الجمعة، 26 يناير 2024

[ الفهم الصحيح للنصوص الشرعية و إدراك المعنى الحق لألفاظ أهل العلم من علامات سلوك طالب العلم هدي السلف الصالح ولزوم جادتهم ]



بسم الله الرحمن الرحيم 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً 

أما بعد 

فقد استمعت الي احد طلاب العلم يتحدث عن معنى  الإعراض عن دين الله 

فتبين لي من كلامه  أنه يريد إلزام الناس بأن يكونوا جميعهم من أهل العلم

وإلاكانوا من المعرضين عن دين الله وهذا أتى من سوء فهمه لعبارة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى بأن " من نواقض الإسلام الإعراض عن العلم لا يتعلمه ولا يعمل به "

و سوء فهم المتحدث  بسبب عدم تفريقه بين لفظ الإعراض عن دين الله وبين جهل كثير من الناس بالعلم الشرعي 

فإن الإعراض المقصود بالآيات الواردة في كلام الله سبحانه وتعالى هو ترك العلم والعمل الكلي بدين الإسلام وإهماله وعدم اخذ تعاليمه كلها بعين الاعتبار وكراهة علم الشرع ف"يُعرِضَ بسَمْعِه وقَلْبِه عن الرَّسولِ، لا يُصَدِّقُه ولا يُكَذِّبُه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يُصغي إلى ما جاء به البتَّةَ"

والإعراض هو ترك العلم والعمل  بالشرع جملة وتفصيلا وعدم تصديقه { فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى }.{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} 

{بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون}

والإعراض يأتِ بمعنى مخالفة الشرع قال الله تعالى وتقدس :{ ومن أعرض عن ذكري } " أي : خالف أمري ، وما أنزلته على رسولي ، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه { فإن له معيشة ضنكا } أي : في الدنيا ، فلا طمأنينة له ، ولا انشراح لصدره ، بل صدره  ضيق حرج لضلاله ، وإن تنعم ظاهره ، ولبس ما شاء وأكل ما شاء ، وسكن حيث شاء ، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى ، فهو في قلق وحيرة وشك ، فلا يزال في ريبة يتردد . فهذا من ضنك المعيشة ". [ من تفسير ابن كثير رحمه الله ] 

وأما نهجه الذي اتخذه فلا شك عند أهل العلم بخطئه وإنحرافه. 

و فضل العلم معلوم  فإن" الرسول ﷺ يقول: ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما) وسمعتم في الندوة قال الله جل وعلا: { فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} نفروا: سافروا هنا وهنا {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}  لا يجلس ويريد العلم، وأنا جالس عند أمي، وزوجتي، لا، يطلب العلم، يلتمس العلم. 

الله يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} كيف تعبد ربك وأنت ما تطلب العلم؟ّّ! لا بد من طلب العلم، لا بد من حضور حلقات العلم؛ حتى تعرف العبادة، ما هي العبادة التي أنت مخلوق لها؟! مأمور بها من توحيد الله، والإخلاص له، والصلاة، والصوم، والحقوق الأخرى التي عليك لله، ولعباده، فلا بد أن تطلب هذا العلم.وحديث آخر في الصحيحين يقول ﷺ: ( من يرد الله به خيرًا؛ يفقهه في الدين) هذا الحديث العظيم: (من يرد الله به خيرًا؛ يفقهه في الدين) معنى هذا الحديث: أن الذي ما أراد الله به خيرًا ما يتفقه في الدين، هذا معنى الحديث، مفهومه أن المعرض الغافل الذي ما يهتم، معناه أن الله ما أراد به خيرًا نسأل الله العافية.أما الذي يطلب العلم، ويتفقه في الدين، ويسأل، ويحضر ندوات العلم، ويسأل العلماء، ويسمع أيضًا ما يذاع فيما يتعلق بالعلم، فهذا يريد يطلب العلم، ومن طلبه وجده"[ من كلام الإمام ابن باز رحمه الله من موقعه الرسمي ] 

" والفقه : هو معرفة أحكام الدين ، وهو ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية ، ففرض العين مثل : علم الطهارة والصلاة ، والصوم ، فعلى كل مكلف معرفته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) . وكذلك كل عبادة أوجبها الشرع على كل واحد ، يجب عليه معرفة علمها ، مثل : علم الزكاة إن كان له مال ، وعلم الحج إن وجب عليه .

