بسم الله الرحمن الرحيم
[[ مقدمة ]]
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد
فقد أتاني سؤال هذا نصه : "
شيخنا الغالي اريد جواب سؤال اذا تكرمت
ماهو الجواب على احاديث الشفاعة وحديث صاحب البطاقة ؟
اذ ان مقتضاها قد يدل على ان يدخل الجنة من لم يعمل خيرا قط
وهل القول في ذلك يعتبر من الارجاء خاصة وان المرجئة تؤخر العمل؟
مع علمي ان الايمان قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص.
وكيف اوفق بين هذا وهذا خاصة وانها مسألة دقيقة قد يتطرق لها العوام فأحب ان يكون لدي جواب عنها
وجزاك الله خيرا "
فجوابا لسؤال السائل نقول :
معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح الذي ندين الله فيه ان الإيمان نية وقول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية
وأهل السنة في مسائل الإيمان
وسط بين الخوارج من معتزلة وحدادية و بين المرجئة [ هم أقسام منهم من قال الإيمان المعرفة ومنهم من قال الإيمان التصديق والمعرفة ومنهم من قال الايمان قول اللسان بلا نية ولا فعل ومنهم من قال الإيمان نية وقول بلا فعل ]
والأعمال التي يعملها المسلم منها ماهو أعمال قلبية ومنها ماهو من أعمال الأركان والجوارح
"ومن تأمَّل الشريعةَ في مصادرها وموارِدها علِم ارتباطَ أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنَّها لا تَنفع بدونها، وأنَّ أعمال القلوب أفْرَضُ على العبد من أعمال الجوارح، وهل يميَّز المؤمن عن المنافق إلَّا بما في قلب كلِّ واحدٍ منهما من الأعمال التي ميزَت بينهما، وهل يمكن أحدٌ الدُّخولَ في الإسلام إلَّا بعمل قلبه قبل جوارحه، وعبوديَّةُ القلب أعظَمُ من عبوديَّة الجوارح، وأكثر وأدوم؛ فهي واجِبةٌ في كلِّ وقت"
إذ أن أعمال القلوب وأقوالها محل إتفاق بين المسلمين على كفر من تركها .
ومعنى قول القلب: هو التصديق الجازم بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ويدخل فيه الإيمان بكل ما جاء به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومعنى اعمال القلوب : منها حب الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعظيم الله ورسوله وتعزير الله ورسوله وتوقيره، وخشية الله والإنابة إليه والإخلاص له والتوكل عليه، فهذه الأعمال القلبية كلها من الإيمان،
وأعمال القلوب واقوالها
محل إتفاق بين المسلمين وموضع إجماع على ركنية الاتيان بها وأما أعمال الجوارح والتي من أهمها الصلاة إذ أنها الركن الثاني من أركان الإسلام ومبانيه العظام فالإجماع على كفر من تركها جحدا لوجوبها
وأما من تركها تهاونا وكسلا فقد أختلف كبار علماء الاسلام في حكمه على أقوال نوردها في الفصل الأول .
[[ الفصل الأول : في ذكر أقوال كبار علماء الاسلام في حكم تارك الصلاة تهاونا وكسلا ]]
قال شيخ الاسلام ابن تيميه -رحمه الله تعالى- مجموع الفتاوى(٣٠٣/٧) :
«وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، وأما الاعمال الأربعة فاختلفوا في تكفير تاركها، ونحن إذا قلنا : أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب، فإنما نريد به المعاصي كالزنا والشرب، وأما هذه المباني ففي تكفير تاركها نزاع مشهور.
وعن أحمد في ذلك نزاع، وإحدى الروايات عنه : أنه يكفر من ترك واحدة منها وهو اختيار أبي بكر وطائفة من أصحاب مالك، كابن حبيب.
وعنه رواية ثانية : لا يكفر إلا بترك الصلاة والزكاة فقط،
ورواية ثالثة : لا يكفر إلا بترك الصلاة، والزكاة إذا قاتل الامام عليها.
ورابعة : لا يكفر إلا بترك الصلاة.
وخامسة : لا يكفر بترك شيء منهن وهذه أقوال معروفه للسلف.»
