان صنيعه بتقديم خطبة العيد على الصلاة كان ســـــراً .
فأصبح الحديثان مجتمعيْـن غير مفترقيْن، مؤتلفيْن غير مختلفيْن- ولله الحمد والمنة .
ومن هنا نقـــــول :
نصيحة الحاكم واجبة، والأحاديث الواردة في نصح الحاكم واضحة؛ منها قوله صلى الله عليه وسلم :
{الدين النصــيحة، الدين النصــيحة، الدين النصــيحة} قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال {لله، ولكتابه، ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم} وأحاديث أخرى كثيرة في الباب .
لكن من الناصح ؟ وكيف ؟
أما الكيفية فقد مضت، وعرفتموها .
- وأما الناصح فهم :
المقربون إلى الحاكم؛ لأن الحاكم يخفى عليه حال أكثر الناس، وقد يكون في مقام يحتم عليه الحذر، إلا من ناس معينين .
هنا إذاً :
إذا أردت أن تنصح حاكماً فإذا كنت من الذين يمكنهم الدخول إليه والـجلوس إليه ومحادثته، فاصنع ما سـمعته في حديث عياض بن غـنم- وهو حديـث صحيح بمجموع طرقه- .
وإن كنت لا صـلة لك به، ولا تتمـكن مـن الدخـول علـيه، أو تتمـكن ولكـن لا تتمـكن من الـجلوس إليـه ومحادثته، بل استطعت أن تكتبها، وتسلمها بيده، مع السلام عليه، ثم تنصرف، فذاك أمرٌ جميل .
وإن لم تستطع فاكتب إلى من هو قريبٌ منه؛ فسوف يوصلها إليه، وسواءً قبل الحاكم، أو لم يقبل، سواءً وصلت إليه النصيحة، أو لم تصل، برئت ذمتك .
وإياك ثم إياك أن تغتر بصنيع هؤلاء القوم الذين يشـهــِّرون بالحكام على المنابر، وفي الـمحافل العـامة ويصـدعون بأخـطائهم؛ فإن هذا من التحريض الذي هو منهج الخوارج القَـعَـدية [ من رسالة صوتية للشيخ العلامة عبيد الجابري حفظه الله ]
وهنا نص بل نصوص ثابتة في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم يلجم فاه من اراد الشر وايقاع الفتن في أهل الإسلام ويقطع النزاع ويصار إليه وجوبا لأن دين الإسلام مبني على الوحيين - كتابا وسنة - روى الإمام أحمد رحمه الله [ المسند ٣١٢١] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: ( تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ؟ قَالَ: يَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ( أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ أَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ )
فلا يعارض كلام الله سبحانه وتعالى أو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بآراء البشر فالدين مانزل على الرسول صلى الله عليه وسلم من كلام ربه سبحانه وتعالى أو قاله الرسول صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل:{ وماينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحى } ونص الحديث الذي يقطع النزاع في هذا الأصل ويجب اتباعه هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من أراد أن ينصح السلطان فلا يبذل ( فلا يبدها) له علانية، ولكن ليأخذ بيده، فيخلو به، فإن قبل منه ذلك، وإلا كان أدى الذي عليه ) .
رواه الإمام أحمد في مسنده( ١٥٣٦٩) والحاكم ( ٥٢٦٩) وصححه وابن أبي عاصم في السُنة ( ١٠٩٦) والبيهقي في السنن الكبرى ( ١٦٤٣٧) والطبراني في المعجم الكبير ١٧ / ٣٦٧ ) وصححه الألباني رحمه الله في ظلال الجنة تخريج كتاب السنة لابن ابي عاصم رحمه الله.
وفي الحديث :
اشتراطات ثلاث لتوجيه النصح لولي الامر:
( أولها )
فلا يبذلها له علانية( لا يبدها علانية ) :
وهذا نص صريح في منع اعلان الإنكار على ولي الأمر فهل نأخذ براي فلان أو فلان أو نأخذ بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم . فلا شك أن الواجب المتعين على كل مسلم أتباع ماجاء في كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يخالف في هذا إلا جاهل فيعلم أو ضال نسأل الله له الهداية أو أن يكفي الله المسلمين شره.
