الاثنين، 20 أبريل 2020

《 حكم إنكار تلبس الجن بالإنس 》


بسم الله الرحمن الرحيم 

السؤال : 
أحسن الله إليكم 
فضيلة الشيخ :
 ما حكم من ينكر دخول الجن
بالإنس ؟
 ويقول :  هذه خزغبلات وهل يعتبر مكذب لله و رسوله ويكفر باعتقاده هذا المعتقد ؟ 
أفتونا مأجورين ..جزاكم الله خيرا..


الجواب :
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 
أما بعد  
فإنكار دخول الجن بالإنس دعوى باطلة وعمل محرم إذ أن تلبس الجن بالإنس حقيقة واقعة دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع و قصص كثيرة إستفاضة و أتى إثبات تلبسهم ودخولهم بالإنس في كلام الله سبحانه وتعالى فقال تعالى : { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ}
قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره لهذه الآية : " آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق" رواه ابن أبي حاتم رحمه الله في تفسيره( ١ / ٣٣٠).
وثبت  في  سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري ومسلم رحمهما  من حديث  أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) وهو كذلك في الصحيحين من حديث صفية بنت حيي رضي الله عنها وفيه قصة ، 
وفي سنن ابن ماجه رحمه الله عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه  قال لما استعملني رسول الله صلى الله عليه و سلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي . فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم . فقال : ( ابن أبي العاص ؟ ) قلت نعم يا رسول الله قال ( ماجاء بك ؟ ) قلت يا رسول الله عرض لي شيء في صلواتي حتى ما أدري ما أصلي . قال ( ذاك الشيطان . ادنه ) فدنوت منه . فجلست على صدور قدمي . قال فضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال ( اخرج . عدو الله ) ففعل ذلك ثلاث مرات . ثم قال ( الحق بعملك ) قال فقال عثمان فلعمري ما أحسبه خالطني بعد )  صححه إسناده الإمام الألباني رحمه الله  .
وإجماع المسلمين على هذا المعتقد وإتفاقهم .
و[ شذت المعتزلة  فأنكروا ذلك فمن وجدتم من هذه حاله فهو معتزلي أو متأثر بفكرهم ولنا كتاب  عن المعتزلة ذكرنا فيها أهم شخصياتهم سابقا ومن قام بتأسيسها وشخصياتهم البارزة في هذا العصر ووضحنا  فيه  أين يوجد الفكر المعتزلي أو الإنعزالي وعلاماتهم وحكم علماء الاسلام فيهم وأين يوجد هذا المذهب الفكري المنحرف في هذا العصر ؟ ].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: 
" الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثاني: هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه.
وأما صرع الأرواح فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه، ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة، فتدافع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها، وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه، فذكر بعض علاج الصرع وقال: (هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة، وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج. 
وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ومن يعتقد بالزندقة فضيلة فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع، وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها..وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده، ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم. 
وعلاج هذا النوع يكون بأمرين: أمر من جهة المصروع، وأمر من جهة المعالج، فالذي من جهة المصروع: يكون بقوة نفسه وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها، والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان، فإن هذا نوع محاربة، والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين:
(    الأول    ) :

 أن يكون السلاح صحيحاً في نفسه جيداً، وأن يكون الساعد قوياً فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل، فكيف إذا عدم الأمران جميعاً! ويكون القلب خراباً من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه، ولا سلاح له. 

و (   الثاني   )  :
من جهة المعالج: بأن يكون فيه هذان الأمران أيضاً، حتى أن من المعالجين من يكتفي بقوله: (اخرج منه) أو يقول: (بسم الله) أو يقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اخرج عدو الله أنا رسول الله)[ حديث صحيح رواه الإمام أحمدوصححه الإمام الألباني رحمهما الله في السلسلة الصحيحة( ١ / ٨٧٦)].
وشاهدت شيخنا[ يعني به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ] يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه. ويقول قال لك الشيخ: اخرجي، فإن هذا لا يحل لك، فيفيق المصروع، وربما خاطبها بنفسه وربما كانت الروح ماردةً فيخرجها بالضرب. فيفيق المصروع ولا يحس بألم، وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مراراً..وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر والتعاويذ والتحصنات النبوية والإيمانية، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه، وربما كان عرياناً فيؤثر فيه هذا.."[زاد المعاد في هدي خير العباد بتصرف يسير ( ٤ / ٦٦- ٦٩)].

ومن أنكر هذا الأمر  فهو منكر ومكذب لخبر الله سبحانه و تعالى ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومشاقق للمؤمنين 
وما عليه إجماع بني آدم قاطبة حتى الكفار يقرون بهذا 
[ هو الآن منتشر يجري في بعض دماء  فرقة الإخوانية الخوارج لإحيائها المذاهب الفكرية المندثرة تحت عباءة تجمع حزب الإخوانية السياسي ومن ثم أصابتهم عدوى ووباء المعتزلة - أعاذنا الله وإياكم منهم ومن شرورهم ومن إنتقال عدواهم ودعوتهم    ]  ويجب الرد عليهم لمن كان مؤهلا عقديا مؤصلا علميا مضمنا رده إدلة الكتاب والسنة و بالحجج العقلية لأن المنكر صاحب عقل منحرف يقدم العقل المريض على نصوص الوحيين ؛ فكثير من المعتزلة يثبتون وجود الجن لكن ينكرون دخول الجن بالإنس تكذيبا للمنقول وإنكارا للمعقول .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: 
" قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل : 
" قلت لأبي إن أقواماً يقولون: إن الجني لا يدخل بدن المصروع، فقال: يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه" ، وهذا الذي قاله أمر مشهور، فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويضرب على بدنه ضرباً عظيماً لو ضرب به جمل لأثر به أثراً عظيماً، والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله، وقد يجر المصروع غير المصروع ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول الآلات وينقل من مكانٍ إلى مكان، ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علماً ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان، وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك " [ مجموع الفتاوى( ٢٤ / ٢٧٦ - ٢٧٧ )]

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 


.....

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه:

غازي بن عوض العرماني