واعلم أخي ؛ بارك الله فيك :
إن الخلاف مع الجاهل [ جهل بسيط] أو مع أصحاب الضلال والبدع والأحزاب ومن يرى تكفير للمسلمين وإستحلال دمائهم[ جهل مركب]
خلاف بلا حق ولابينة وفيه تستحل أعراض كبار علماء الاسلام ودمائهم
ومن هذا القبيل الحديث في مسألة [ حكم تارك الصلاة تهاونا وكسلا ]
قال أحد سلفنا الصالحين وأذكره بالمعنى : " لو سكت الجاهل لم يختلف الناس "
فالجمهور من الشافعية والاحناف والمالكية ورواية للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وأختارها شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله والإمام عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله وعلى هذا القول جمع كبير من شيوخ الإسلام وأئمة السنة وأعلام الهدى وسنورد أقوالهم وإدلتهم
لكن الغريب في هذه المسألة أن من قال بكفره يضيف إلى إدلة الكتاب والسنة
الإجماع [ وهذا الإجماع غير صحيح سندا ومتنا فناقل الإجماع وهو عبدالله بن شقيق لم يرى إلا إثنين من الصحابة رضي الله عنهم ولم يرى الصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنه الذي نقل عنه كما أن دعوى الإجماع منتقضة بإدلة الكتاب والسنة وقول الجمهور كما ذكرناهم
بل ذكر ابن قدامة رحمه الله في المغني ( ٢ / ١٥٧ ) الإجماع على عدم كفر تارك الصلاة تهاونا وكسلا فيقول رحمه الله :
" ذَلِكَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّا لا نعلَمُ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ أَحَدًا مِنْ تَارِكِي الصَّلَاةِ تُرِكَ تَغْسِيلُهُ , وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ , وَدَفْنُهُ فِي مَقَابِر الْمُسْلِمِينَ , وَلَا مُنِعَ وَرَثَتُهُ مِيرَاثَهُ , وَلَا مُنِعَ هُوَ مِيرَاثَ مُوَرِّثِهِ , وَلَا فُرِّقَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ مِنْ أَحَدِهِمَا ; مَعَ كَثْرَةِ تَارِكِي الصَّلَاةِ , وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا , وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا فِي أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا , وَلَوْ كَانَ مُرْتَدًّا لَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ ، وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ في تَكفِيره فَهِيَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ , وَالتَّشْبِيهِ لَهُ بِالْكُفَّارِ , لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ , كَقَوْلِهِ عليه السلام : ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ , وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ) ، وَقَوْلِهِ ( شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ ) وَأَشْبَاهِ هَذَا مِمَّا أُرِيدَ بِهِ التَّشْدِيدُ فِي الْوَعِيدِ ".إنتهى كلامه رحمه الله
ولا يظن ظان جاهل إن مسألة تارك الصلاة تهاونا وكسلا مسألة هينة بل هي عظيمة إذ
أن أهل السنة السابقين واللاحقين المكفرين لتارك الصلاة وغير المكفرين يعظمون قدر الصلاة ومكانتها ويحكمون على تاركها بالفسق، والقتل، وشدة الإثم، ولا يقبلون له شهادة ولا رواية
قال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبدالرحمن الصابوني في شرح عقيدة السلف اصحاب الحديث :
حكم تارك الصلاة عمداً :
“واختلف أهل الحديث في ترك المسلم صلاة الفرض متعمدا، فكفره بذلك أحمد ابن حنبل وجماعة من علماء السلف، وأخرجوه به من الاسلام، للخبر الصحيح المروي عن النبيﷺأنه قال:
“بين العبد والشرك ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر”
(صحيح مسلم والمسند والسنن من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه).
وذهب الشافعي وأصحابه وجماعة من علماء السلف -رحمة الله عليهم أجمعين- إلى أنه لا يكفر به مادام معتقدا لوجوبها، وإنما يستوجب القتل كما يستوجبه المرتد عن الاسلام، وتأولوا الخبر : من ترك الصلاة جاحدًا كما أخبره سبحانه عن يوسف عليه السلام أنه قال :
“إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون” [يوسف:٣٧]
ولم يك تلبس بكفر فارقه، ولكن تركه جاحدا له.”