( الثاني )
يأخذ بيده :
بحيث لايكون حوله احد يسمع النصيحة ابعد عن الرياء وأبلغ في النصح وإغلاق لابواب الشر التي يتضمنها النصح علانية .
( الثالث )
وليخلوا به :
مثل الأول والثاني وأتى به للتأكيد على أهمية وجوب النصح سرا لما يترتب على العلن شرور عظيمة .
قال الإمام الألباني رحمه الله في تعليقه على مختصر صحيح مسلم : "يعني: المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملإ، لأن في الإنكار جِهارًا ما يٌخشى عَاقِبَتُه، كما اتَّفق في الانكار على عثمان جِهارًا، إذ نشأَ عنه قتله". يؤيد ذلك ما ذكره الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه
:"كما قيل لأسامة ابن زيد رضي الله عنه : لو أتيت فلانا -يعنون عثمان رضي الله عنه- فكلمته.
قال: ( إنكم لترون أني لا أكلمه إلا أن أسمعكم، إني أكلمه في السر دون أن أفتح بابا لا أكون أول من فتحه ).
وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدَّثَنَا أبو النضر: ثنا الحشرج بنُ نَبَاتة العِبْسِيُّ: حَدَّثَنا سعيدُ بنُ جُمْهانَ قال: أتَيتُ عبدَ اللهِ بنَ أبي أَوفى وهو مَحجوبُ البَصرِ، فسَلَّمتُ عليه، قال لي: مَن أنتَ؟ فقُلتُ: أنا سعيدُ بنُ جُمْهانَ، قال: فما فَعَلَ والدُكَ؟ قال: قُلتُ: قَتَلَتْه الأزارقةُ، قال: لَعَنَ اللهُ الأزارقةَ، لَعَنَ اللهُ الأزارقةَ، حَدَّثَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّهم كِلابُ النَّارِ، قال: قُلتُ: الأزارقةُ وَحدَهم أم الخَوارجُ كلُّها؟ قال: بلِ الخَوارجُ كلُّها، قال: قُلتُ: فإنَّ السُّلطانَ يَظلِمُ النَّاسَ، ويَفعَلُ بهم، قال: فتَناوَلَ يدي فغَمَزَها بيَدِه غَمزةً شَديدةً، ثُمَّ قال: ( وَيحَكَ يا ابنَ جُمْهانَ، عليك بالسَّوادِ الأعظمِ، عليك بالسَّوادِ الأعظمِ، إنْ كان السُّلطانُ يَسمَعُ منك، فأْتِه في بَيتِه، فأخبِرْه بما تَعلَمُ؛ فإنْ قَبِلَ منك، وإلَّا فدَعْه؛ فإنَّكَ لستَ بأعلمَ منه )رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده وحسنه الإمام الألباني رحمه الله في تخريجه لكتاب السنة لابن ابي عاصم رحمه الله.
قال الإمام ابن باز رحمه الله : " ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير.
أما إنكار المنكر بدون ذكر الفاعل: فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا من دون ذكر من فعله، فذلك واجب؛ لعموم الأدلة.
ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر من فعلها لا حاكما ولا غير حاكم ".[ من موقعه الرسمي رحمه الله ]
ثم انظروا ماذكره الله في كلامه المنزل - القرآن الكريم - في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُ } فمن الامتثال لكلام الله سبحانه وتعالى النصح لهم سرا ثم انظروا ما ورد بعض في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وحثها على طاعة ولي الأمر فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : (السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ). رواه البخاري (٧١٤٤ ) ومسلم ( ١٨٣٩ ). وفي لفظ : دَعَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: ( أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ). قَالَ: ( إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ)رواه البخاري رحمه الله ( ٧٠٥٥) ومسلم رحمه الله ( ٤٧٧١ ).
وفي صحيح مسلم ( ١٨٥١)عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ، زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ . فَقَالَ: اطْرَحُوا لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: ( مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ،وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ) . وفي صحيح مسلم ( ١٨٤٩).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً).