وأما فرض الكفاية فهو : أن يتعلم حتى يبلغ درجة الاجتهاد ورتبة الفتيا ، فإذا قعد أهل بلد عن تعلمه عصوا جميعا ، وإذا قام من كل بلد واحد فتعلمه سقط الفرض عن الآخرين ، وعليهم تقليده فيما يقع لهم من الحوادث"[ من تفسير البغوي رحمه الله] 

والعلم بكلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم "حاجة العباد إليه فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة، لأنه لا حياة للقلوب، ولا نعيم ولا طمأنينة، إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها، بأسمائه وصفاته وأفعاله. ويكون مع ذلك كله أحب إليها مما سواه، ويكون سعيها فيما يقربها إليه دون غيره من سائر خلقه. 

ولا ريب أنه يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول إيمانا عاما مجملا، ولا ريب أن معرفة ما جاء به الرسول على التفصيل فرض على الكفاية، فإن ذلك داخل في تبليغ ما بعث الله به رسوله، وداخل في تدبر القرآن وعقله وفهمه، وعلم الكتاب والحكمة، وحفظ الذكر، والدعاء الى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعاء الى سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ونحو ذلك مما أوجبه الله على المؤمنين، فهو واجب على الكفاية منهم.وأما ما يجب على أعيانهم: فهذا يتنوع بتنوع قدرهم، وحاجتهم ومعرفتهم، وما أمر به أعيانهم، ولا يجب على العاجز عن سماع بعض العلم أو عن فهم دقيقه ما يجب على القادر على ذلك.ويجب على من سمع النصوص، وفهمها من علم التفصيل ما لا يجب على من لم يسمعها، ويجب على المفتي والمحدث والحاكم ما لا يجب على من ليس كذلك.وينبغي أن يعرف أن عامة من ضل في هذا الباب أو عجز فيه عن معرفة الحق، فإنما هو لتفريطه في اتباع ما جاء به الرسول، وترك النظر والاستدلال الموصل إلى معرفته.فلما أعرضوا عن كتاب الله ضلوا، كما قال تعالى: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } [من مقدمة شرح الطحاوية لإبن أبي العز رحمه الله] 

ف "أحوالَ النَّاسِ تتفاوَتُ تفاوتًا عظيمًا، وتفاوُتُهم بحَسَبِ دَرَجاتِهم في الإيمانِ إذا كان أصلُ الإيمان موجودًا، والتفريطُ والتَّركُ إنَّما هو فيما دون ذلك من الواجباتِ والمستحَبَّاتِ، وأمَّا إذا عُدمَ الأصلُ الذي يدخُلُ به في الإسلامِ، وأعرضَ عن هذا بالكليَّةِ، فهذا كُفرُ إعراضٍ، فيه قَولُه تعالى: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} ، وقَولُه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[ من كلام الشيخ عبداللطيف ال الشيخ رحمه الله في الدرر السنية. 

قال العلامة سليمان بن سحمان رحمه الله : " فتبين من كلام الشيخ أن الإنسان لا يكفر إلا بالإعراض عن تعلم الأصل الذي يدخل به الإنسان في الإسلام لا بترك الواجبات والمستحبات" [ الدرر السنية(١٠ / ٤٧٢-٤٧٣)].

وفي عرض ما سبق من كلام أهل العلم المبنى على كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه هدي سلفنا الصالح يتبين للإخوة خطأ هذا المتحدث إذ في كلامه نوع من التكليف بما لا يطاق. 

اسأل الله الحي القيوم ذا الجلال والإكرام أن يمن علينا وعليكم وعلى هذا الأخ الهدى والتقى والعفاف والغنى ولزوم هدي السلف الصالح ونهجهم. 

ورزقنا الله وإياكم رؤية الله سبحانه وتعالى في الفردوس الأعلى من الجنة.

ووهب لنا ولكم علما نافعا وعملا صالحا ودعوة متقبلة ورزقا طيبا واسعا حلالا واحسن الله لنا ولكم الخاتمة.

والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

°°°°°°°°°°°°

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني.