السبت، 15 فبراير 2020

《 آداب يجهلها كثير من الناس 》

بسم الله الرحمن الرحيم 




[ المقدمة ؛ ضعف بني آدم عليه الصلاة والسلام  ] 

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 
أما بعد  :

فيقول الله تعالى{ وفي أنفسكم أفلا تبصرون } ويقول  تعالى وتقدس { وخلق الإنسان ضعيفا } 
فالمتأمل في تركيبة بني آدم عليه الصلاة والسلام  يرى   عظيم خلق الله الدال على ربوبية الله  ووحدانيته  ويرى ضعف   الجنس البشرى  ونقصه فخروج الريح سبب
طبيعي وضعه الله 
لإستقامة حياة الإنسان وإستمراريتها و توقف خروجها سبب لمرضه وهلكته وهذا الأمر الطبيعي في تركيبته ترتب عليها مسائل وأحكام نستعرض بعضها في رسالتنا هذه المتواضعة .

............
[   طالب العلم لا يتكبر ولا يستحٍ من الحق ومن طلب العلم بدليله ]

طالب العلم النافع والذي يحرص على العمل الصالح تجده حريصا على معرفة أحكام الشرع وما يجب لله ومايمتنع عنه ويحرص على معرفة الطريق المستقيم الموصل إلى الله وإلى طاعته ومرضاته ولا يتم له هذا الأمر إلا بعلم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة الصالحين وهديهم ومثل مسائل رسالتنا هذه  من الفقه في الدين إمتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ) إتفق على صحة هذا الحديث الإمامان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما
 و في صحيح البُخاري رحمه الله عن مُجاهد رحمه الله: (  لا يتعلَّمُ العلم مُستَحٍ ولا مُستَكبِر )

قال الإمام إبن كثير رحمه الله في تفسيره : 
" وروى إبن أبي حاتم وإبن جرير ، من حديث عاصم بن كليب ، عن سعيد بن معبد ، عن إبن عباس : ( وعلم آدم الأسماء كلها ) قال : علمه إسم الصحفة والقدر ، قال : نعم حتى الفسوة والفسية " إنتهى كلامه رحمه الله. 

فأحرص ياعبدالله  على تعلم العلم الشرعي  وعلى تعلم  ماينفعك في أمر دينك فأنت في دار فانية قريب رحيلك فأستعد للقاء الله بالأعمال الصالحة { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ } .

............
 [ حكم  الضحك من الضراط الذي خرج منك أو من غيرك ]

قال الإمام البخاري رحمه الله  ( ٥٥٨٢ ) 
: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ : ( نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَضْحَكَ الرَّجُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْأَنْفُسِ )
وروى البخاري( ٤٩٤٢)  ومسلم ( ٢٨٥٥) رحمهما الله عن عبد الله بن زَمْعَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظَهُمْ فِي ضَحِكِهِمْ مِنْ الضَّرْطَةِ وَقَالَ : (لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ)