و في صحيح مسلم رحمه الله ( ١٨٤٧ )عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم- أنه قال : ( يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ). قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: ( تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ).
و في صحيح مسلم رحمه الله( ١٨٥٥)عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أن رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ( خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: ( لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ).
وقد روى مسلم رحمه الله في صحيحه برقم ( ١٨٤٨ )عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ ).
و في كتاب التعليقات الحسان للإمام الألباني رحمه الله على صحيح إبن حبان ( ٧/ ١٤) وأصله في إبن حبان رحمه الله عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (اسْمَعْ وَأَطِعْ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ، وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ معصية).
وفي صحيح البخاري (٤٣٣٠ ) ومسلم (١٠١٦ )عن عبد الله بن زيد بن عاصم أن النبي –صلى الله عليه وسلم – قال للأنصار: ( إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ).
و في صحيح البخاري رحمه الله ( ٢٣٥٨) ومسلم رحمه الله ( ١٠٨).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ - اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ( ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِطَرِيقٍ، يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا لاَ يُبَايِعُهُ إِلَّا لِلدُّنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا كَذَا وَكَذَا فَأَخَذَهَا ).
وفي السنة لأبي بكر الخلال ( ٥٤) عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بن الخطاب – رضي الله عنه - : ( يَا أَبَا أُمَيَّةَ، إِنِّي لَا أَدْرِي، لَعَلِّي لَا أَلْقَاكَ بَعْدَ عَامِي هَذَا، فَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكَ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ، وَإِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ حَرَمَكَ فَاصْبِرْ، وَإِنْ أَرَادَ أَمْرًا يُنْقِصُ دِينَكَ، فَقُلْ: سَمْعًا وَطَاعَةً، دَمِي دُونَ دِينِي، وَلَا تُفَارِقِ الْجَمَاعَةَ ).
فولاة الأمر كما ترى وردت في فضل وجوب السمع والطاعة لهم كل هذه الأحاديث في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم مع سعيهم المشكور في ضبط مصالح الناس ودفع المفاسد والمضار عنهم فهل من حقوقهم علينا أن يقل الأدب معهم كإعلان النكير عليهم مع مخالفة الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح في هذه الطريقة المتبع فيها مذهب الديمقراطية والخوارج والمعتزلة و في السنة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا ) حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وفي رواية أبي داود(حق كبيرنا ) .
وخاصة إذا علمنا إتفاق السلف الصالح على وجوب السمع والطاعة لولاة الامر بالمعروف
وذلك اقتضاء للمصلحة الشرعية العامة للمسلمين في ذلك .
ولأن في النصح علانية يترتب عليه مفاسد كبيرة كما أن في النصح سرا فيه بعدا عن الرياء واقرب للإصلاح .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
تَعَمَّدني بِنُصحِكَ في اِنفِرادي
وَجَنِّبني النَصيحَةَ في الجَماعَه
فَإِنَّ النُصحَ بَينَ الناسِ نَوعٌ
مِنَ التَوبيخِ لا أَرضى اِستِماعَه
وَإِن خالَفتَني وَعَصِيتَ قَولي
فَلا تَجزَع إِذا لَم تُعطَ طاعَه .
واعلموا رحمنا الله وإياكم أن أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح جعلوا وجوب السمع و الطاعة لولاة الأمر وحرمة الخروج عليه- والتي من تمامها النصح سرا لولي الامر- من مسائل العقيدة المتفق عليها وقد جرى منهم هذا الإتفاق :
على إختلاف الأعصار
وتباعد الأمصار
و كثرة ماألفوه من أسفار
وهذا لأن هذا الاصل من أصول الاسلام العظيمة وهذا معروف بداهة لمن كان له ادنى إطلاع في كتب السنة
واصولها
اونظر في كتب العقيدة .
قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله [ شرح الطحاويه ( ٢ / ٥٤٠ )] : " ولا نرى الخروجَ على أئمتنا وولاةِ أُمورنا وإن جارُوا، ولا ندعُو عليهم، ولا ننزعُ يداً من طاعتهم، ونرى طاعَتهم من طاعة الله عزَّ وجل فريضةً ما لم يأمروابمعصيةٍ، وندعُو لهم بالصلاح والمعافاة"
وقال شيح الاسلام ابن تيميه رحمه الله [ كتابه السياسة الشرعية صفحة ( ٢٣٣ - ٢٣٤)] :
" ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وسهل بن عبد الله التستري، وغيرهم، يُعظِّمون قدرَ نعمة الله به - أي بالسلطان - ويرون الدُّعاءَ له ومناصحته من أعظم ما يتقرَّبون به إلى الله تعالى، مع عدم الطمَع في ماله ورئاسته، ولا لخشية منه، ولا لمعاونته على الإثم والعدوان"
وفي نونية القحطاني رحمه الله في بيان معتقد أهل السنة والجماعة قال رحمه الله :
" لاتخرجن على الإمام محاربا......ولو أنه رجل من الحبشان
ومتى أمرت ببدعة أو زلة......فاهرب بدينك آخر البلدان "
قال الإمام البربهاري رحمه الله [شرح السنة ( ٥٨ )] : " ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين فهو خارجي، وقد شق عصا المسلمين، وخالف الآثار، ومِيتته مِيتة جاهلية. ولا يحل قتال السلطان والخروج عليه وإن جاروا، وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: (اصبر، وإن كان عبدا حبشيا)وقوله للأنصار: (اصبروا حتى تلقوني على الحوض)وليس من السنة قتال السلطان؛ فإن فيه فساد الدين والدنيا "
وفي شرح السنة للبربهاري رحمه الله أورد أثرا عن الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله حيث قال : " مَن قال: الصلاة خلفَ كُلِّ برٍّ وفاجرٍ، والجهاد مَعَ كُلِّ خليفةٍ، ولم يرَ الخروجَ على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح، فقد خَرَجَ من قول الخوارج أوله وآخره" إنتهى كلامه رحمه الله.
وقد جرى إتفاق أئمة السنة وشيوخ الإسلام على وصف من أراد الخروج على ولي الأمر بالخارجي أو المعتزلي ومن ذلك قول الامام إبن عبد البر رحمه الله في كتابه التمهيد ( ٢٣ / ٢٧٩) : " وإلى منازعة الظالم الجائر ذهبت طوائف من المعتزلة وعامة الخوارج ".
فمن رأى الإنكار والنصح على ولي الأمر علانية وترك السنة ففيه شبه من الخوارج القعدية
وانا أعجب ممن يؤصل ويقعد القواعد للاخوانية الخوارج
ثم يجعل عنوان رسالته [ تفنيدُ شُبُهاتِ المُعتَرِضين على فتوى: «الإنكار العلني ـ بضوابطه ـ على وُلَاة الأمور»]
فيا سبحان انظروا كيف جعل أدلة الكتاب والسنة وهدي سلف الأمة الصالح من الشبهات ومن جهله المركب يسميها شبهات ويحاول تفنيدها اعاذنا الله واياكم من الظلم والظلمات
ثم في ثنايا رسالته تقعر في كلامه وسجع فشابه في طريقته سجع الكهان فقال :" بسببِ تَهاطُلِ إشكالاتِ المُريدين للصواب، وتصلُّبِ المُعانِدين وتعسُّفِ المتحاملين ".
فمن أحق بهذه الأوصاف ؛ خاصة إذا علمتم استخدامه لهذه العبارات في رد ادلة الكتاب والسنة واجماع سلف الامة والتمسك بالمتشابه من عمومات بعض الصحابة رضي الله عنهم التي لا تؤيد توجهه وتأصيله الباطل ؛ ومن فضل الله علينا انه أثناء إعداد الرد عليه وجدت مجموعة من الرسائل العلمية لمشايخ السنة قاموا بالواجب في تفنيد شبهه وايضاح الحق والانتصار له بالادلة النقلية والحجج العقلية ولعل من الرسائل التي اطلعت في الرد عليه والتي نالت الاستحسان رسالة للشيخ ابي البراء خالد
عنوانها :
[ نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات (ردا على فركوس)].
ورسالة :
[ الإنكار العلني على ولاة الأمر في ميزان الشرع ] للشيخ مُحَمَّد أَمِين إِمْلُول البِجَائِي ...والأخير رسالته ضمنها الادلة النقلية والعقلية التي تضعف رسالته فركوس وان لم يرد عليه شخصيا . وقد يكون هنا كثير من الاخوة مشايخ لهم رسائل في بيان الحق في هذا الأصل الكبير وردوا على فركوس وغيره لكن لم نطلع عليها .ثم أقول أن من رد
أجاد
وأفاد
وهما في ردهما
وفّى
وكفّى
وقد ضمنوا ماكتباه الادلة من الكتاب والسنة وآثار الصحابة رضي الله عنهم واقوال اعلام الهدى ومصابيح الدجى وشيوخ الإسلام وائمة السنة
فجزاهما الله خير الجزاء .
ثم اقول :
لو لم يؤلف هذا أو هذا أو أي رجل - في رد شبهات هؤلاء المؤصلين للأهواء والشبهات والممهدين لآراء الخوارج - لكان في الكتاب والسنة ما يوضح الحق ويجلي الهدى ويبطل الباطل .
فالحق أبلج والباطل لجلج
وفي خاتمة رسالتي :
اقول :
الواجب على طلاب العلم في المسائل التي يحصل فيها التنازع والاختلاف إرجاع حكمها إلى كلام الله سبحانه وتعالى وإلى كلام الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية :
" وقوله : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة : أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور ، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا ; ولهذا قال : { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } أي : إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به ، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة "و" أقسم تعالى بنفسه الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم، أي: في كل شيء يحصل فيه اختلاف، بخلاف مسائل الإجماع، فإنها لا تكون إلا مستندة للكتاب والسنة، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق، وكونهم يحكمونه على وجه الإغماض، ثم لا يكفي ذلك حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن. فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان. فمَن استكمل هذه المراتب وكملها، فقد استكمل مراتب الدين كلها. فمَن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر، ومَن تركه، مع التزامه فله حكم أمثاله من العاصين ".[ تفسير الإمام عبدالرحمن السعدي رحمه الله لهذه الآية ].
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاته) رواه الإمام البخاري في صحيحه حديث رقم ( ٧٢٧٧).و " الواجب كمال التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم ، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يعارضه بخيال باطل يسميه معقولاً، أو يحمله شبهة أو شكاً، أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالة أذهانهم، فيوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما وحد المرسل بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل، فهما توحيدان، لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسل، وتوحيد متابعة الرسول"[ شرح الطحاوية ( ١ / ٢٢٨)]
قال شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله في العقيدة الواسطية :"فصل في صفات أهل السنة والجماعة
فصل: ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنًا وظاهرًا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار واتباع وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ) .
ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم- ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد -صلى الله عليه وسلم على هدي كل أحد؛ ولهذا سُموا أهل الكتاب والسنة، وسُموا أهل الجماعة؛ لأن الجماعة هي الاجتماع وضدها الفُرْقَة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسمًا لنفس القوم المجتمعين.
والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين وهم يَزِنُونَ بهذا الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة، أو ظاهرة مما له تعلق بالدين، والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشر في الأمة" " فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاءت به المرسلون؛ فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين " وذلك ان "البيان التام هو ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه أعلم الخلق بالحق وأنصح الخلق للخلق، وأفصح الخلق في بيان الحق""فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول، بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه"وقد"أجمع أهل الملل قاطبة على أن الرسل معصومون فيما يبلغونه عن الله تبارك وتعالى، لم يقل أحد قط أن من أرسله الله يكذب عليه" فليس قول الرسول صلى الله عليه وسلم هوى وغرض قال الله تعالى وتقدس:{ وما ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحى }.فأهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح"يقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدي كل أحد"فهم يحرصون على أن " يتبعون آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً" ينظر في كل ماسبق مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
فنسأل الله أن يثبتنا وإياكم على التوحيد والسنة وحسن الخاتمة
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
----------‐-----------------------------
كتبه واملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني.