الجمعة، 6 نوفمبر 2020

《 هل الصانع من أسماء الله الحسنى ؟ وهل يصح وصف الله بهذا اللفظ ؟ 》

بسم الله الرحمن الرحيم 

[ تعتبر هذه الرسالة تابعة لشرحنا لكتاب " الصفات الإختيارية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه " ]

.............

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل واشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

أما بعد :

فقد أحببنا إيضاح إشكالية تقع عند بعض إخواننا طلاب العلم في لفظ ( الصانع ) هل هو من أسماء الله الحسنى فيسمى الله فيه ويدعى فيه أم لا ؟ 

قولان لأهل العلم 


    《 القول الأول 》


عند جماعة من أهل العلم عدوه من أسماء الله الحسنى 

منهم قَوَّامُ السنة الأصبهاني والبيهقي وابن منده وغيرهم ممن لم نذكرهم بالإسم واستدلوا بقول الله عزَّ وجلَّ: {  صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ }

واستدلوا بالسنة بما رواه الصحابي الجليل حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله عزَّ وجلَّ صنع كل صانع وصنعته) .[ صححه الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحةحديث رقم ( ١٦٣٧) وفي تخريج كتاب السنة حديث رقم ( ٣٥٧) .

وصححه الإمام مقبل الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند حديث رقم ( ٣٠٥ )]

وينظر: 

 [(الحجة في بيان المحجة للأصبهاني ( ١ / ١٥٩) والاسماء والصفات للبيهقي ( ١ / ٧٣ )]


   《 القول الثاني 》   


انه يصح وصف الله فيه أو الإخبار عنه ب ( الصانع ) دون تسميته في هذا اللفظ عملا بإدلة أصحاب القول الأول ووجهوا هذه الإدلة في تضعيف أصحاب القول الأول وتقوية قولهم بامور منها :   

 .وكذلك اسم الصانع لا يقال أنه من أسماء الله - عز وجل -؛ لأن الصّنع منقسم إلى ما هو موافق للحكمة، وإلى ما هو ليس موافقا للحكمة، والله سبحانه وتعالى يصنع وله الصنع سبحانه، كما قال {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} وهو سبحانه يصنع ما يشاء وصانِعٌ ما شاء كما جاء في الحديث «إِنّ اللهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ» سبحانه وتعالى، ولكن لم يُسَمَّ الله - عز وجل - باسم الصانع لأنّ الصُّنع منقسم.

أيضا اسم المتكلم، المتكلم لا يقال في أسماء الله - عز وجل - المتكلم؛ لأن الكلام الذي هو راجع إلى الأمر والنهي، منقسم: إلى أمر لما بما هو موافق للحكمة؛ أمر بمحمود، وإلى أمر بغير ذلك، ونهي عمّا فيه المصلحة؛ نهي عمّا فيه الخير، ونهي عن ما فيه الضر، والله سبحانه وتعالى نهى عمّا فيه الضرر، ولم ينهَ عما فيه الخير، بل أمر بما فيه الخير، ولذلك لم يسمَّ الله - عز وجل - بالمتكلم.

هذه كلها أطلقها المتكلمون على الله - عز وجل -، فسموا الله بالقديم، وسموا الله - عز وجل - بالمتكلم، وسموا الله - عز وجل - بالمريد، وسموا الله - عز وجل - بالصانع، إلى غير ذلك من الأسماء التي جعلوها لله - عز وجل -.

فإذا تبين لك ذلك فإن الأسماء الحسنى هي ما اجتمعت فيها شروط الحسن والكمال والجمال .

والفرق بين اسم الخالق والصانع يتبين في أمور منها 

- الخالق جاء في النص 

والصانع لم يأت في النص.

واما من جهة المعنى فالصنع فيه كلفة وليس ممدوحاً على كل حال، والخَلق هذا إبداع وتقدير فهو ممدوح

ويضاف إلى ماسبق :

ان الخلق منقسم إلى مراحل، وأمّا الصنع فليس كذلك؛ {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} فالخلق يدخل من أول المراحل، والصنع بخلافه

وكذلك الصانع تأت بمعنى الكمال، وتأتي بمعنى النقص، فصانع الخمر وصانع آلات اللهُو، وصانع الأصنام، هذا كله نقص، فالصناعة، والصنع يكون كمالًا، ويكون نقصًا، فالذي يضاف إلى الله الكمال، فالله خالق لكل صانع، وصنعته.

فقد يقول قائل : إنها لا تدخل في أسماء الله ، بل تقيد بالكمال، فيطلق عليه من ذلك أكمله فعلًا، وخبرًا.

وأما اسم الخالق فيشتمل على كمال ليس فيه نقص، وأما اسم الصانع فإنه يطرأ عليه أشياء فيها نقص من جهة المعنى ومن جهة الانفاذ، فلذلك جاء اسم الله الخالق ولم يأت في أسماء الله الصانع.وقد ورد عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قوله :" قال ابن تيميه: ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق بل هو الفعال لما يريد؛ فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة، ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلًا وخبرًا."ثم أمر آخر هنا، وهو ما كان من هذا القبيل الصفة المنقسمة، كيف يصنع بها، قال -رحمه الله- لم تدخل بمطلقها في أسمائه بل يطلق عليه منها كمالها، ومثل قال: كالمريد والفاعل والصانع، فإن هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه، إذًا هي غير داخلة في أسمائه، والصفات التي دلت عليها لا تدخل بمطلقها في صفاته، ولا أيضًا تنفى عنه، وإنما ما الذي يفعل؟ يثبت منها كمالها لله -تبارك وتعالى- وينزه -عز وجل- عن النقص الذي تدل عليه، فلا تُثبَت بالإطلاق ولا تُنفَى بالإطلاق، وإنما يُثبَت له -تبارك وتعالى- منها كمالها، يثبت له منها -تبارك وتعالى- كمالها "

مواضع في مجموع الفتاوى وكتاب الصفات الإختيارية له رحمه الله. 

قال الإمام ابن القيم رحمه الله :"ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالاً لم يتسم منها بأسماء الفاعل، كأراد فلا تكون من أسمائه المريد السميع، وشاء وأحدث ولم يسم نفسه، ولم يسم في نص صحيح بالمريد والشائي والمحدث، كما لم يسم نفسه بالصانع والفاعل والمتقن، وغير ذلك من الأسماء

"وقد أخطأ أقبح خطأ من اشتق له من كل فعل اسمًا، وبلغ بأسمائه زيادة على الألف، فسماه الماكر، والمخادع، والفاتن، والكائد، ونحو ذلك".[مدارج السالكين( ٣ / ٤١٥) بتصرف يسير].

و يتبع ماسبق :

ان من قواعد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في باب اسماء الله الحسنى وصفاته العلى :  

[ ان باب الصفات أوسع من باب الأسماء، وباب الإخبار أوسع من باب الصفات]

فلذا يصح وصف الله تعالى وتقدس أو الإخبار عنه ب( الصانع ) دون تسميته بذلك 

قال الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى وتقدس:{ صنع الله الذي اتقن كل شئ إنه خبير بماتفعلون } :" الفائدة الثالثة : جواز إضافة الصنع إلى الله ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾.

ولكن هل يؤخذ منه إثبات اسم الصانع لله أو لا؟ 

لا يؤخذ منه، ولكنه يُخبر به عن الله،

 فيقال: إن الله تعالى صانع كل شيء، على سبيل الخبرية، 

وأما إثبات اسم الصانع فلا.

على أنه يوجد في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وكلام ابن القيم رحمه الله دائمًا كلمة (الصانع)، والظاهر أنهم أرادوا بهذا مخاطَبة الكلام بمثلما يتكلمون به، ولذلك يقولون مثلًا: إثبات الصانع يدل عليه كذا وكذا.

مع أننا نرى أن الأولى والأفضل ألا يثبت حتى بهذا اللفظ، بل يقال: إثبات الخالق دل عليه كذا وكذا، والخالق جاءت في القرآن، وهو أبلغ من الصانع. 

إنما على كل حال، الإخبار عن الله بأنه صانع مضافًا إلى التعميم مثل: صانع كل شيء، هذا جائز لا بأس به، والناس يقولون في عباراتهم العامية: (صانع كل مصنوع)، هذا خبر صحيح، أما أن تجعله اسمًا من أسماء الله، فلا؛ لأنه يُفرّق بين الاسم وبين الخبر " انتهى كلامه رحمه الله.

والذي يظهر لي قوة القول الأخير وبه قال كبار علماء الاسلام وأئمة السنة وأعلام الهدى وتجدهم عملوا واعملوا قواعد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح في باب الأسماء والصفات 

فاسماء الله حسنى وبالغة في الكمال والجمال والجلال حسنها 

وهي توقيفية تؤخذ من كلام سبحانه و تعالى ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

وله فيها الحمد والمدح والثناء الكامل المطلق من جميع الوجوه

 فندعوه بها ..

ونؤمن ونسلم ونعتقد جازمين مدركين لمعنى هذه الأسماء والصفات مفوضين للكيف على الوجه اللائق بربنا بلا تمثيل ولا تعطيل ولاتحريف ولا تكييف ولا تأويل باطل...

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

----------------------------------------

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني 

صباح يوم الخميس ١٩ / ٣ / ١٤٤٢ هجري.