قال النووي رحمه الله :" َفِيهِ  النَّهْي عَنْ الضَّحِك مِنْ الضَّرْطَة يَسْمَعهَا مِنْ غَيْره , بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَغَافَل عَنْهَا وَيَسْتَمِرّ عَلَى حَدِيثه وَاشْتِغَاله بِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ غَيْر اِلْتِفَات وَلَا غَيْره , وَيُظْهِر أَنَّهُ لَمْ يَسْمَع.وَفِيهِ حُسْن الْأَدَب وَالْمُعَاشَرَة " إنتهى من [ شرح النووي على مسلم( ١٧ / ١٨٨ )]
 وقال في عمدة القاري ( ١٩ / ٢٩٤ )  
" وفيه الأمر بالإغماض والتجاهل والإعراض عن سماع صوت الضراط وكانوا في الجاهلية إذا وقع من أحدهم ضرطه في المجلس يضحكون ونهى الشارع عن ذلك إذا وقع وأمر بالتغافل عن ذلك والاشتغال بما كان فيه وكان هذا من جملة أفعال قوم لوط عليه الصلاة والسلام فإنهم كانوا يتضارطون في المجلس ويتضاحكون " .
 وقال في تحفة الأحوذي( ٩ / ١٨٩ )  " وكانوا في الجاهلية إذا وقع ذلك من أحد منهم في مجلس يضحكون فنهاهم عن ذلك " .
قال شيخنا الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالی في شرحه لهذا الحديث في كتابه شرح رياض الصالحين  :
" يعني إذا ضرط الإنسان وخرجت الريح من دبره ولها صوت ضحكوا فقال صلى الله عليه وسلم واعظا لهم في ذلك  لم يضحك أحدكم مما يفعل ؟ ألست أنت تضرط كما يضرط هذا الرجل ؟ بلى إذا كان كذلك فلماذا تضحك؟ فالإنسان إنما يضحك ويتعجب من شیء لا يقع منه، أما ما يقع منه فإنه لا ينبغي أن يضحك منه، ولهذا عاتب النبي صلى الله عليه وسلم من يضحكون من الضرطة لأن هذا شيء يخرج منهم  عند كثير من الناس في بعض الأعراف لا يبالون إذا ضرط أحدهم وإلى جنبه إخوانه ولا يحتشمون من ذلك أبدا ويرون أنها من جنس العطاس أو السعال أو ما أشبه ذلك، ولكن في بعض الأعراف ينتقدون
هذا" إنتهى كلامه رحمه الله .

................
[ ما حكم الضراط في المجالس وأمام الناس بلا عذر شرعي   ]
 وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ( ٢٦ / ١١١ ) :
حدث في هذا الزمان أناس وللأسف إذا اجتمعوا في بعض مجالسهم يتضارطون فيضحكون على ذلك معجبين بهذا الفعل، وإذا قيل لهم: اتركوا هذه الأفعال الذميمة، قالوا: إنها أولى من الجشاء أو مثله، مع عدم الدليل المانع لذلك، فبماذا يجابون؟ أثابكم الله.
فأجابوا:
"لا يجوز التضارط تصنعا، ولا الضحك من ذلك؛ لمخالفة ذلك للمروءة ومكارم الأخلاق، وليس ذلك مثل الجشاء، فإن الجشاء يخرج عادة دون قصد إليه ولا يضحك منه، أما إذا خرج الضراط من مخرجه الطبيعي دون تصنع - فلا حرج فيه، ولا يجوز الضحك منه ؛ لما ثبت عن عبد الله بن زمعة أنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يضحك الرجل مما يخرج من الأنفس) رواه البخاري " إنتهى من 
"فتاوى اللجنة الدائمة" .

............
 [ هل يعتبر الضراط بلا عذر  من خوارم المروءة ؟ ]

الضراط في المجالس بلا عذر شرعي كالمرض 
عده أهل العلم من سئ الأخلاق وخوارم المروءة  ومن علم من حاله هذه الخصلة السيئة فلا تقبل شهادته بل ترد ؛ أعاذنا الله وإياكم من الأخلاق السيئة والعادات المذمومة ؛ قال الخرائطي رحمه الله في [مكارم الأخلاق( ١ / ٤٨٤ )] 
" ولا شك أن تعمد إخراج الريح أمام الناس لغير عذر مناف للحياء، مناقض للمروءة، وهو من مساوئ الأخلاق، لا يعهد مثله إلا عن السفهاء " . إنتهى كلامه رحمه الله .

..........
[ ورد أن الضراط في المجالس من أعمال من كذب وكفر بالله و بنبي الله لوط عليه الصلاة والسلام ]

عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَكْرٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ : سُئِلَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) مَا ذَاكَ الْمُنْكَرُ ؟ قَالَ : "كَانُوا يَتَضَارَطُونَ فِي الْمَجْلِسِ ، يَضْرِطُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَالنَّادِي : الْمَجْلِسُ" .

"تفسير إبن أبي حاتم" ( ١١ / ٤٢٥ )
وروى مثله عن عائشة وإبن عباس والقاسم إبن أبي بزة وغيرهم رضي الله عنهم. 

 تفسير إبن كثير ( ٦ / ٢٧٦ ) 
و تفسير الطبري  ( ٢٩ / ٢٠ ) .

..................
 [  من نواقض الوضوء ؛ خروج الريح ]

عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (لا تُقبَلُ صلاةُ مَن أحْدَثَ حتَّى يتوضَّأَ )، قال رجلٌ مِن حَضرمَوت: ما الحدَثُ يا أبا هُرَيرةَ؟ قال: " فُساءٌ أو ضُراطٌ " 
رواه البخاري رحمه الله في صحيحه واللفظ له حديث رقم ( ١٣٥ ) ومسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ٢٢٥ )
................ [  خروج الريح مما يستحيى منه ؛ وكيف يتصرف من خرج منه الريح أثناء الصلاة ]
روى أبو داود رحمه الله في سننه ( ١١١٤ )  عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (  إِذَا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْصَرِفْ ) صححه الإمام الألباني رحمه الله  في "صحيح أبي داود" .
قال في "عون المعبود" ( ٣ / ٣٢٦ )  :
"(فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ) : قَالَ الْخَطَّابِيُّ : إِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذ بِأَنْفِهِ لِيُوهِم الْقَوْم أَنَّ بِهِ رُعَافًا (نزيفاً) .
 وَفِي هَذَا الْبَاب مِنْ الْأَخْذ بِالْأَدَبِ فِي سَتْر الْعَوْرَة وَإِخْفَاء الْقَبِيح وَالتَّوْرِيَة بِمَا هُوَ أَحْسَن , وَلَيْسَ يَدْخُل فِي بَاب الرِّيَاء وَالْكَذِب , وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ التَّجَمُّل وَاسْتِعْمَال الْحَيَاء وَطَلَب السَّلَامَة مِنْ النَّاسِ" إنتهى كلامه رحمه الله .

.............
[ حسد المشركين لأهل الإسلام   من تمام دينهم  الحنيف وكماله ]

قال الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه: ( قالَ لنا المُشْرِكُونَ إنِّي أرَى صاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ حتَّى يُعَلِّمَكُمُ الخِراءَةَ، فقالَ: أجَلْ إنَّه نَهانا أنْ يَسْتَنْجِيَ أحَدُنا بيَمِينِهِ، أوْ يَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ، ونَهَى عَنِ الرَّوْثِ والْعِظامِ وقالَ: لا يَسْتَنْجِي أحَدُكُمْ بدُونِ ثَلاثَةِ أحْجارٍ ) . رواه مسلم رحمه الله في صحيحه حديث رقم ( ٢٦٢ ).
وروى البخاري ومسلم أن رجلاً من اليهود جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين! إنكم تقرؤون آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً. قال: وأيُّ آية؟ قال: قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}، فقال عمر: ( والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزلت عشية عرفة في يوم جمعة )

 ..................
[ فائدة ؛ وبها تكون خاتمة رسالتنا ]

عَنْ أَبي هُريْرَةَ رضي الله قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذا نُودِي بالصَّلاةِ، أَدْبرَ الشيْطَانُ ولهُ ضُرَاطٌ حتَّى لاَ يسْمع التَّأْذِينَ، فَإِذا قُضِيَ النِّداءُ أَقْبَل، حتَّى إِذا ثُوِّبَ للصَّلاةِ أَدْبَر، حَتَّى إِذا قُضِيَ التَّثْويِبُ أَقْبلَ، حَتَّى يخْطِر بَيْنَ المرْءِ ونَفْسِهِ يقُولُ: اذْكُرْ كَذا، واذكُرْ كذا لمَا لَمْ يكن يذْكُرْ منْ قَبْلُ حَتَّى يظَلَّ الرَّجُلُ مَا يدرَي كَمْ صلَّى )
متفقٌ عَلَيْهِ.
فأحذروا عباد الله من التشبه بالشيطان وإستعيذوا بالله من شرور النفس والشيطان ورفقاء السوء ...
رزقنا الله واياكم العلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة 
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 
..........
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه  :
غازي بن عوض العرماني.