قال الامام أحمد بن حنبل رحمه تعالى :
“ويخرج الرجل من الايمان الى الاسلام فإن تاب رجع الايمان ولايخرجه من الاسلام الا الشرك بالله العظيم أو برد فريضة من فرائض الله جاحدا لها فإن تركها تهاونا وكسلا كان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه.” [طبقات الحنابلة بتحقيق حامد الفقي( ٣٤٣/١)]
قال ابن عبد البر رحمه الله [ الاستذكار( ٢ / ١٤٩ )]:
" أجمع المسلمون على أن جاحد فرض الصلاة كافر يقتل إن لم يتب من كفره ذلك ،
واختلفوا في المقر بها وبفرضها التارك عمدا لعملها ، وهو على القيام بها قادر " انتهى كلامه رحمه الله .قال ابن قدامة رحمه الله في[ المغني ( ٢ / ١٥٦)] :
" تَارِكَ الصَّلَاةِ لَا يَخْلُو ; إمَّا أَنْ يَكُونَ جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا , أَوْ غَيْرَ جَاحِدٍ , فَإِنْ كَانَ جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا نُظِرَ فِيهِ , فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِهِ , وَهُوَ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ , كَالْحَدِيثِ الْإِسْلَامِ , وَالنَّاشِئِ بِبَادِيَةٍ , عُرِّفَ وُجُوبَهَا , وَعُلِّمَ ذَلِكَ , وَلَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ ; لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ , كَالنَّاشِئِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى , لَمْ يُعْذَرْ , وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ادِّعَاءُ الْجَهْلِ , وَحُكِمَ بِكُفْرِهِ ; لِأَنَّ أَدِلَّةَ الْوُجُوبِ ظَاهِرَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , وَالْمُسْلِمُونَ يَفْعَلُونَهَا عَلَى الدَّوَامِ , فَلَا يَخْفَى وُجُوبُهَا عَلَى مَنْ هَذَا حَالُهُ , فَلَا يَجْحَدُهَا إلَّا تَكْذِيبًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ , وَهَذَا يَصِيرُ مُرْتَدًّا عَنْ الْإِسْلَامِ , وَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ , فِي الِاسْتِتَابَةِ وَالْقَتْلِ , وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا " انتهى كلامه رحمه الله.
و في[الموسوعة الفقهية( ٢٧ / ٥٣ - ٥٤)] ما نصه :
" ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَاركَ الصَّلاَةِ تَهَاوُنًا وَكَسَلاً ، لاَ جُحُودًا ، يُقْتَل حَدًّا أَيْ أَنَّ حُكْمَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمُ الْمُسْلِمِ فَيُغَسَّل ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ، وَيُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ : إِلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ تَكَاسُلاً يُدْعَى إِلَى فِعْلِهَا وَيُقَال لَهُ : إِنْ صَلَّيْتَ وَإِلاَّ قَتَلْنَاكَ ، فَإِنْ صَلَّى ، وَإِلاَّ وَجَبَ قَتْلُهُ . وَلاَ يُقْتَل حَتَّى يُحْبَسَ ثَلاَثًا وَيُدْعَى فِي وَقْتِ كُل صَلاَةٍ ، فَإِنْ صَلَّى وَإِلاَّ قُتِل حَدًّا ، وَقِيل كُفْرًا ، أَيْ لاَ يُغَسَّل وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلاَ يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ . لَكِنْ لاَ يُرَقُّ وَلاَ يُسْبَى لَهُ أَهْلٌ وَلاَ وَلَدٌ كَسَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ " انتهى .
قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله :
" الذي يظهر لي أنه لا يكفر إلا بالترك المطلق بحيث لا يصلي أبداً ، وأما من يصلي أحيانا فإنه لا يكفر "[مجموع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله( ١٢ / ٥٥ )] .
سئل شيخ الاسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى كما في الدرر السنية (١٠٢/١) :
” عما يقاتل عليه ؟
وعما يكفر الرجل به ؟
فأجاب : أركان الاسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة ؛ فالأربعة: إذا أقر بها، وتركها تهاوناً، فنحن و إن قاتلناه على فعلها ، فلا نكفره بتركها ؛
والعلماء : اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود ؛ ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم وهو الشهادتان.”
وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن في الدرر السنية (٣١٧/١) :
“سألني الشريف عما نقاتل عليه، و ما نكفر به ؟
فقال في الجواب إنا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان بعد التعريف، إذا عرف ثم أنكر ..”
وقال الشيخ عبداللطيف في الدرر السنية(٤٦٧/١) :
“وأخبرتهم ببراءة الشيخ، من هذا المعتقد والمذهب وأنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله، من الشرك الاكبر والكفر بآيات الله ورسله أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر كتكفير من عبد الصالحين ودعاهم مع الله، وجعلهم أنداداً له فيما يستحقه على خلقه، من العبادات والالهية وهذا : مجمع عليه أهل العلم والايمان.”
وقال الشيخ العلامة عبداللطيف بن عبد الرحمن -رحمه الله-
في الدرر السنية” :
“الأصل الثالث: أن الإيمان مركب، من قول وعمل، والقول قسمان: قول القلب، وهو: اعتقاده; وقول اللسان، وهو: التكلم بكلمة الإسلام;
والعمل قسمان: عمل القلب، وهو: قصده، واختياره، ومحبته، ورضاه، وتصديقه;
وعمل الجوارح، كالصلاة، والزكاة، والحج، والجهاد، ونحو ذلك من الأعمال الظاهرة;
فإذا زال تصديق القلب، ورضاه، ومحبته لله، وصدقه، زال الإيمان بالكلية;
وإذا زال شيء من الأعمال، كالصلاة، والحج، والجهاد، مع بقاء تصديق القلب، وقبوله،
فهذا محل خلاف،
هل يزول الإيمان بالكلية، إذا ترك أحد الأركان الإسلامية، كالصلاة، والحج، والزكاة، والصيام، أو لا يزول؟
وهل يكفر تاركه أو لا يكفر؟
وهل يفرق بين الصلاة، وغيرها، أو لا يفرق؟
فأهل السنة مجمعون على أنه لابد من عمل القلب، الذي هو: محبته، ورضاه، وانقياده;
والمرجئة، تقول: يكفي التصديق فقط، ويكون به مؤمناً;
والخلاف، في أعمال الجوارح، هل يكفر، أو لا يكفر؟ واقع بين أهل السنة
والمعروف عند السلف: تكفير من ترك أحد المباني الإسلامية، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج;
والقول الثاني: أنه لا يكفر إلا من جحدها.” إنتهى كلامه رحمه الله.
[[ الفصل الثاني : الألفاظ والمصطلحات الحادثة
وكيفية التعامل معها ]]
الألفاظ الحادثة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يستفصل عنها فإن أراد صاحبها حقا قبلت وإن أراد باطلا
ردت وإلا فالمتعين هو الحديث بالألفاظ الشرعية
ومن هذه المصطلحات مصطلحات علمية أصولية تدل بلفظها على معاني :
( أولا : شرط صحة )
تعني إن هذا العمل يتوقف على أدائه شرط الصحة أي الشرط الذي تتخلف الصحة بتخلفه أي إذا انعدم هذا الشرط فإن العبادة لا تصح ، ولذلك فإنهم أضافوه إلى أثره فقالوا : شرط صحة وذلك كالإسلام باعتبار العبادات كلها فإنه شرط صحته فإذا تخلف الإسلام عن العبادات فإنها باطلة ، وكالطهارة للصلاة فإنها شرط صحة فإذا تخلفت الطهارة بطلت الصلاة وكاستقبال القبلة وستر العورة والنية في الصلاة هي من شروط الصحة بمعنى أنها إذا تخلفت عن الصلاة فإن الصلاة أصلا لا تصح
وكالعقل لصحة العبادات من غير استثناء فإنه من شروط الصحة وكالإخلاص والمتابعة لصحة العبادات كلها فإنها من شروط الصحة في سائر العبادات فلا تصح العبادات إلا إذا توفر فيها شرط الإخلاص والمتابعة ، وبالجملة فشروط الصحة هي التي تتوقف عليها صحة العبادة بحيث إذا انعدمت انعدمت الصحة
ومن ذلك قول من قال : " الصلاة شرط صحة ومن تركها تهاونا وكسلا فهو كافر كفر أكبر مخرج من الملة "
وهذا أحد أقوال أهل السنة والجماعة اتباع السلف الصالح في هذه المسألة.
( ثانيا : شرط كمال )
فالمقصود فيه أن الأعمال التي لا يوجب تركها بالدليل الشرعي الكفر فهذه شرط كمال .
وسيأتي مزيد إيضاح إن شاء الله.
