الأربعاء، 11 سبتمبر 2024

( خلق الله السموات والأرض وجميع الخلق لعبادة الله وحده لا شريك له)

بسم الله الرحمن الرحيم 






الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 

أما بعد

فقد اطلعني احد الأخوة طلاب العلم على مقطع صوتي لأحد مشاهير الدعاة يعظ الناس ويذكرهم وأثناء وعظه قال :" 

لا تقول هذاك نبي

لا

لا

انت عبده

انت حبيبه

انت الذي من أجلك خلقت السموات والأرض".انتهى كلامه.

وهذامنه  خطأ عقدي فالله خلق الخلق لأجل عبادته لا لأجل الإنسان وكان عليه سلوك سبيل الانبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في طريقة وكيفية دعوتهم وذلك بالعلم النبوي الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم امتثالا لقول الله تعالى وتقدس:{ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

قال الامام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة:"

يقول [ الله ] تعالى لعبده ورسوله إلى الثقلين : الإنس والجن ، آمرا له أن يخبر الناس : أن هذه سبيله ، أي طريقه ومسلكه وسنته ، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ، ويقين وبرهان ، هو وكل من اتبعه ، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي .

وقوله : ( وسبحان الله ) أي : وأنزه الله وأجله وأعظمه وأقدسه ، عن أن يكون له شريك أو نظير ، أو عديل أو نديد ، أو ولد أو والد أو صاحبة ، أو وزير أو مشير ، تبارك وتعالى وتقدس وتنزه عن ذلك كله علوا كبيرا ، { تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا }.[ الإسراء : ٤٤] .

 ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم هي دعوة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى الذي هو دعوة جميع الانبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام لقومهم فما من نبي إلا دعا إلى توحيد الله تعالى وتقدس 

قال الله تعالى:{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}

فدعوة نوح وهود وصالح وابراهيم وشعيب عليهم الصلاة والسلام:{ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: ٨٥] .

وعيسى عليه الصلاة و السَّلامُ قال لقَومِه: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}.[ ال عمران : ٥١ ].

وفساد قول هذا الداعية عفا الله عنا وعنه بين واضح وذلك ان الله سبحانه وتعالى خلق جميع الخلق بما فيها السموات السبع والأرضين السبع ليعبد الله وحده لا شريك له، ليعرف بأسمائه وصفاته، هذا هو الحق، وهذا الذي قضت عليه الأدلة لا اجل الرسل ولا اجل فلان او فلان من الناس وإن كان محمد عليه الصلاة والسلام الذي هو أشرف الناس وهو أفضل الناس عليه الصلاة والسلام وهو خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم ، لكن الله خلقه ليعبد ربه، وخلق الناس ليعبدوا ربهم سبحانه وتعالى، ما خلقهم من أجل محمد وإن كان أفضل الناس، 

فالله سبحانه خلق الخلق ليعبد وحده لا شريك له وليعرف بأسمائه وصفاته وأنه الحكيم العليم وأنه السميع المجيب وأنه العليم القادر على كل شيء سبحانه وتعالى، وأنه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه وتعالى. 

فخلق الله للخلق ليعبدوه وحده لا شريك له، خلق الله الدنيا وسائر الخلق ليعبد ويعرف ويعظم ويعلم أنه على كل شيء قدير، وأنه هو القادر على كل شيء، وأنه بكل شيء عليم، كما قال سبحانه وتعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:٥٦] فبين أنه خلق جميع الخلق ليعبدوه حتى افضل الخلق الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، من جملتهم خلق ليعبد ربه وحده :{ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩] وقال عز وجل في سورة الطلاق: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}. [الطلاق:١٢] وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} [ص:٢٧] فالله جل وعلا خلق الخلق ليعبد، خلقها للحق وبالحق ليعبد ويطاع ويعظم وليعلم أنه على كل شيء قدير وأنه بكل شيء عليم سبحانه وتعالى.

وقد أشار الله سبحانه إلى هذا المعنى في آيات، قال عز وجل : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا }.[هود:٧]، فأخبر أنه خلقها هكذا؛ ليبلونا وليختبرنا أينا أحسن عملا، وأتقن عملا، وأكمل عملا. فالعجل الذي لا يتدبر الأمور قد يخل بالعمل، فالله خلقها في ستة أيام ليبتلي العباد، بإتقان أعمالهم، وإحسان أعمالهم، وعدم العجلة فيها، حتى لا تختل شؤونهم ومصالحهم :{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}. [هود:٧]، قال سبحانه: { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}. [الكهف: ٧]، وجعل ما على الأرض من جبال وأشجار ونبات وحيوانات ومعادن وغير ذلك؟ ليبلو العباد (ليختبرهم) أيهم أحسن عملا في استخراج ما في هذه الأرض والاستفادة من ذلك والانتفاع بذلك، وقال سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:٢].

ففي هذه الآيات وما جاء في معناها الدلالة على أنه سبحانه خلق هذه الأشياء بهذا التنظيم وبهذه المدة المعينة ليبلو عباده ويختبرهم أيهم أحسن عملا [ لمن أراد المزيد العلمي ينظر كلام الامام ابن باز رحمه اللهُ تعالى في مجموع فتاوى ومقالات الامام ابن باز رحمه الله تعالى ( ٢٨ / ١٠٠ )].

ولعل هذا الداعية جهلا منه لم يفرق بين الحكمة من خلق الخلق وبين الحكمة من تسخير الله تعالى لبعض مخلوقاته للإنسان لبيان فضله ورحمته سبحانه وتعالى على الإنسان ليوحد الله سبحانه ويطاع فلا يشرك معه غيره 

كما قال سبحانه وتعالى:{ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}{ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ}

ففي هذه الايات الكريمة :

" يعدد تعالى نعمه على خلقه ، بأن خلق لهم السماوات سقفا محفوظا والأرض فراشا ، وأنزل من السماء ماء فأخرج به أزواجا من نبات شتى ، ما بين ثمار وزروع ، مختلفة الألوان والأشكال ، والطعوم والروائح والمنافع ، وسخر الفلك بأن جعلها طافية على تيار ماء البحر ، تجري عليه بأمر الله تعالى ، وسخر البحر يحملها ليقطع المسافرون بها من إقليم إلى إقليم آخر ، لجلب ما هنا إلى هناك ، وما هناك إلى هاهنا ، وسخر الأنهار تشق الأرض من قطر إلى قطر ، رزقا للعباد من شرب وسقي وغير ذلك من أنواع المنافع ".

وكل ما سبق إظهاره وتسخيره من دلائل قدرة الله الباهرة وحججه القاهرة الدالة على ربوبيته سبحانه وتعالى فلا يعبد إلا هو سبحانه وتعالى ولا يشرك معه غيره وهذه تنبيه للعقلاء 

:{ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }.

وليس المراد أن هذه المخلوقات العظيمة خلقت لأجل الإنسان بل هذه المخلوقات بما فيها الإنس والجن خلقت لأجل عبادة الله وحده لا شريك له كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦].

ف"هذه الغاية، التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته، المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، وذلك يتضمن معرفة الله تعالى، فإن تمام العبادة، متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة لربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم".

رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح والرزق الحلال الطيب الواسع المبارك وأحسن لنا ولكم الخاتمة ؛ والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

••••••••••••••

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو الله مولاه: غازي بن عوض العرماني .