[ يتبع ما سبق ]
وهذه الألفاظ[ شرط صحة وشرط كمال ] معروف معناها عند كبار علماء الاسلام أنظر كلام الإمام ابن باز رحمه الله في مجلة الفرقان [العدد (٩٤)] عندما سُئل: أَعْمَالُ الجَوَارِحِ ؛ هَلْ هِيَ شَرْطُ كَمَالٍ، أَمْ شَرْطُ صِحَّةِ في الإِيْمَانِ؟!
فقال: “أَعْمَالُ الجَوَارِحِ -كَالصَّوْمِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالزَّكَاةِ- هِيَ مِنْ كَمَالِ الإِيْمَانِ، وَتَرْكُهَا ضَعْفٌ فِي الإِيْمَانِ. أَمَّا الصَّلاَةُ ؛ فَالصَّوَابُ: أَنَّ تَرْكَهَا كُفْرٌ؛ فَالإِنْسَانُ عِنْدَمَا يَأْتِي بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ: فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ كَمَالِ الإِيْمَانِ.” انتهى كلامه.
وقال الإمام ابن عثيمين رحمه الله في شرحه للأربعين [حديث (٣٤ )]:
“إذا دلّ الدليل على أن هذا العمل يخرج به الإنسان من الإسلام صار شرطاً لصحة الإيمان، وإذا دلّ دليل على أنه لا يخرج صار شرطاً لكمال الإيمان وانتهى الموضوع.”
وقال حافظ الحكمي رحمه الله [معارج القبول ( ٢ / ٣١)]بعد أن أورد أقوال المعتزلة قائلاً :
“والفرق بين هذا وبين قول السلف الصالح أن السلف لم يجعلوا كل الأعمال شرطاً في الصحة بل جعلوا كثيراً منها شرطاً في الكمال، كما قال عمر بن عبد العزيز فيها من استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان والمعتزلة جعلوها كلها شرطاً في الصحة والله أعلم.”
( ثالثا : جنس العمل )
لفظ حادث فيستفصل عن معناه فإن كان حقا قبل وإن كان باطلا رد
ولهذا اللفظ الحادث معاني منها
《 ١ 》
معنى باطل :
فمن أطلق هذا اللفظ و أراد معنى " ان من اعمال الجوارح والاركان تركها كلها حتى المندوبات والسنن ان تركت مفردة فهو كافر فهذه طريقة الخوارج المعتزلة ومنهم الإخوانية في تكفير عصاة المسلمين
ومالوا إلى تبديع أو تكفير كبار علماء الاسلام الذين قالوا : إن ترك الصلاة تهاونا وكسلا بإجتهاد مبني على إدلة الكتاب والسنة النبوية ورموهم بالإرجاء والتكفير فهذا قول الحدادية وهو عين قول المعتزلة الخوارج ومن تقلد مذهبهم كالحدادية
وهؤلاء جعلوا أعمال الجوارح هي المعتمده بغض النظر عن أعمال القلوب
فخطأ الحدادية تمثل في أنهم جعلوا الأعمال هي الجوارح فقط
وأما أعمال القلوب فقد أخرجوها من مسمى الأعمال ومسائل الإيمان
ونتج عن ذلك أنهم
جعلوا مسألة ترك الصلاة تهاونا وكسلا قولا واحدا
وأصروا على صحة الأثر في نقل الإجماع في كفر تارك الصلاة تهاونا وكسلا
مع ضعف سنده ومتنه
ومعلوم ثبوت أفعال أخرى بنصوص الشارع
ومعلوم أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يرون مثال الطعن في الأنساب والنياحة على الميت الوارد في السنة الصحيحة نوع من الكفر، وكذلك البراءة من الأنساب نوع من الكفر لكنه كفر أصغر فيدل على أن هذا إن متن الإجماع المؤيد لقول من قال بكفر ترك الصلاة تهاون وكسلا فيه نظر .
ويتبع ذلك أنهم لم ينظروا إلى خلاف غالب أهل السنة فيها فالجمهور من علماء المسلمين يرون عدم كفر تارك الصلاة تهاونا وكسلا كما مر معنا سابقا
ثم رتبوا
على هذه المسألة:
تكفير وتبديع ورمي بالإرجاء لمن خالف معتقدهم
《 ٢ 》
المعنى الآخر الصحيح :
وهو إن أراد القائل بهذا القول معنى ( ان الأعمال أعمال القلوب وأعمال الجوارح و اصحاب هذا القول
على مذهبين
منهم من قال بكفره بالدليل كترك الصلاة تهاونا وكسلا ومنهم من قال بعدم كفر تاركها تهاونا
وكسلا لإدلة الكتاب والسنة تؤيد قوله
ولم يبدع أو يرمي بعضهما بالإرجاء أو التكفير وإتفاقهم على أن أعمال القلوب تركها كفر صريح وأن من جحد وجوب عبادة كالصلاة مثلا مع علمه بالدليل
فكفره محل إجماع
يقول الإمام ابن باز رحمه الله:
حينما سئل عمن لا يُكفر تارك العمل هل هو مرجئ؟
فقال رحمه الله : "لا، هو من أهل السنة".[ تم نشر نص كلام الإمام ابن باز رحمه الله في مجلة الفرقان العدد( ٩٤) السنة العاشرة شهر شوال عام ١٤١٨ هجري ]
وأنظر كلامه رحمه الله حينما
سئل هذا السؤال ونصه :
" السؤال: نعود في بداية لقائنا إلى رسالة الأخ المعلم السوداني من اليمن (ق. ع. س.) عرضنا معظم أسئلته في حلقة مضت وفي هذه الحلقة له سؤال يقول: سمعت في البرنامج أن تارك الصلاة تهاوناً كافراً كفراً مخرجاً من الملة، ولكن الشافعية يقولون في كتاب النفحات الصمدية: إنه -أي: تارك الصلاة- يستتاب ويقتل ويصلى عليه ويغسل ويدفن في مقابر المسلمين، فما رأي سماحتكم وجزاكم الله خير الجزاء؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فقد علم أن ترك الصلاة تهاوناً من أكبر الكبائر ومن أعظم الجرائم؛ لأن الصلاة عمود الإسلام والركن الأعظم بعد الشهادتين فلهذا صار تركها من أقبح القبائح ومن أكبر الكبائر.
واختلف العلماء رحمة الله عليهم في حكم تاركها هل يكون كافراً كفراً أكبر، أو يكون حكمه حكم أهل الكبائر؟ على قولين لأهل العلم فمنهم من قال: إنه يكون كافراً كفراً أصغر كما ذكره السائل عن الشافعية وهكذا عن المالكية و الحنفية وبعض الحنابلة، وقالوا: إن ما ورد في تكفيره يحمل على أنه كفر دون كفر وتعلقوا بالأحاديث الدالة على أن من مات على التوحيد وترك الشرك فله الجنة، وهذا موحد مات على توحيد الله فلا يكون كافراً كفراً أكبر.
أما إذا جحد وجوبها قال: إنها غير واجبة، فهذا قد أجمع العلماء على كفره إذا اعتقد أنها غير واجبة وقال: أنها لا تجب من شاء صلى ومن شاء ترك، فهذا قد أجمع علماء المسلمين على أنه كافر كفراً أكبر عند الشافعية والحنبلية والمالكية والحنفية وغيرهم من أهل العلم وإنما الخلاف فيما إذا تركها تهاوناً فقط وهو يؤمن بوجوبها.
وقال بعض أهل العلم: إنه يكون كافراً كفراً أكبر وهو المنقول عن الصحابة عن أصحاب النبي ﷺ فإنه ثبت من حديث عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل قال: لم يكن أصحاب رسول الله ﷺ يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة ومعلوم أنهم يرون أن الطعن في الأنساب والنياحة على الميت نوع من الكفر، والبراءة من الأنساب نوع من الكفر لكنه كفر أصغر، فعلم أن مراده بذلك أن ترك الصلاة كفر أكبر ليس من جنس ما ورد في النصوص تسميته كفراً وهو كفر أصغر.
واحتجوا أيضاً بما ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة، واحتجوا أيضاً بما رواه الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر، وبقوله ﷺ لما سئل عن الأئمة الذين يتركون بعض ما أوجب الله ويتعاطون بعض ما حرم الله سأله السائل عن قتالهم قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وفي اللفظ الآخر: إلا أن تروا كفراً بواح.
فدل ذلك على أن ترك الصلاة كفر بواح فيه أدلة أخرى، وهذا هو القول الصواب وإن كان القائلون به أقل من القائلين بأنه كفر أصغر لكن العبرة بالأدلة لا بكثرة الناس، يقول الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }[النساء:٥٩ ]، ويقول سبحانه: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } [الشورى: ١٠ ].
فالأدلة الشرعية قائمة على أن تركها كفر أكبر ولو كان ذلك تهاوناً من غير جحد للوجوب، وأما ما يتعلق بالموت على التوحيد فيقال: إن من ترك الصلاة ما يكون مات على التوحيد بل يكون مات على الكفر، قوله ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها والصلاة من حقها.
ويدل على هذا قوله في الحديث الآخر في الصحيحين يقول ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله، ويقول جل وعلا عن أهل النار: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ } [المدثر:٤٢ -٤٦].
فذكر من موجبات دخولهم النار تركهم الصلاة ذكر أن من موجبات دخولهم النار تركهم الصلاة، نسأل الله العافية، فالواجب على أهل الإسلام من الرجال والنساء الحذر من ترك الصلاة تهاوناً أو جحداً لوجوبها، ومن جحد وجوبها كفر إجماعاً ومن تركها تهاوناً وتساهلاً بها كفر في أصح قولي العلماء، فالواجب الحذر، نسأل الله للمسلمين العافية والسلامة. نعم ".[ انتهى كلامه رحمه الله من موقعه الرسمي ]
[[ الفصل الثالث : كشف شبه أهل التكفير عن أحاديث الشفاعة وحديث البطاقة ]]
وجوابا عن سؤالك عن أحاديث الشفاعة وحديث البطاقة
فإتفاق الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين وأئمة المسلمين وسائر أهل السنة على التسليم بأحاديث الشفاعة، "وعلى أنه لا يبقى في النار أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان".
وأقول: بل في الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه-: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ.
ولم ينقل شيخ الإسلام ولا غيره عن أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من بعدهم أنه قال: إن أحاديث الشفاعة من المتشابه.[ الرد على من يقول: إن أحاديث الشفاعة وحديث البطاقة من المتشابه مخالفين لإجماع الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين" للامام ربيع حفظه بتصرف يسير "]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْبِطَاقَةِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِي وَغَيْرُهُمَا { يُجَاءُ بِرَجُلِ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ فَيُقَالُ لَهُ : هَلْ تُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ . فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ فَيُقَالُ لَهُ : أَلَكَ عُذْرٌ أَلَكَ حَسَنَةٌ ؟ فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ فَيَقُولُ : بَلَى إنَّ لَك عِنْدَنَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْك الْيَوْمَ قَالَ فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَتُوضَعُ الْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ وَالسِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ } . فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يُظْلَمُ بَلْ يُثَابُ عَلَى مَا أَتَى بِهِ مِنْ التَّوْحِيدِ كَمَا قَالَ تَعَالَى { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } { وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } ". [مجموع الفتاوى ( ٨ / ٩١ )] .
وقال رحمه الله:
(وَحَدِيثُ أَبِي كَبْشَةَ([ ٥ ]) فِي النِّيَّاتِ مِثْلُ حَدِيثِ الْبِطَاقَةِ فِي الْكَلِمَاتِ . وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ رَجُلًا مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْشُرُ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدَى الْبَصَرِ وَيُقَالُ لَهُ هَلْ تُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ هَلْ ظَلَمْتُك ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ . فَيُقَالُ لَهُ : لَا ظُلْمَ عَلَيْك الْيَوْمَ فَيُؤْتَى بِبِطَاقَةِ فِيهَا التَّوْحِيدُ ؛ فَتُوضَعُ فِي كِفَّةٍ وَالسِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ } فَهَذَا لِمَا اقْتَرَنَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ وَالصَّفَاءِ وَحُسْنِ النِّيَّةِ ؛ إذْ الْكَلِمَاتُ وَالْعِبَادَاتُ وَإِنْ اشْتَرَكَتْ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّهَا تَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ أَحْوَالِ الْقُلُوبِ تَفَاوُتًا عَظِيمًا). [مجموع الفتاوى( ١٠ / ٧٣٤ - ٧٣٥)] .
وقال رحمه الله:
" وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ تَتَفَاضَلُ بِالْأَجْنَاسِ تَارَةً وَتَتَفَاضَلُ بِأَحْوَالِ أُخْرَى تَعْرِضُ لَهَا : تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا قَدْ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ هَذَا . وَالْعَبْدُ قَدْ يَأْتِي بِالْحَسَنَةِ بِنِيَّةِ وَصِدْقٍ وَإِخْلَاصٍ تَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ أَضْعَافِهَا . كَمَا فِي حَدِيثِ صَاحِبِ الْبِطَاقَةِ الَّذِي رَجَحَتْ بِطَاقَتُهُ الَّتِي فِيهَا : "لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"بِالسِّجِلَّاتِ الَّتِي فِيهَا ذُنُوبُهُ . وَكَمَا فِي حَدِيثِ الْبَغِيِّ الَّتِي سَقَتْ كَلْبًا بِمُوقِهَا فَغَفَرَ اللَّهُ لَهَا . وَكَذَلِكَ فِي السَّيِّئَاتِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " .[مجموع الفتاوى( ١١ / ٦٦٠)] .
و قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه [حادي الأرواح( ٢٧٢- ٢٧٣)] :
"الوجه العشرون أنه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة "فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه"، فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار بحيث صاروا حمما وهو الفحم المحترق بالنار، وظاهر السياق أنه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير، فإن لفظ الحديث هكذا"فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول الله عز و جل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض الله قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط"، فهذا السياق يدل على أن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير ومع هذا فأخرجتهم الرحمة.
ومن هذا رحمته سبحانه للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ويذروه في البر والبحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه فهذا قد شك في المعاد والقدرة ولم يعمل خيرا قط، ومع هذا فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال خشيتك وأنت أعلم فما تلافاه أن رحمه الله، فلله سبحانه وتعالى في خلقه حكم لا تبلغه([ ٦ ]) عقول البشر، وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال: (يقول الله عز وجل أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام)"( ٧ ).اهـ
[[ الخاتمة : نسأل الله حسنها ]]
في ما مضى من نقولات علمية مبنية إدلة الكتاب والسنة النبوية والإجماع بنقل العدول الثقات الحفظة الأثبات أهل الحديث والأثر و الفقه والنظر من كبار علماء الاسلام وأئمة السنة وأعلام الهدى ومصابيح الدجى فقد أحلتك عليهم وقد ثبت في السنة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( مطل الغني ظلم ومن أحيل على مليء فليحتل) وفي لفظ لهما ( وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع )
وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة وكفانا الله واياكم شر أهل الشبه والبدع والاحزاب والجماعات الضالة بمنه وفضله ورحمته وكرمه
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
-------------------
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني
حرر في يوم السبت الموافق ١٣ ذو القعدة ١٤٤١ هجري
...................
([ ٥ ]) يشير إلى الحديث الذي أخرجه ابن ماجه ( ٥ / ٤٢٢٨)، والترمذي( ٤ / ٢٣٢٥) وأحمد( ٤ / ٢٣٠) ، عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ بِهِ فِي مَالِهِ فَيُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مال هذا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِيهِ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِي مَالٌ مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاء).
[ ٦ ] - والصواب: "لا تبلغها".
[ ٧ ] - رواه الترمذي في "سننه" حديث ( ٢٥٩٤) ثم قال: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ". ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. ورواه ابن خزيمة في "التوحيد" من طرق، صرّح مبارك بن فضالة بالسماع في إحداهن، انظر حديث( ٤٥١ و ٤٥٢و ٤٥٣) . ورواه ابن أبي عاصم في كتاب "السنة" حديث ( ٨٣٣ ).وحسنه الألباني لأن مداره على مبارك بن فضالة. وابن فضالة قال فيه الحافظ ابن حجر: "صدوق يدلس ويسوي". وقال الذهبي في "الكاشف": قال عفان ثقة من النساك وكان وكان. وقال أبو زرعة إذا قال: حدثنا، فهو ثقة، وقال النسائي: ضعيف"
[ وصية مهمة ] استفدنا
في رسالتنا هذه من كلام الإمام ربيع المدخلي حفظه الله خيرا كثيرا وإتماما للفائدة
فهذا رابط رسالته أوصيكم بالإطلاع عليها :
http://www.rabee.net/ar/articles.php?cat=8&id=297